حل أزمة الإعلام على طريقة واشنطن بوست: ملياردير لكل صحيفة

تكلفة الصحافة الجيدة عالية وتحتاج إلى رعاية المؤسسات الاقتصادية.
الخميس 2020/12/24
الصحافة بحاجة إلى راع

تستطيع صحيفة “واشنطن بوست” التعويل على ثروة مالكها الملياردير جيف بيزوس لزيادة عدد صحافييها إلى 1010، في إطار خططها للتوسع ومنافسة “نيويورك تايمز”، غير أنّ صحفا عريقة أخرى سواء في الولايات المتحدة أو العالم العربي ليس لديها راع مثل بيزوس، ولا ملايين الدولارات من الإيرادات الرقمية مثل “نيويورك تايمز”، لذلك يقع على عاتق جهات أخرى تقديم دعم للصحافة، فالصحافة الجيدة ذات تكلفة عالية.

واشنطن - أعلنت صحيفة “واشنطن بوست” اليومية الأميركية أن عدد العاملين في فريقها التحريري سيرتفع إلى مستوى قياسي، إذ سيتجاوز ألف صحافي بعد استحداثها مكاتب في أوروبا وآسيا، في وقت يعتبر الأسوأ بالنسبة إلى العديد من الصحف ووسائل الإعلام الأخرى في العالم، والتي اضطرت إلى التخلي عن الآلاف من الموظفين بسبب الأزمة الاقتصادية.

وبالنظر إلى أن الصحيفة الأميركية مملوكة منذ عام 2013 لأغنى رجل في العالم الملياردير جيف بيزوس، مؤسس “أمازون” فإن تكلفة هذه الزيادة التي تأتي في إطار التوسّع الدولي للصحيفة لن تكون عبئا كبيرا، في حين أن المشهد الإعلامي الأميركي مأزوم بسبب تأثره بشدة بالأزمة الاقتصادية، حيث تميل معظم الصحف إلى توفير المال من خلال وقف إصدار نسخها الورقية والاكتفاء بمواقع إلكترونية.

وتأمل “واشنطن بوست” في زيادة عدد المشتركين في نسختها الإلكترونية ومنافسة “نيويورك تايمز” التي تضم فريقا لا يقل عدده عن 1700 صحافي، وتولي اهتماما خاصا لقرائها الدوليين، بفضل إيرادات الاشتراكات الرقمية التي تغطي تكاليف هذا الفريق الضخم

كاثرين فاينر: كنا سنكون أسوأ كثيرًا لولا مئات الآلاف من القراء الذين لبوا نداءنا

وتتيح ثروة بيزوس الضخمة تغطية النفقات وخطط التوسع لـ”واشنطن بوست” التي تعد من بين أكبر الصحف الأميركية وتساهم في التأثير بقوة على الرأي العام الأميركي، وهو ما يشير إلى نموذج جديد من التمويل لحل أزمة قطاع الصحافة والإعلام ويتمثل في رعاية المشاريع الصحافية، سواء من قبل الدولة أو كبار المستثمرين أسوة بقطاع الثقافة والتراث.

وترعى غالبية الدول المشاريع الثقافية والفنية والتراثية للمبدعين والموهوبين الشباب عبر تخصيص ميزانية محددة لها، وهو الأساس الذي يعتمد عليه القطاع الثقافي لإنعاش حركته واستمراره في أصعب الظروف، فلماذا لا يتم اعتماد هذا النموذج في الصحافة التي تقوم بدور حيوي في تقديم خدمة عامة للجمهور.

ويؤكد خبراء الإعلام أن زمن الاعتماد على الإعلانات كمورد رئيسي لاستمرار المؤسسات الإعلامية ذهب إلى غير رجعة، وعليها البحث عن نماذج تمويل جديدة، وقد لجأت المجموعات الصحافية الكبيرة في الأشهر الأخيرة إلى دمج الصحف وخفض توزيعها أو وتيرة صدورها وإقفال مطابع، لكن البعض من الصحف مثل نيويورك تايمز سجلت نموا في اشتراكاتها الرقمية وتسير بثبات نحو تحقيق أهدافها ومازالت متمسكة بنسختها الورقية، مستفيدة من إيرادات النسخة الرقمية.

غير أنّ صحفا عريقة أخرى سواء في الولايات المتحدة أو العالم العربي ليس لديها راع مثل بيزوس، ولا ملايين الدولارات من الإيرادات الرقمية مثل “نيويورك تايمز”، لذلك يقع على عاتق جهات أخرى تقديم دعم للصحافة، فالصحافة الجيدة ذات تكلفة عالية.

وقد ظهرت بعض الحلول التي تحتاج إلى تعميم أكبر وتبنيها من قبل الدول ومنها العربية، كأن تكون للمؤسسات الاقتصادية سياسة تقوم على تخصيص جزء من إعلاناتها إلى الصحافة الجيدة أو تحويل المؤسسات الصحافية إلى مؤسسات غير ربحية على غرار “بروبابليكا” ومؤسسة “تكساس تربيون” وهي مؤسسة صحافية غير ربحية أو صحيفة “لا براس” الكندية.

بدورها، الغارديان اليسارية التي لا تحظى بدعم الشركات الكبرى والأثرياء، كسبت دعما من القراء من أجل تجاوز أزمتها الوجودية في عام 2020 وزاد عدد المشتركين 268 ألف اشتراك رقمي جديد أي بزيادة قدرها 43 في المئة، ويبلغ إجمالي الدعم الرقمي أكثر من 900 ألف شخص، مقارنة بـ632 ألف قبل عام فقط.

رعاية المشاريع الصحافية
رعاية المشاريع الصحافية

وذكرت رئيسة التحرير كاثرين فاينر في مقال نشرته الأربعاء “بعد عام تقريبًا، لا أحد يعرف مدى السرعة والقوة التي ستعود بها اقتصاداتنا في عام 2021 وما بعده. لكننا نعرف شيئًا واحدًا: كنا سنكون أسوأ كثيرًا لولا مئات الآلاف من القراء الذين لبوا نداءنا”.

وسعت بعض الحكومات إلى وضع برامج دعم للمؤسسات الصحافية؛ إذ قررت الحكومة الدنماركية دعم صناعة الإعلام بـ25 مليون يورو، بينما تبحث الحكومة الفرنسية وضع برنامج لمساعدة الصحافة وقطاع الإعلام ويشمل صرف المساعدات للمؤسسات مع اهتمام خاص بالمؤسسات التي يمكن أن تتعرض إلى الإفلاس ووضع برنامج لمساعدة المؤسسات الإعلامية عبر تأخير دفع الضرائب إضافة إلى الترخيص لمحلات بيع الصحف.

وتبدو الفرصة سانحة حاليا لـ”واشنطن بوست” للنمو والصعود ومنافسة نيويورك تايمز، تحت قيادة بيزوس الذي يحاول دعم إمبراطوريته الاقتصادية بمؤسسة صحافية عريقة. ومن ضمن الخطط القادمة إنشاء مكتبي تحرير في كل من لندن وسيول، بهدف توفير تغطية إخبارية أكثر فاعلية على مدار الساعة، وكانت قد أكدت في عام 2018 أنها تحقق أرباحا لكنها لم تنشر بياناتها المالية.

وأوضحت الصحيفة الأميركية في بيان أنها تريد أن توفّر لقرائها في كل أنحاء العالم “معلومات سريعة وشاملة في أي وقت من اليوم تندرج ضمنها تغطية إخبارية غنية ومتنوعة منذ ساعات الفجر في أميركا الشمالية”.

مارتي بارون: القراء سيلاحظون صحافة أكثر تنوعا، توسع الصحيفة وزيادة عدد محرريها يشيران إلى الثقة في مستقبلها

وستستحدث واشنطن بوست كذلك مكاتب جديدة في سيدني بأستراليا وبوغوتا بكولومبيا، وبذلك يصل العدد الإجمالي لفروعها في الخارج إلى 26.

وبفعل هذا التوسع، سينضم 44 صحافيا جديدا إلى أسرة التحرير، ما يرفع إجمالي عدد صحافييها إلى 1010 صحافيين، وهو رقم قياسي منذ إنشائها في العام 1877.

وقال رئيس تحرير الصحيفة مارتي بارون إن القراء سيلاحظون “صحافة أغنى وأعمق وأسرع وأكثر تنوعا وابتكارا”، مشيرا إلى أن توسع الصحيفة وزيادة عدد محرريها “يشيران إلى ثقة كبيرة في مستقبلها”.

وعلى النقيض من ذلك، تواجه العديد من الصحف والمجلات الخاصة بمدن أو ولايات معيّنة صعوبة كبيرة في كل أنحاء الولايات المتحدة. وخلصت بعض التحليلات للقطاع أن الأزمة ستقضي على الصحافة المكتوبة المحلية التي كانت تعتمد على قطاعات مثل توزيع السيارات والتجارة والسينما.

ففي النصف الأول من سنة 2020، ووفقا لموقع “تشالنجر، غراي آند كريسماس”، فقد قامت إدارات تحرير صحف أميركية بتسريح أكثر من 11 ألف موظف.

ويعتبر هذا العام هو الأسوأ بالنسبة إلى وسائل الإعلام الأميركية منذ الأزمة الاقتصادية في العام 2008 عندما تم الإعلان عن تسريح 14265 موظفا.

ووجهت عدة منظمات مدنية عاملة في مجال الصحافة بيانًا إلى مجلس النواب ومجلس الشيوخ لدعم الصحافة المحلية واعتبارها خدمة أساسية للمواطنين ورخائهم وتعافي الأمة. وتطالب هذه المنظمات الكونغرس بإدماج الصحافة في برنامج إنعاش القطاعات الاقتصادية، وتقديم دعم يقارب 5 مليارات دولار لصالح قطاع الصحافة والإعلام، وتوفير صندوق دعم عاجل لغرف الأخبار للمحافظة على الوظائف.

18