حكومة مالي تحرص على إبقاء التفاوض مع الجهاديين خلف الأبواب المغلقة

فتح قنوات التواصل يقتصر على القادة الجهاديين الماليين وليس الأجانب.
السبت 2021/10/23
مغادرة القوات الفرنسية لمالي ضربة قاسية للحكومة

أنكرت الحكومة المالية التفاوض مع الجهاديين في حين أنها فتحت أبواب التواصل مع البعض منهم قبل أيام وفق تأكيدات مسؤولين في الحكومة، وسط تصاعد التوتر مع فرنسا الرافضة للحوار مع الجهاديين ووجود مجموعة فاغنر الروسية على الأراضي المالية.

باماكو – نفت حكومة مالي مساء الخميس تكليف أي شخص بالتفاوض مع جهاديين، بعد أيام على إعلان بهذا الصدد من قبل إحدى وزاراتها، التي أكدت أنها كلّفت رسميا بملف الحوار مع بعض الجماعات الجهادية، وهو ما يثير حفيظة فرنسا الرافضة لأي حوار مع الجماعات المتطرفة.

وجاء في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي أن “الحكومة تبلّغ الرأي العام الوطني والدولي بأنه حتى الآن لم يتم تفويض أي منظمة وطنية أو دولية رسميا للقيام بهذا الأمر”.

وأضاف البيان “عندما ترى حكومة جمهورية مالي أنه من المناسب بدء مفاوضات مع جماعات مسلحة أيا كانت، ستبلّغ الشعب المالي من خلال القنوات المناسبة”.

وقالت الحكومة إنها علمت “من الصحافة” أن البلاد بدأت مفاوضات مع قادة جهاديين، لكن وزارة الشؤون الدينية أصدرت بيانا الأسبوع الماضي قالت فيه إنها كلّفت رسميا بملف الحوار مع بعض الجماعات الجهادية.

ونقل البيان عن وزير الشؤون الدينية محمدو كوني قوله إن مكتبه كلف بـ”مهمة المساعي الحميدة مع جماعات مسلحة متطرفة”.

وهو بدوره كلف المجلس الإسلامي الأعلى في مالي بالتنفيذ “الميداني” خلال اجتماع عقد في الثاني عشر من أكتوبر الجاري. والمجلس الإسلامي الأعلى هو هيئة للحوار مع السلطات يجمع القادة والمنظمات الدينية. وكانت صور الاجتماع بين المجلس والوزير المالي الذي “يشرح” للمجلس “مهمات المساعي الحميدة” منشورة على حساب الوزارة في فيسبوك. وقال رئيس ديوان الوزارة دام سيك لوكالة فرانس برس “اتضح إداريا الآن أن وزارتنا هي المسؤولة عن الملف”.

محمد كبيري: الأمر الوحيد الذي تلقيناه هو التفاوض فقط مع الماليين ونعتبر الجهاديين الآخرين غزاة، وكل شيء قابل للتفاوض

وتناقلت وسائل إعلام دولية تقارير تقول إن الحكومة الانتقالية في مالي فوضت المجلس الإسلامي الأعلى كي يتفاوض مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي يتزعمها إياد أغ غالي، وكتيبة ماسينا التي يتزعمها أمادو كوفا، وهما حركتان تقومان بعمليات في شمال البلاد ووسطها.

وأفاد المتحدث باسم المجلس محمد كبيري في حديث لوكالة “أسوشيتد برس” الثلاثاء الماضي، بأن الحكومة طلبت منه إطلاق المناقشات، مشيرا إلى أن مجلس الوزراء المؤقت يعمل مع ممثلين في شمال مالي. وأضاف كبيري “الأمر الوحيد الذي تلقيناه هو التفاوض فقط مع الماليين… نعتبر الجهاديين الآخرين غزاة”. وتابع أن مسألة الشريعة الإسلامية “ليست محرمة، وكل شيء يمكن التفاوض عليه”.

وأكد وزير الشؤون الدينية والعبادة في مالي مامادو كونيه، أن الحكومة طلبت من المجلس أن يقود مناقشات مع الجماعات.

وتشير كل هذه التصريحات إلى أن الحكومة حريصة على الحوار والتفاوض مع الجهاديين، لكن بعيدا عن الأنظار، لاسيما مع رفض فرنسا الشديد لهذا التفاوض.

وشهدت مالي في أغسطس 2021 انقلابا على السلطة قاده العسكريون لتليه خلافات بين الزعماء الجدد أسفرت عن تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة من المقرر أن تحكم 18 شهرا، ويقودها رئيس الوزراء تشوغيل كوكالا مايغا.

وتمثل مالي ساحة قتال للجيش المحلي والقوات الفرنسية وقوة حفظ السلام الأممية ضد جماعات مسلحة متشددة على صلة بتنظيمي داعش والقاعدة.

وتشيع الهجمات التي يشنها متشددون وجماعات أخرى في مناطق شاسعة من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، على الرغم من وجود القوات الدولية بكثافة، وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل الآلاف من المدنيين ونزوح الملايين.

ولم تكن حقيقة المناقشات بين السلطات في مالي وبعض الجماعات الجهادية موضع شك للخبراء منذ فترة طويلة، حتى قبل أن يقر الرئيس السابق إبراهيم أبوبكر كيتا منذ إطاحته على يد الجيش، بوجود اتصالات في هذا الصدد في فبراير 2020.

ولطالما أبدت فرنسا، الحليف الرئيسي لمالي، رفضها لهذا الحوار.

وتشهد العلاقات بين باماكو وباريس أخطر أزماتها منذ بدء الانخراط الفرنسي في البلاد عام 2013. وندد رئيس وزراء مالي بقرار فرنسا تقليص عديدها في منطقة الساحل بحلول العام 2023، وقال إن فرنسا “تخلت في منتصف الطريق” عنها، ليرد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنها اتهامات “مخزية”.

كما زادت عدة تصريحات من حدة التوتر والخلاف بين البلدين في الأيام الأخيرة، آخرها تصريحات للرئيس الفرنسي استدعت على إثرها وزارة الخارجية المالية سفير فرنسا في باماكو للاحتجاج على ما أسمته بـ”التصريحات غير الودية والمهينة” لماكرون، الذي دعا إلى “عودة الدولة” في مالي.

ساحة قتال للجيش المحلي والقوات الفرنسية وقوة حفظ السلام الأممية ضد جماعات مسلحة متشددة

وتفاقم التوتر بين باريس وباماكو عقب تحذير وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي مالي مؤخرا، من عزلة دولية محتملة في حال استعانت بمجموعة فاغنر الروسية.

وتعتبر باريس أن لجوء باماكو المحتمل إلى شركة فاغنر الخاصة الروسية يتعارض مع الوجود الفرنسي. وحذرت فرنسا وألمانيا الشهر الماضي مالي من مغبة إبرام اتفاق مع مجموعة فاغنر للتعاقد مع ألف عنصر من المجموعة.

وأفادت تقارير بوجود توجّه لدى السلطات المالية بهذا المنحى.

وحذر وزير الخارجية الفرنسي نظيره الروسي سيرجي لافروف، على هامش فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال سبتمبر الماضي، من أي انخراط لمقاتلي مجموعة فاغنر الروسية في النزاع الذي تشهده مالي. وقال “… إنهم يتسترون وراء فكرة أن أي دولة لها الحق في إبرام عقد مع أي شركة. ولكن الواقع ليس كذلك”. وأضاف “في الحقيقة هم مقاتلون، أشخاص ينتهكون القانون الدولي، بل يضعفون سيادة الدول”.

ويعتقد أن شركة الأمن الروسية قريبة من الرئيس فلاديمير بوتين. كما أنها متهمة بارتكاب تجاوزات. لكن بوتين اعتبر أن مرتزقة مجموعة فاغنر الأمنية الخاصة لا تخدم مصالح الكرملين، وذلك بعد تقارير عن أن المئات من عناصر المجموعة في طريقهم إلى مالي التي تشهد هجمات جهادية.

وقال بوتين أمام مشاركين في الاجتماع السنوي لنادي فالداي للحوار “إنهم لا يعكسون مصالح الدولة الروسية”.

وفي مدينة سوتشي المطلة على البحر الأسود أفاد بوتين بأن فاغنر “شركة خاصة”، لديها “مصالح خاصة مرتبطة باستخراج موارد الطاقة ومختلف الموارد” مثل الذهب والأحجار الكريمة.

لكن إذا تضاربت أنشطتها مع “مصالح الدولة الروسية… بالتأكيد يجب أن نتصرف”، وفق بوتين. وقال الرئيس، البالغ 69 عاما، إن موسكو ناقشت الموضوع مع “زملائنا الفرنسيين مرات عدة”، وإن الرئيس ماكرون أثار المسألة مع بوتين في العديد من المناسبات أيضا.

ويرتبط اسم المجموعة الأمنية المسلحة بنزاعات في أوكرانيا وأفريقيا والشرق الأوسط. وبدأت تصدر تقارير بشأن مجموعة فاغنر مع اندلاع الحرب في أوكرانيا في العام 2014.

ويعتقد أن المجموعة الأمنية تحصل على تمويل من رجل الأعمال يفغيني بريغوجين، الذي فرض عليه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات على خلفية اتهامات له بزعزعة الاستقرار في ليبيا والتدخل في الانتخابات الأميركية.

5