حكومة جديدة في الكويت بلا إخوان وسلفيين

حكومة الشيخ صباح الخالد تضم نسبة هامة من الشباب وثلاث نساء، وعددا من التكنوقراط.
الأربعاء 2019/12/18
فريق متجانس

الاستقرار والنأي عن الصراعات الشخصية هما أبرز عنوانين لعمل الحكومة الكويتية الجديدة التي أعلن الثلاثاء عن تشكيلتها برئاسة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، الشخصية التوافقية وصاحب الخبرة الدبلوماسية الذي ينتظر منه قيادة مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والوفاق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، واللذين كانت لغيابهما في فترات سابقة آثار واضحة على عملية أخذ القرار وتنفيذ البرامج.

الكويت – أُعلن، الثلاثاء في الكويت عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح الذي وقع الاختيار عليه من قبل أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، كشخصية توافقية تتولّى ملء الفراغ الناجم عن استقالة حكومة الشيخ جابر المبارك في نوفمبر الماضي، وتناط بها قيادة مرحلة جديدة من الوفاق والهدوء تقطع مع مرحلة الصراعات والتجاذبات العقيمة التي كثيرا ما عطّلت عملية أخذ القرار وتنفيذ البرامج في الوقت المناسب.

وخلت الحكومة من الإخوان والسلفيين الذين كانت لهم مشاركاتهم في حكومات كويتية سابقة، بينما ضمّت نسبة هامة من الشباب وثلاث نساء، وعددا من التكنوقراط.

وتمّ استبعاد وزيري الدفاع والداخلية الشيخ ناصر الصباح والشيخ خالد الجراح من التشكيلة الجديدة بعد أن كانت الخلافات بينهما سببا رئيسيا في إسقاط حكومة الشيخ جابر.

وبينما أسندت حقيبة الدفاع للشيخ أحمد منصور الأحمد الصباح، ذهبت حقيبة الداخلية لأول مرّة في تاريخ الكويت لشخصية من خارج الأسرة الحاكمة هي أنس الصالح.

أمّا منصب وزير الخارجية الذي كان يشغله رئيس الحكومة الحالي فأسند للشيخ أحمد ناصر، نجل الشيخ ناصر المحمد رئيس الوزراء الأسبق.

واحتفظ وزير النفط خالد الفاضل بمنصبه، بينما اختيرت مريم العقيل لمنصب وزيرة المالية. وذهبت وزارة الأشغال والإسكان لرنا الفارس، ووزارة الشؤون الاجتماعية لغدير أسيري.

وتولى خالد الروضان منصب وزير التجارة والصناعة، ومحمد الجبري منصب وزير الإعلام، والشيخ باسل الصباح منصب وزير الصحة. وتم تعيين فهد العفاسي وزيرا للعدل ووزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية.

وكان الصراع بين وزير الدفاع الشيخ ناصر الصباح، ووزير الداخلية الشيخ خالد الجراح قد أدى إلى استقالة حكومة الشيخ جابر المبارك الذي اعتذر لاحقا لدى الأمير عن قبول تكليفه بإعادة تشكيل الحكومة.

السلاسة التي ميزت الانتقال إلى حكومة جديدة أظهرت قدرة مؤسسة الحكم الكويتية على إدارة الأزمات

وفتح الشيخ ناصر ما قال إنّه ملف فساد يتضمّن نهب قرابة الـ800 مليون دولار من صندوق الجيش ويعود لفترة تولي الشيخ خالد الجراح منصب وزير الدفاع قبل أن يتولى حقيبة الداخلية. وطالت القضية بالنتيجة الشيخ جابر باعتباره رئيسا للحكومات الكويتية المتعاقبة منذ سنة 2011 ما دفعه للاعتذار عن قبول التكليف، والإصرار على أولوية إبراء ذمّته أمام القضاء.

وضمن مساعي تطويق الصراع بين شيوخ الأسرة الحاكمة الذي خرج إلى العلن قررت لجنة التحقيق الدائمة الخاصة بمحاكمة الوزراء، حظر نشر أيّ أخبار عن بلاغ التجاوزات المالية في صندوق الجيش الذي تقدم به وزير الدفاع المقال، وإجراء تحقيقات سرية.

واكتست استقالة حكومة الشيخ جابر الأخيرة طابعا استثنائيا كونها لم تأت، كما هو معهود، إثر خلافات مع البرلمان بل بسبب تنافر بين أعضائها. كما جاءت الاستقالة في فترة كويتية قلقة بسبب التطوّرات المحيطة بالبلد لاسيما عدم الاستقرار في الساحة العراقية المجاورة، وتقلّبات الصراع بين إيران والولايات المتحدة.

ويبلغ رئيس الوزراء الكويتي الجديد ستة وستين عاما ودخل العمل الحكومي من بوابة الدبلوماسية حيث شغل منصب ملحق دبلوماسي في وزارة الخارجية، ليتولّى لاحقا منصب وزير للشؤون الاجتماعية والعمل، ثم منصب وزير للإعلام، فنائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للخارجية وهو المنصب الذي استمر فيه حتى تكليفه برئاسة الحكومة الجديدة.

وبحسب مراقبين، فقد جاءت قرارات أمير الكويت بقبول اعتذار الشيخ جابر المبارك واستبعاد نجله الشيخ ناصر وأيضا وزير الداخلية السابق الشيخ خالد الجراح من المشاركة في حكومة الشيخ صباح الخالد، انطلاقا من معرفته بأن هناك مخططات تستهدف الاستقرار في الكويت، وهي أكبر من الشعارات المرفوعة بمكافحة الفساد.

وفضلا عن تحقيق الاستقرار في الداخل، انطلق أمير الكويت في تكليف الشيخ صباح الخالد بتشكيل الحكومة الجديدة، من إدراكه بأن اللّحظة الإقليمية الراهنة تتطلب هذا النوع من المسؤولين القادرين على إدارة الأمور بروية.

وتعيش الكويت منذ سنوات متوالية إقالة الحكومات وحلّ البرلمانات وإعادة تشكيلها كلّما استشرت الخلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية واستحال التعايش بينهما، بما أثّر على عملية سنّ القوانين والتشريعات ووضع برامج التنمية وتنفيذها.

وفي سنوات سابقة وما ميّزها من وفرة في عائدات النفط بدا هذا “الترف الديمقراطي” مقبولا إلى حدّ ما لقلّة تأثيره، لكنّ الظروف والمستجدّات الاقتصادية والأمنية ذات العلاقة بالأوضاع الإقليمية رفعت الأصوات المطالبة بتغيير القوانين وتعديل النظم باتجاه ضمان قدر أكبر من الاستقرار السياسي، وحماية العلاقة بين الحكومة والبرلمان من الأهواء الشخصية والمآرب الحزبية التي كثيرا ما كانت دافعا لملاحقة الوزراء بالاستجوابات، مثلما هي دافع وراء توزيع بعض المناصب الإدارية والحقائب الوزارية كمكافآت.

وبحسب متابعين للشأن الكويتي، فإنّ السلاسة التي أدير بها ملف الخلاف بين وزيري الدفاع والداخلية السابقين رغم مكانتهما في الأسرة الحاكمة وأيضا سهولة الانتقال إلى حكومة جديدة، أظهرا مجدّدا قدرة كويتية على تطويق الأزمات، كما أثبتا قدرة مؤسسة الحكم على التخفّف من الأعباء واستبعاد الشخصيات المثيرة للخلافات.

3