حلم "صلاح" يدفع أُسرا مصرية لحض أبنائها على ممارسة الرياضة

أمهات يشتكين الظروف الصعبة لتسجيل أبنائهن في النوادي، والخطط الحكومية للحد من سمنة الأطفال بالمدارس غير مطبقة.
الجمعة 2018/12/28
حالمون بالنجومية والشهرة

لفت انتقاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لزيادة وزن المصريين، أنظار كثيرين إلى ظاهرة السمنة التي يعاني منها نحو 25 بالمئة منهم، ونصح السيسي الأطفال خاصة بممارسة الرياضة، ووضعت هذه الانتقادات على المحك قرار الكثير من الأمهات بتكريس حياتهن للاهتمام بالتربية البدنية لأبنائهن لكن ليس حرصا على اللياقة والصحة العامة، بل على أمل أن يصبحوا نجوما في المستقبل.

القاهرة – استقبل كثيرون كلمات السيسي باستنكار، كونها لعبت على وتر حساس عند أغلب الأمهات، ممن تبنين في فكرة إنه “لا أحد يقدر تعبنا”، بينما عقدت أخريات العزم على تنفيذ مخطط لإنقاص الوزن، أما الأزواج البدناء، فتحسسوا بطونهم، وكأن الرئيس عندما تحدث كان يقصدهم.

تبدو الخطط والبرامج الرسمية التي تضعها الحكومة للحد من ظاهرة زيادة الوزن عند أطفال المدارس كثيرة ظاهريا، لكنها غير منفذة على أرض الواقع، وسعت وزارة التربية والتعليم إلى تطبيق نصائح الرئيس سريعا، بجعل التربية الرياضية مادة أساسية في جل المدارس المصرية.

لكن في الواقع غالبية المدارس الحكومية غير مؤهلة لتطبيق هذا التوجه فبعضها غير مجهزة بالملاعب، وبعضها أزيلت منها الملاعب والساحات المخصصة لممارسة الرياضة لزيادة عدد المباني والتغلب على الكثافة في الفصول الدراسية.

وتحرص أمهات مصريات على تحريض الأبناء على ممارسة رياضات بعينها، آملات في أن يحققن حلم البطولة، ثم الشهرة والمكسب المادي. وتعمد بعض الأسر إلى تحويل متعة اللعب، وهي نشاط أساسي للأطفال، إلى نشاط رياضي منتظم يساعد على تنمية القدرات الجسدية والعقلية والاجتماعية لدى الطفل، وينطوي على آفاق أفضل لمستقبله ولحياته على الصعيد البدني والصحي وكذلك على صعيد مؤهلات النجاح.

ويتطلب ذلك جهدا كبيرا من الأم، لا يقل عن الجهد الذي يبذله الصغار في الملاعب، وزادت رغبة الأسر في دعم الأطفال على ممارسة الرياضة في الآونة الأخيرة، بعد بزوغ نجم اللاعب المصري محمد صلاح، المحترف في صفوف فريق نادي ليفربول الإنكليزي، حيث تضاعف الإقبال على مدارس تعليم كرة القدم.

العديد من الأسر، بينها نسبة من محدودي الدخل، حريصة على ممارسة الأبناء للرياضة، بما يتناسب مع قدراتها المالية

معاناة الأمهات في اصطحاب الأبناء للتدريب ثلاثة أيام أسبوعيا، جعلتهن يستقبلن كلام الرئيس المصري بكلمة واحدة “لا أحد يشعر بنا”، لا سيما وأنهن يرهقن من الجلوس في انتظار الأبناء في الأماكن المفتوحة بالأندية الرياضية، فضلا عن أن بعض الرياضات مثل السباحة، تحتاج إلى التدريب مرتين كل يوم، إحداهما تكون في وقت مبكر، وهناك من تضطر للنزول مع ابنها حوض السباحة، في أول مراحل التدريب.

ونشرت أمهات صورة تعبيرية على مواقع التواصل الاجتماعي تجسيدا لمعاناتهن، وتظهر الصورة ثلاث ألواح من الثلج، تم نحتها على هيئة نساء جالسات على مدرجات خرسانية، وعلقت بعض الأمهات قائلات “نحن في انتظار انتهاء التدريب”.

ويدفع انشغال الأب بهموم الحياة وتوفير نفقات البيت، ومن بينها قيمة اشتراك الابن في أحد الأندية الرياضية، الأم للقيام بمهام إضافية، فهي بجانب تلبية متطلبات المنزل من أكل وتنظيف ومراجعة دروس الأبناء، تصحبهم إلى التدريب، وأحيانا باستخدام وسائل المواصلات المرهقة والمكتظة.

يحدث ذلك أملا في تحقيق نموذج نجاح اللاعب صلاح ليس عن طريق كرة القدم فقط، لكن في أي رياضة أخرى، لكن ذلك لا ينفي وجود أسر ترغب في دفع الأبناء لممارسة الرياضة، بعيدا عن حلم الشهرة.

وتعاني إيمان عبدالغني، بسبب قطع مسافة تزيد عن 50 كيلومترا، بين منزلها والأكاديمية الخاصة التي يتدرب فيها نجلها، وذلك ثلاث مرات أسبوعيا. وتقول عبدالغني لـ”العرب”، إنها تحلم أن يصبح ابنها لاعب كرة مشهورا، ولم تنكر رغبتها في تحقيق حلم الثراء من خلال كرة القدم قائلة “الكرة هي التي تجلب النقود”.

وتضيف أنها تظل جالسة تنتظر لما يقرب من ساعتين لحين انتهاء التدريب، وأحيانا تقوم بممارسة المشي حول الملعب مع زميلاتها، فقد تحوّل الأمر من مسؤولية إلزامية إلى تجمع مع الأصدقاء.

وكشف المعهد القومي للتغذية أن 44 بالمئة من أطفال مصر يعانون من السمنة المفرطة، فيما كشفت الخريطة العالمية للسمنة أن 39.7 بالمئة من المصريات يعانين من السمنة المفرطة، وهو ما يجعل مصر تحتل المركز الثاني في السمنة عالميا.

مصر

وباتت شريحة من الأسر، بينها نسبة من محدودي الدخل، حريصة على ممارسة الأبناء للرياضة، بما يتناسب مع قدراتها المالية، ويشترك بعضهم في أندية رياضية، والبعض الآخر يذهب إلى مراكز الشباب في الأحياء الشعبية والفقيرة.

وفي مشهد متكرر تجلس الأم حاملة أمتعة أطفالها أمام ملاعب وقاعات التدريب، بعدها يتناول الابن وجبة سريعة على إحدى طاولات النادي، ثم يبدأ في أداء واجبه المدرسي، قبل العودة إلى المنزل، لأنه مع العودة يخلد للنوم.

 نسق يومي متسارع وضاغط بالنسبة للطفل وهو "أمر مرهق ماديا وجسديا"، وفق مشيرة رياض، التي تضطر لاصطحاب أبنائها من المدرسة ثم إلى النادي، ومذاكرة دروسهم قبل أو عقب التمرين لضيق الوقت.

وأوضحت رياض لـ”العرب”، أنها سعيدة بتقدم أبنائها في مجال الرياضة وحصولهم على المراكز الأولى في لعبة التايكوندو، والكثير من السيدات اللاتي تعرفهن يفعلن الشيء نفسه.

وتتكبد العديد من الأسر المصرية المشقة المادية، وسط ظروف معيشية صعبة، وتدخر بعضها نصيبا من ميزانية المنزل، لدفع رسوم تدريب الأبناء في مختلف الرياضات، لكن تحظى كرة القدم بالنصيب الأكبر، وهناك فئة أخرى ترجح لعبة السباحة أو الجمباز، على اعتبار أنهما من أكثر الرياضات التي تساهم في بناء جسم الطفل بصورة جيدة.

وزاد الاهتمام بكرة القدم، دون اعتبار رغبة أو موهبة الطفل في اللعبة، وأراد البعض سواء من الآباء أو الأمهات أن يحقق في نجله حلم “محمد صلاح” دون مؤاعاة إن كان الأخير يتمتع بالموهبة الحقيقية، بل هناك أطفال لا يجيدون ممارسة اللعبات الجماعية، وتتفجر موهبتهم في الألعاب الفردية فقط، مع ذلك تصر أسرهم على دفعهم بشتى الطرق لممارسة كرة القدم.

21