حكومة الدبيبة تراجع حساباتها بعد غضب شعبي من استقبال مهاجرين مطرودين من أميركا

يتواصل الجدل الشعبي والحقوقي في ليبيا حول عزم السلطات الأميركية ترحيل مهاجرين إلى ليبيا، ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتخلص من المهاجرين الذين اعتبرهم يهددون الأمن القومي للدولة، ما دفع حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس إلى مراجعة حساباتها بشأن تلك الخطوة التي أكدت أنها مزاعم لا تستند إلى مصدر رسمي.
لا تزال إمكانية استقبال مهاجرين مطرودين من الولايات المتحدة تثير جدلا واسعا في الأوساط السياسية والاجتماعية والحقوقية في ليبيا، في ظل استياء شعبي واسع حاولت حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها تلافيه بنفي حصول أيّ اتفاق بينهما وبين إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في طرابلس إن التقارير المتداولة في هذا الشأن ما هي إلا تقارير مغلوطة، نشرت في صحف دولية تزعم وجود تواصل بين مسؤولين ليبيين والإدارة الأميركية بخصوص قبول مهاجرين مرحلين.
وأضافت “تنفي الوزارة بشكل قاطع هذه المزاعم التي لا تستند إلى أي مصدر رسمي أو وثائق موثوقة،” مؤكدة أن موقف الحكومة من ملف الهجرة واضح وثابت، ويرتكز على احترام السيادة الوطنية ورفض أيّ محاولات لإعادة التوطين أو استخدام الأراضي الليبية كبديل لحلول مفروضة من الخارج.
جاء ذلك بعد أن قال رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة إن “ليبيا ترفض أن تكون وجهة لترحيل المهاجرين تحت أيّ ذريعة،” مضيفا أن “أي تفاهمات تجريها جهات غير شرعية لا تُمثل الدولة الليبية، ولا تلزمنا سياسيا ولا أخلاقيا.”
سلطات طرابلس في موقف محرج بعد الكشف عن اتفاقها مع إدارة دونالد ترامب على استقبال مهاجرين مطرودين
وأوضحت أوساط ليبية مطلعة أن سلطات طرابلس وجدت نفسها في موقف شديد الإحراج بعد الكشف عن اتفاقها مع إدارة الرئيس ترامب على استقبال عدد من المهاجرين المطرودين من الولايات المتحدة، وهو موقف قريب من موقفها بعد الكشف عن لقاء وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي في روما في أغسطس 2023 حيث باتت تسعى في كل مناسبة من هذا النوع للنفي والتكذيب وتجييش المحللين والمدونين ووسائل الإعلام لدعمها في معركتها مع ظاهرة الغضب الشعبي التي باتت تتصاعد بشكل يهدد مصالح أصحاب القرار.
ودفع الغضب الشعبي حكومة الدبيبة إلى مراجعة حساباتها بخصوص الاتفاق مع واشنطن، فيما دعا 112 نائباً بمجلس النواب الليبي النائب العام إلى فتح تحقيق عاجل وشفاف بشأن ما تردّد عن ترحيل مهاجرين من الولايات المتحدة إلى الأراضي الليبية، وطالبوا في بيان مشترك، الجمعة، بالكشف عن كافة الملابسات ومحاسبة من يثبت تقصيره أو تورطه في المساس بسيادة البلاد، مشيرين إلى غياب نفي قاطع من الجهات الرسمية رغم الأنباء المتواترة محلياً ودولياً حول نقل مهاجرين غير شرعيين، بعضهم من أصحاب السوابق الجنائية، إلى ليبيا، معتبرين ذلك “انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية واستباحة غير مقبولة للأراضي الليبية.”
ودعا النواب القوى الوطنية السياسية والعسكرية إلى تحرك موحد لمواجهة ما وصفوه بـالعبث الممنهج، ولو تطلب الأمر استخدام القوة، محذرين من أن التواطؤ في هذا الملف يمثل خيانة عظمى تستوجب المحاسبة دون تهاون.
كما طالب النواب بجعل مجلس النواب في حالة انعقاد دائم لمتابعة القضية، إلى جانب ملف اختطاف النائب إبراهيم الدرسي، وكل القضايا المرتبطة بالأمن القومي وكرامة المواطن الليبي.
من جانبها، طالبت كتلة التوافق الوطني بمجلس الدولة، بالكشف عن الجهة الليبية التي وافقت على هذا المخطط ومصارحة الليبيين بطبيعة هذا الاتفاق، ونبهت إلى خطورة المضي في مخطط توطين المهاجرين غير النظاميين عموماً والمنتمين إلى عصابات إجرامية خصوصاً على الاستقرار في ليبيا، معبرة عن قلقها البالغ بشأن توظيف عناصر العصابات الإجرامية المرحّلة كوقود للحروب في ظل الانقسامات الحاصلة والانتشار الكثيف للسلاح.
ودعت جميع الفعاليات والمكونات الليبية إلى اليقظة والحذر والعمل المشترك بشكل عاجل على استعادة الدولة، وإنهاء حالة الفوضى، مشيرة إلى أن استمرار حالة الانقسام وغياب حكومة جديدة موحدة، سيفتح المزيد من ثغرات الاختراق الأمني والسياسي والاقتصادي وسيحول ليبيا إلى مكب للقوى الدولية والإقليمية.
وواصلت التقارير الصحفية والحقوقية الصادرة في الولايات المتحدة تأكيد الاتفاق بين واشنطن وطرابلس، وحذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من خطط إدارة الرئيس دونالد ترامب لترحيل المهاجرين إلى ليبيا، وأكدت في تقرير لها، على أن أيّ قرار في هذا الاتجاه “ينتهك القانون الدولي” ويعرّض المرحلين لخطر التعذيب وسوء المعاملة والانتهاكات الجسيمة، في بلد يعاني من الانقسام والفوضى وانعدام أبسط مقومات الحماية القانونية.
وقالت المنظمة إن هناك “معلومات متقاطعة من وسائل إعلام أميركية ومسؤولين حكوميين” تشير إلى نية الإدارة الأميركية ترحيل عدد غير محدد من المهاجرين المحتجزين حاليا في مركز بولاية تكساس إلى ليبيا، رغم قرار قضائي صادر في 7 مايو يمنع هذا الإجراء، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حين سُئل عن الخطة، قال: “لا أعلم.”
وتابعت أن المهاجرين المشمولين بالترحيل من جنسيات متعددة من الفلبين، فيتنام، لاوس، والمكسيك، وقد تم إبلاغ بعضهم شفويا، بل وقدمت أوراق رسمية لأحدهم تؤكد ترحيله إلى ليبيا.
وأدانت حنان صلاح، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المساعدة في المنظمة، ما وصفته بمحاولة “إجبار بلد مفكك مثل ليبيا على استقبال محتجزين، بينما ترتكب فيه انتهاكات موثقة بحق المهاجرين،” مضيفة “مراكز الاحتجاز هناك جحيم، والانتهاكات ممنهجة وتمارس من قبل جماعات مسلحة خارجة عن السيطرة.”
كتلة التوافق الوطني بمجلس الدولة تطالب بالكشف عن الجهة الليبية التي وافقت على هذا المخطط ومصارحة الليبيين بطبيعة هذا الاتفاق
وأشار التقرير إلى أن ليبيا ليست طرفا في اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، ولا تملك قانونا للجوء، ما يجعل أيّ عملية احتجاز لمهاجرين مرحلين إليها “غير قانونية وتعسفية” حسب المعايير الدولية.
وانتقدت المنظمة أيضا الاتحاد الأوروبي لتعاونه المستمر مع خفر السواحل الليبي، متهمة الدول الأوروبية بالتواطؤ في إعادة المهاجرين إلى مراكز احتجاز يتعرضون فيها للانتهاك، في خرق صارخ لحقوق الإنسان.
ويرى مراقبون، أن الحديث عن نقل المهاجرين إلى ليبيا لم يأت من فراغ، وإنما هو توصيف لحقيقة ما يدور في الخفاء من وراء اتصالات المسؤولين الليبيين بالقوى الدولية المؤثرة من أجل ضمان البقاء في السلطة أكثر ما يمكن من الوقت للاستيلاء على أكثر ما يمكن من المال العام والتمتع بامتيازات السلطة.
ورأى المراقبون، أن حكومة الدبيبة مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة مقابل حصولها على الدعم الذي ترغب فيه للبقاء في الحكم، وهو ما أكده التقرير الصادر عن موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، والذي كشف عن مفاوضات سرية جرت بين حكومة عبدالحميد الدبيبة ومسؤولين من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بشأن أموال ليبيا المجمدة في الخارج، والتي تُقدّر بنحو 30 مليار دولار.
وبحسب التقرير، فإن اللقاءات تمت في العاصمة القطرية الدوحة نهاية أبريل الماضي، وجمعت بين مسعد بولس، كبير مستشاري ترامب، وإبراهيم الدبيبة، مستشار الأمن القومي الليبي، حيث جرت مناقشة خطة ليبية تقضي بمنح نسبة من الأموال المجمدة لجهات أميركية محددة، مقابل لعب واشنطن دورًا في إلغاء التجميد عنها.
وأوضح الموقع المعروف بقربه من دوائر القرار في الدوحة، أن المقترح الليبي عُرض لأول مرة خلال زيارة وفد أميركي إلى طرابلس في مطلع العام 2025، في إطار تحركات وصفتها المصادر بأنها تأتي بدعم ووساطة من الدوحة، لتعزيز موقع حكومة الدبيبة سياسيًا واقتصاديًا، لافتا إلى أن الخطة لاقت اهتمامًا جديًا من فريق ترامب، وبدأت بالفعل مناقشات داخلية لمتابعة آليات تنفيذها، ما يثير تساؤلات حول نوايا بعض الأطراف في استثمار الأموال الليبية المجمدة سياسيًا في المرحلة المقبلة.