حماس الشباب لخدمة المجتمع يخبو بعد الاستعراض على مواقع التواصل

تتنوع الحملات التطوعية لدى الشباب العرب، ولا تختلف الأسباب أو النتائج أو حتى الطرق بين بلد وآخر، حيث تبدأ بحالة حماسية تنتشر بسرعة لتحسين المظهر العام للمدن والاهتمام بالشرائح العمرية الأكثر هشاشة، ترافقها ضجة “فيسبوكية” تنتقل إلى وسائل الإعلام ثم لا تلبث أن تخبو جذوة الحماس وتختفي الحملة إلى أمد ليس بالقريب.
تونس – مع وصول الرئيس قيس سعيد إلى قصر قرطاج قبل عام، انطلقت حملة على فيسبوك لتنظيف الشوارع في تونس تحت شعار “الشعب يريد شوارع نظيفة”، وتحولت إلى مشروع فعلي تجند له الآلاف من الشباب وانتشرت حملة التنظيف في جميع أنحاء تونس، وبعد أيام قليلة خبت جذوة الحماس وعادت الشوارع إلى ما هي عليه ولم تبق سوى الصور الملتقطة التي استعادها فيسبوك ليذكّر بها أصحابها بعد مرور عام.
لم تكن هذه الحملة -شأنها شأن غيرها من مبادرات تنظيف الشوارع والحدائق والسواحل التونسية- الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنها ليست منظمة وممنهجة بخط زمني أو توقيت يحافظ على النتيجة التي يراد الوصول إليها ببيئة نظيفة وشواطئ خالية من التلوث وحدائق صالحة للعب الأطفال والترفيه.
تنشط الحملات التطوعية في فترات متباعدة وكأنها هبّة مفاجئة وأحيانا يغلب عليها الاستعراض ومحاولة إثبات الوجود والفاعلية من قبل شباب مازالوا في بداية الطريق، يطغى عليهم الحماس في البداية للانضمام إلى تظاهرة مشتركة لجيل منطلق نحو الحياة، ومنهم من يكون مدفوعا بشعارات من نوع “كما ساهمنا في تغيير المشهد السياسي وانتخاب الرئيس النظيف لكي يحكمنا.. نريد تنظيف شوارعنا” و”نريد بلادنا نظيفة”، وآخرون لا يريدون أن يفوتهم الحدث ويوثقون وجودهم بالصور أكثر من توثيقه بالإنجاز الفعلي، ليكونوا ضمن الحدث الذي يحظى باهتمام وسائل الإعلام.
وتسعى فئة أخرى من الشباب إلى توعية المواطنين بضرورة تحسين محيطهم وحث الجيل الجديد على لعب دور فعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية.
واعتبرت نسرين البيش -إحدى المتطوعات لتنظيف شوارع مدينة تونس- أن الحملة التي انطلقت في مدينتها وفي مختلف المدن التونسية، هي مبادرة شبابية بامتياز وليس لها أيّ خلفية حزبية. وشهدت الحملة استجابة واسعة من المواطنين الذين توافدوا لتنظيف الشوارع وممرات السيارات وطلاء الأرصفة وتهذيب الحدائق.
ويرى الشباب أن البلاد في أمس الحاجة إلى مثل هذه المبادرات التي تغذي الشعور بالانتماء الوطني، وتدفع كل أبنائه إلى التعاون من أجل تغيير واقعهم والنهوض بوطنهم. ودور الحملة لا يقتصر على تنظيف واجهات المدن والأماكن العامة والشوارع، بقدر ما يكمن في إدراك التونسيين -خاصة الأطفال والشباب- أهمية الاعتناء بجمال مدنهم والحرص على الاهتمام بالبيئة.
وأشارت هادية العباسي -متطوعة في حملة النظافة- إلى “أن الحملة نجحت في توحيد التونسيين وتجميعهم حول هدف مشترك”.
ويدرك بعض المواطنين أن هذه الحملة آنية وقد تكون مجرد هبّة شبابية مثل غيرها من الحملات التي تقع بين فترة وأخرى والتي تعد إحدى طرق الاستعراض وإبراز الأهمية والمبادرات، إلا أنهم يؤكدون أنه يمكن تكثيفها مع الوقت والدفع لاستمرارها وإطلاق الكثير غيرها.
ويبدو أن حملات التنظيف حفزت الشباب على إطلاق مبادرات أخرى تدعو إلى إعلاء قيم وممارسات أخلاقية من شأنها إذكاء روح المواطنة وترسيخ مبدأ التطوع.
وتميزت الحملات بارتفاع وتيرتها وتنوع مضامينها. فمنها ما شجع على شراء المنتجات المحلية لإنعاش الدينار التونسي تحت شعار “استهلك تونسي” (استهلك المنتوج التونسي)، ومنها ما دعا إلى احترام القوانين والالتزام بترتيب الطوابير عند إجراء المعاملات الإدارية كحملة “نخلص القباضة ونحترم القانون”.
واستخدم آخرون مواهبهم لرسم لوحات فنية وتزيين الجدران المرهقة بمراقبة أحلام الأجيال المتتالية وهي تهرب منهم.
وأكد أيمن السالمي -أحد المتطوعين الشبان في الحملة بفضاء “الخربة” في مدينة تونس- أن “هذه الحملة جاءت بصفة عفوية وتلقائية وغير ممنهجة”.
وأضاف أن “الحملة لاقت تفاعلًا كبيرًا من المواطنين على اختلاف شرائحهم العمرية من أطفال وشباب وكهول وشيوخ”.
كما دعا إلى ضرورة تفعيل مفهوم “المواطن الرقيب” على الممتلكات العامة، مشيرا إلى أن “الإصلاح ينطلق دائما وأبدا من قاعدة أن التغيير يبدأ من المواطن وينتهي عند الدولة”.
وأكد السالمي أن هذا العمل لن ينجح إلا عندما تتغير العقلية لتحقيق التقدم المنشود.
وأشار إلى أن الدول المتقدمة تتعامل بجدية وصرامة مع عدة مسائل مهملة في بلادنا، وأهمها نظافة المحيط والتلوث البيئي.
وعبر الكثير ممن تابعوا الحملات عن أملهم في أن تصبح حملات النظافة في تونس عادة، إلى جانب التحلي بالحس الوطني والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن عبر تغيير العقلية في التعامل مع الأماكن العامة.
وتتنوع الحملات التطوعية لدى الشباب العرب، ولا تختلف الأسباب أو النتائج أو حتى الطرق بين بلد وآخر، ففي مصر ذات الكثافة السكانية العالية، يشكل الجيل الجديد طاقة هائلة ويمكن للمبادرات والحملات الشبابية أن تسهم في تقديم الكثير للمجتمع. ومن شرائح المجتمع كبار السن الذين فقدوا الرعاية والاهتمام من المقربين، وتشكل أي مبادرة لتذكرهم وتقديرهم من قبل الشباب أهمية كبيرة بالنسبة إليهم لرفع معنوياتهم.
ومؤخرا انطلقت حملة في مدينة الإسكندرية المصرية بالتزامن مع باقي المحافظات بعنوان “أهلنا غاليين علينا” (أهالينا أعزّاء علينا)، من أجل مد يد المساعدة لكبار السن، ومساعدتهم، وتزويدهم بمستلزمات الوقاية والحماية اللازمة، وذلك في إطار الإجراءات الاحترازية للوقاية من فايروس كورونا المستجد.
وقامت فرق التعقيم والتطهير بتطهير وتعقيم دور المسنين، واستخدمت ماكينات رش الكحول للتعقيم، ووزعت قوارير مياه وكمامات وعصائر على كبار السن، وقدّمت بعض الألعاب الترفيهية إلى المسنين لتسليتهم، ووزعت عليهم منشورات لتوعيتهم بإجراءات الوقاية من فايروس كورونا المستجد.
وتستهدف المبادرة إحياء قيم التراحم والوفاء لدى شباب مصر، ومساعدة كبار السن، وتوعيتهم، خاصة في هذه الأوقات الصعبة، لأنهم الفئة العمرية الأكثر عرضة للخطر بسبب كورونا، وذلك في إطار المسؤولية المجتمعية للشباب تجاه فئة مهمة من فئات المجتمع.
وتتنوع أنشطة وفعاليات المبادرة الشبابية، منها نشر الوعي لدى كبار السن داخل المحافظات بضرورة اتباع إجراءات الوقاية من فايروس كورونا، والمساهمة في تسهيل حصول كبار السن على الخدمات العامة (المعاشات – الأدوية الشهرية)، وتوفير خدمة إيصال الطلبات (مواد غذائية – أدوية) إلى كبار السن مجّانًا، وتلبية احتياجات دور المسنين ومدّها بالأغذية والمساعدات الصحية، والقيام بزيارات ميدانية لكبار السن بدور المسنين، ودعمهم نفسياً من خلال برامج ترفيهية ورياضية.
وحظيت الحملة بتغطية “فيسبوكية” رافقتها الصور، بينما يأمل المسنون ألا تنقطع هذه المبادرات بخمود جذوة الحماس الشبابي، كما حدث في المغرب مع حملة #جيبها_تعيد_معك التي أطلقها شباب مغاربة عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي وتدعو إلى استضافة المسنين المتخلى عنهم، المقيمين في دور رعاية المسنين، خلال أيام عيد الأضحى قبل عام.
وانتشر الهاشتاغ بشكل واسع بين رواد موقعَيْ فيسبوك وتويتر في المغرب، وتم الترويج للمبادرة الإنسانية التي تسعى إلى الاهتمام بالمسنين الذين يعيشون وضعية صعبة.
وقال لبيب المسعدي -أحد الداعين إلى المبادرة، ويشغل منصب رئيس جمعية “معا لفك العزلة عن المسنين”- “الهدف الأسمى هو أن نتقاسم أجواء الفرح والألفة مع المسنين، ونوفر لهم الأجواء العائلية بعدما تخلى عنهم الأهل والأحباب، أو الذين ليس لهم من يسأل عنهم”.
وأضاف “بالمناسبة نأمل في وضع برامج وإيجاد حلول عملية للتخفيف من معاناة المسنين، سواء القاطنون بمراكز الرعاية الاجتماعية أو الذين لم يجدوا إلا الشوارع لتؤويهم”.
لكن هذه المبادرة كانت وحيدة وتوقفت عند حدود عيد الأضحى عام 2019 ولم تتكرر لاحقا، رغم حاجة المسنين الملحة لمبادرات مماثلة أو حتى زيارات منظمة لدور المسنين.
وتوجد بالمغرب 62 مؤسسة لرعاية واستقبال المسنين، تشرف على تسييرها جمعيات المجتمع المدني، برعاية من وزارة التضامن. وتستهدف تلك المؤسسات 5029 شخصا مسنا، أكثر من 2600 منهم نساء.
وما ينتظره المسنون من الشباب هو تلبية احتياجاتهم الإنسانية قبل المادية وليس المبادرات النادرة بين فترات متباعدة قد تستمر شهورا
وأكد باحثون في علم الاجتماع، أن هناك انحدارا في مستويات القبول المجتمعي بالشخص عند بلوغه سن التقاعد كفاعل أساسي داخل عدد من الأسر المغربية، نظرا لكونه لم يعد معيلا للأسرة كما كان سابقا ما يؤثر على موقعه الاعتباري والرمزي، الأمر الذي يؤثر على علاقته بأفراد أسرته.
وأظهرت نتائج الإحصاء العام للسكان لعام 2014 أن أعداد السكان من كبار السن في ارتفاع متواصل. ويمثل الأشخاص البالغين من العمر 60 عاما أو أكثر 9.6 في المئة من مجموع السكان، مقابل 8.1 في المئة عام 2004، من أصل نحو 35 مليون نسمة.
وارتفعت أعداد المسنين في البلاد، من مليونين و376 ألف نسمة سنة 2004 إلى 3 ملايين و209 آلاف نسمة سنة 2014.
ويشكل هذا الواقع ضغوطا نفسية كبيرة على المسنين، لذلك تعتبر المبادرات الشبابية لزيارة المسنين ورعايتهم في فترات متقاربة من أهم الوسائل لرفع معنوياتهم وتحسين حالتهم النفسية وتخفيف الأمراض عنهم.
وهناك مبادرات مرتبطة برعاية المسنين من أجل إعادة الاعتبار لمكانتهم داخل المجتمع حيث أُنشئت “جمعية معا لفك العزلة عن المسنين”، في مدينة القصر الكبير، بهدف فك العزلة عن المسنين من خلال الاستقبال والاستماع والمواكبة والدعم والحماية من مختلف أنواع العنف الجسدي والنفسي والمالي، وخلق جسر للتواصل بينهم والاستعانة بخبراء التنمية البشرية لإعادة إدماجهم.
كما تجمع مبادرة “السكن بين الأجيال” بين التخفيف على المسنّات ممن يعشن عزلة لأسباب اجتماعية وعائلية، والمساهمة في حل مشكلة السكن لصالح الطلبة، والتي تحول في الغالب دون إمكانية متابعتهم لمسيرتهم الدراسية.