حلول منقوصة لأزمة الفاتورة الإلكترونية بمصر تنذر بتصعيد جديد

القاهرة - قدمت الحكومة المصرية مجموعة من التنازلات لحل أزمة “الفاتورة الإلكترونية” التي اندلعت قبل أشهر جراء الرفض الواسع الذي واجهته من جانب نقابات مهنية، أبرزها نقابة المحامين، لكن من دون أن تنهي الأزمة بشكل كلي، ما يفتح الباب على احتمالات عدة مع قرب انتهاء الفترة المحددة للتسجيل بنهاية شهر أبريل الجاري، لتكون أمام اختبار جديد بشأن قدرتها على تمرير رؤيتها من عدمه.
أعلنت مصلحة الضرائب المصرية التابعة لوزارة المالية إعفاء الكيانات الفردية التي تتعامل مع مستهلك نهائي فقط من الانضمام إلى نظام الفاتورة الإلكترونية، وألزمت في الوقت ذاته الكيانات الفردية التي لها تعاملات مع هيئات أو مؤسسات تتعامل بالفاتورة الإلكترونية بالتسجيل والانضمام إلى المنظومة المثيرة للجدل، وطالبت بإصدار فواتير إلكترونية لتعاملاتها مع هذه الكيانات.
ويلزم قانون الإجراءات الضريبية في مصر تطبيق نظام هذه الفاتورة ضمن الأنظمة الإلكترونية الحديثة، في ظل اتجاه الدولة لتطبيق إستراتيجية التحول الرقمي. ودعت الضرائب جميع الممولين، ومنهم أصحاب المهن الحرة، إلى التسجيل بالمنظومة في موعد أقصاه منتصف ديسمبر الماضي، قبل أن ترجئ التطبيق إلى نهاية أبريل إثر احتجاجات اندلعت بمنطقة وسط القاهرة أمام مقر نقابة المحامين رفضا للمنظومة.
تباينت ردود الأفعال داخل النقابات المهنية بسبب رؤية مصلحة الضرائب التي قالت إنها جاءت بالتوافق مع النقابات ولم تستثن أحدا من العاملين في مجال الأعمال الحرة من المنظومة، وهو هدف رئيسي طالب به قطاع واسع من المحامين والأطباء والمهندسين، ولم تعلن بعد عن قيمة ما سيتحمله صاحب العمل من تكاليف التسجيل، وكان هناك توافق على أن تتحمل ذلك وزارة المالية أو يتحملها الطرفان معا.
ونجحت أجهزة حكومية في امتصاص غضب بعض النقابات بعد أن تكررت الوقفات الاحتجاجية أمام أكثر من نقابة رئيسية وفرعية، وتم تشكيل لجان عمل مشتركة بين وزارة المالية ومجالس النقابات للتوصل إلى حل توافقي، ورفضت الاستسلام لموجات الانتقادات وحرصت على استخدام مصطلح “إرجاء تطبيق المنظومة” بدلا من الإلغاء.
ويرى مراقبون أن الحكومة إذا مضت باتجاه تنفيذ ما أعلنت عنه من تفاهمات ستكون الطرف الأكثر تحقيقا للمكاسب، لأنها تمكنت من تثبيت النظام الضريبي، وثمة فئات قليلة مستثناة لا تتعامل مع أي جهات لها علاقة بالفاتورة الإلكترونية، ما يشي بأن حالة الغضب التي انتابت بعض الجمعيات العمومية للنقابات لن يكون لها تأثير كبير على توجهات الحكومة تجاه إحدى القضايا التي يتعامل معها المواطنون على أنها سوف تؤدي إلى مضاعفة الأعباء المالية عليهم.
وقالت عضو مجلس نقابة المحامين فاطمة الزهراء غنيم إن ما أعلنت عنه مصلحة الضرائب من تفاهمات أمر متفق عليه منذ بداية المشاورات، وأن أصحاب العمل، ويمثلون في مهنة المحاماة أصحاب مكاتب المحاماة، هم من سيكون عليهم التسجيل في منظومة الفاتورة وليس المحامين الذين يعملون في هذه المكاتب، وأن التعديلات كان من المفترض الأخذ بها عند إقرار القانون، والأمر لم يكن بحاجة إلى ضغط أو مناقشات.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن المشكلة الحالية تتعلق بأن مصلحة الضرائب أعلنت عن تعديلات في نظام التسجيل قبل أن تتم ترجمة ذلك عبر تعديل التشريع الخاص بمنظومة الفاتورة الإلكترونية، في حين لا يبقى على آخر فرصة للتسجيل سوى أيام قليلة. ويخشى عدد كبير من المحامين أن يتم توقيع عقوبات عليهم في حال عدم التسجيل في المنظومة، وإذا كانت هناك جدية في التنفيذ فعلى البرلمان التدخل سريعا الأيام المقبلة.
وأوضحت غنيم أن الضغوط التي مارستها الجمعية العمومية كان لها دور مؤثر في ما جرى التوصل إليه من تفاهمات، مؤكدة فداحة المشكلة ودفعها قطاعات من الأقاليم المصرية إلى التحرك للحفاظ على حقوقها وضمان عدم تضررها، وأن ما يطمئن الجمعية العمومية ويجعلها أكثر قبولا وثقة في ما أعلنته مصلحة الضرائب يتمثل في إدخال تعديل على القانون نفسه الذي ينص على تسجيل أصحاب الأعمال الحرة.
ويعبر موقف المحامين عن أزمة ثقة بين النقابات والحكومة التي عمدت إلى استبعاد قطاع واسع من أعضاء النقابات المهنية التي تشكل الكتلة الأبرز في المجتمع المدني المصري أثناء إقرار القانون، ما يجعل الباب مفتوحا أمام تصعيد آخر في حال لم تنته النقاشات المقرر استكمالها عقب إجازة عيد الفطر بين نقابات المحامين والأطباء والمهندسين والصيادلة وبين وزارة المالية.
◙ عدد كبير من المحامين يخشون أن يتم توقيع عقوبات عليهم في حال عدم التسجيل في المنظومة
وأعلنت نقابة الأطباء أن بيان رئيس الضرائب جاء متضمنا ما جرى الاتفاق عليه مع وزارة المالية بشأن تأجيل تطبيقه حتى 2027 بدلا من يوليو 2025، الذي تمسكت به وزارة المالية، لكن ذلك لم يمنع ممارسة ضغوط داخل النقابة لعقد جمعية عمومية عقب إجازة عيد الفطر، للنظر في ما أقرته مصلحة الضرائب وسط اعتراضات من جانب الأطباء على آليات تطبيق المنظومة عليهم.
وأوضح عضو مجلس نقابة الأطباء الفرعية بالسويس (شمال) إيهاب الصاوي أن قرار مصلحة الضرائب باستثناء غير المتعاملين مع الهيئات والجهات المتعاملة بالفاتورة الإلكترونية لن يخدم القطاع الأوسع من الأطباء الذين لديهم تعاملات مع أغلب تلك الجهات، وقد يتم استثناء العيادات الصغيرة في القرى والنجوع، وليس هناك جديد بشأن مشكلات الأطباء وأن الجمعية العمومية ستناقش الخطوات المقبلة.
وذكرلـ”العرب” أن وزارة المالية تفرض على الأطباء التعامل بنظام الفواتير وقد يكون ذلك إيجابيا، لكن الواقع يشير إلى استحالة تنفيذه لأن التعاملات مع المرضى وغيرهم من العاملين بالعيادة لا تُستخدم فيها الأوراق الرسمية، ويجد الطبيب نفسه مرغما على دفع ضرائب غير مناسبة، وعلى الحكومة تبني مواقف مرنة لحل الأزمة.
تدرك دوائر حكومية أن تقديم قدر من التنازلات مفيد لضمان استمرار الحوار، لكنها ترفض أن تظهر كطرف ضعيف أو مضطر إلى تقديم المزيد من التنازلات بما يعني أن الاحتجاجات وسيلة مستمرة للضغط عليها، وسعت لتوصيل رسالة مفادها أن الحوار في إطار الوعاء الرسمي هو الطريق الوحيد لحل الأزمات.
وظهرت وزارة المالية كطرف قدم تنازلات من خلال الحوار، وعلى النقابات الاستمرار دون أن تسمح لمجالس النقابات بتسييس المشكلة، خاصة وأنها ليست بعيدة عن توجهات الحكومة وإن غلب عليها الطابع المستقل.