حكومة الدبيبة تتنصّل من مسؤولية اتساع دائرة انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا

انعدام المساءلة عن التجاوزات إحدى العقبات الرئيسية أمام المصالحة بين الفرقاء الليبيين وقوة لتغذية النزاع بينهم.
الخميس 2024/07/11
انتهاكات متواصلة

رفضت حكومة الوحدة الوطنية تحمّل مسؤولياتها تجاه تزايد الانتهاكات المسجلة بشأن حقوق الإنسان على أكثر من صعيد في ليبيا، معتبرة أن حالة حقوق الإنسان في البلاد قد تحسنت في الفترة الأخيرة بعد اتخاذ عدّة خطوات. وقالت منظمة العفو الدولية إن المجموعات المسلحة في ليبيا واصلت ارتكاب عدد كبير من الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان مع إفلات شبه كامل من العقاب، وأضافت في بيان لها أن هذه الانتهاكات متواصلة منذ مارس 2023 عندما قرر مجلس حقوق الإنسان إنهاء ولاية البعثة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا، واعتماد قرار لبناء القدرات بدلا من ذلك، وفق قولها.

وشددت المنظمة على ضرورة إيجاد آلية تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في الجرائم المستمرة بموجب القانون الدولي، وتبادل المعلومات والأدلة مع المدعين العامين والمحاكم الوطنية والإقليمية والدولية ذات الصلة. وخلال جلسة الحوار التفاعلي لمناقشة تقرير المفوض السامي عن تنفيذ قرار المجلس المتعلق بتقديم الدعم الفني وبناء القدرات لدولة ليبيا في مجال حقوق الإنسان في إطار الدورة السادسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، حاولت وزيرة العدل في حكومة الوحدة الوطنية حليمة إبراهيم التفصي من مسؤولية حكومتها، حيث اعتبرت أن حالة حقوق الإنسان في بلادها قد تحسنت كثيرا نتيجة للخطوات الكثيرة التي اتخذتها حكومة الوحدة الوطنية في هذا المجال والتي كان من بينها إنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وكذلك الآلية الوطنية لكتابة التقارير الحقوقية ولجنة القانون الدولي الإنساني.

وتابعت إبراهيم أن برامج عودة الحياة قد عززت من حصول المواطنين على الخدمات الصحية والتعليمية بما يضمن تمتع المواطنين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بتفعيل عمل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بعد توقفها ما يزيد على عشر سنوات. ووفق بلاغ صادر عن وزارتها، أكدت الوزيرة على عدم القبول بما جاء في التقرير وشددت على حق الرد، مشيرة إلى أن ليبيا لن تقبل بأيّ شيء يمس السيادة الوطنية الليبية. وجاء هذا الموقف، بعد أن أبرز المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك أن العملية السياسية المتوقفة في ليبيا والتي خطفتها جهات فاعلة تتوافق مصالحها مع الحفاظ على الوضع الراهن، "تقضي على آمال الليبيين في مجتمع أكثر استقرارا وانفتاحا وازدهارا".

واستنكر تورك في كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، الثلاثاء، تصاعد عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والانتهاكات المرتبطة بالاحتجاز في ليبيا، مشيرا إلى تسارع استهداف المعارضين السياسيين والأصوات الناقدة في جميع أنحاء البلاد منذ انتهاء ولاية بعثة تقصي الحقائق المستقلة. وأوضح المفوض الأممي أن "استمرار انعدام المساءلة عن هذه الانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبت قبل 13 عاما لا يزال يشكل إحدى العقبات الرئيسية أمام المصالحة اليوم، ويعمل كقوة دافعة للنزاع”، معدّدا ما تشهده البلاد من “عمليات الاتجار بالبشر، والتعذيب، والعمل القسري، والابتزاز، والتجويع في ظروف احتجاز لا تطاق وعمليات طرد جماعي بمن في ذلك الأطفال”، وفق تقديره.

◙ خلال شهر مارس الماضي تم اكتشاف جثث ما لا يقل عن 65 مهاجرا في مقبرة جماعية بجنوب غرب ليبيا

وبحسب التقارير الصادرة عنها، تقول الأمم المتحدة إنها تحققت من 60 حالة على الأقل من حالات الاحتجاز التعسفي لأشخاص يمارسون سلميا حقهم في التعبير عن آرائهم السياسية. وفي بعض الحالات، أعقب الاعتقال إعدام خارج نطاق القضاء، مرجحة أن يكون الرقم أعلى مع استمرار الاعتقالات. وتعتبر الأمم المتحدة أن هذا القمع يتسبب في معاناة كبيرة للمتضررين وأسرهم، حيث كان بعضهم ضحايا للاعتقال والاحتجاز التعسفي، مشيرة إلى ما تم تسجيله في مركزي بئر الغنم والعسة، غربي البلاد، من وجود “حالات تعذيب وسوء معاملة، وإعدامات خارج نطاق القضاء، والاتجار بالبشر، والعمل القسري، والابتزاز وغيرها من أشكال الانتهاكات”.

وقال المفوض السامي إن مكتبه يتابع تقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في الصحراء على الحدود الليبية – التونسية، وندد بالتطورات المتعاقبة والمثيرة للقلق في ليبيا، وتابع “أطالب السلطات بالرد سريعا على استفساراتنا، والتحقيق في هذه الجرائم بشكل وافٍ” ، منددا بالانتهاكات التي وصفها بواسعة النطاق ضد المهاجرين واللاجئين. وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فقد تم خلال شهر مارس الماضي اكتشاف جثث ما لا يقل عن 65 مهاجرا في مقبرة جماعية بجنوب غرب ليبيا، وهو ما لا يمكن فصله عن ظاهرة الاتجار بالبشر المنتشرة في ظل استمرار سيطرة الميليشيات المسلحة على مناطق مهمة من البلاد وخاصة في المنطقة الغربية.

وخلال الفترة ما بين أبريل 2023 وأبريل 2024، توفي أو اختفى أكثر من 2400 شخص أثناء محاولتهم عبور وسط البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يمثل خسارة لا تطاق في الأرواح، وغادر أكثر من 1300 منهم ليبيا، ورأى المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أنه من غير المقبول أن يعاني ويموت الأشخاص الذين يبحثون عن الأمن والكرامة في مثل هذه الظروف التي لا توصف، داعيا المجتمع الدولي إلى مراجعة التعاون بشأن اللجوء والهجرة، وتعليقه إذا لزم الأمر، مع السلطات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.

وخلال الفترة ذاتها، نفذت أجهزة الأمن الليبية اعتقالات جماعية وطردا جماعيا للآلاف من الأشخاص، بمن في ذلك الذين يحملون تأشيرات سارية. وتشير الأمم المتحدة إلى أن عمليات الطرد الجماعي هذه حدثت في الوقت الذي مارس فيه الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء “ضغوطًا متزايدة” لوقف الهجرة في البحر الأبيض المتوسط.

ولفت تورك إلى جمع معلومات عن “حزمة ممنهجة من عمليات الاعتراض المسلحة في البر والبحر، وعمليات الإعادة القسرية”، في وقت تتزايد فيه “خطابات الكراهية وأعمال العنصرية ضد المهاجرين” في ليبيا، بما في ذلك حملات التضليل عبر الإنترنت التي تدعو إلى طرد جميع الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى.

وفي سياق متصل، لا تزال عمليات الاختطاف والإخفاء القسري مستمرة في ليبيا، وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم إن قلقا بالغا يساورها إزاء التقارير التي تفيد بحدوث عملية اختطاف جديدة، في مصراتة هذه المرة، حيث تعرض الناشط السياسي المعتصم العريبي، البالغ من العمر 29 عاماً، في 8 يوليو، للاختطاف على أيدي مسلحين مجهولين يرتدون ملابس مدنية بمعية صديقه محمد الشتيوي، ورغم إطلاق سراح الشتيوي بعد تعرضه للضرب، فإن مكان وجود العريبي لا يزال مجهولاً.

وتابعت البعثة أنها تضم صوتها إلى أعضاء المجلس البلدي لمصراتة وممثلي المجتمع المحلي في دعوتهم أجهزة الأمن وإنفاذ القانون في المدينة إلى إجراء تحقيق عاجل في اختطاف العريبي، والكشف عن مكان وجوده، وتأمين إطلاق سراحه الآمن والفوري. وتابعت البعثة أنها وثقت حالات احتجاز لما لا يقل عن 60 فردا بسبب انتمائهم السياسي الفعلي أو المُتصور. ويرجح أن يكون العدد الفعلي للأفراد المحتجزين بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم السياسية أعلى بكثير.

وأضافت أنها لا تزال تسجل حالات الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، وسوء المعاملة، والتعذيب، والوفيات أثناء الاحتجاز تعصف بليبيا وسط تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب. وقد خلقت هذه الممارسات غير القانونية مناخًا من الخوف، وتسببت في تضييق الفضاء المدني، وتآكل سيادة القانون، داعية  إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأفراد المحتجزين تعسفياً ومحاسبة المسؤولين عن ذلك. من جانبها، أعربت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا عن قلقها من تزايد حوادث الاختطاف والاختفاء القسري بدوافع سياسية في مصراتة، والتي كان آخر المستهدفين فيها الناشطان محمد الشتيوي والمعتصم العريبي.

حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والوفيات أثناء الاحتجاز لا تزال تعصف بليبيا وسط تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب

وفي بيان لها، دعت المؤسسة مديرية أمن مصراتة وقوات الأمن المحلية للعمل على الإفراج الفوري عن الناشط المعتصم عريبي، وحمّلت المختطفين المسؤولية الكاملة عن سلامة ورفاهية العريبي، داعية النائب العام بمحكمة استئناف مصراتة إلى إجراء تحقيق شامل في الظروف المحيطة بعمليات الاختطاف. وأكدت على أهمية ضمان محاكمة المسؤولين، بهدف وضع حد لثقافة الإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات الجسيمة. وأوضحت المؤسسة أن عمليات الاختطاف الأخيرة تؤكد على الوضع الأمني الهش في ليبيا، حيث كثيرا ما تؤدي المنافسات السياسية إلى العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.

وفي تقريرها الشهري الصادر أوائل يوليو الجاري أدانت منظمة “رصد” بشدة استمرار حملات الاعتقال التعسفي والاختطاف، وحمّلت السلطات في الشرق والغرب المسؤولية الكاملة عن سلامة وحياة المعتقلين، وطالبت بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين والمحتجزين تعسفيا، دون قيد أو شرط. وقالت المنظمة إنها تدعو حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الليبي والسلطات في شرق ليبيا، بما في ذلك مجلس النواب والقيادة العامة للجيش، إلى وقف حملات الاعتقال التعسفي والاختطاف والاحتجاز التعسفي، واحترام التزاماتهم الدولية بضمان حرية الرأي والتعبير، وتحث النائب العام الليبي على فتح تحقيق نزيه وشفاف في وفاة أشرف المسماري وظروف اعتقاله، وحملة الاعتقالات التعسفية في شرق وغرب ليبيا، وفي الاشتباكات التي وقعت في مدينة زوارة، وتحديد المسؤولين عن تعريض حياة المدنيين للخطر ومحاسبتهم وفقًا للقانون.

كما دعت منظمة “رصد” حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الليبي إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات، والوفاء بمسؤولياتهما عن حماية المدنيين والمنشآت المدنية في جميع أنحاء ليبيا، وفقًا للقانون الدولي، وجددت دعوتها للحكومة الليبية لتحمل مسؤوليتها عن إنقاذ أرواح المهاجرين على طول طرق الهجرة وفي البحر، وتفعيل آليات البحث والإنقاذ الفعالة للحد من الخسائر في الأرواح، والعثور على المفقودين وتحديد هوياتهم، وحث بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على الضغط على جميع الأطراف في ليبيا لاحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والعمل على تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة وإنهاء حالة الإفلات من العقاب، داعية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إنشاء آلية دولية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات والجرائم الدولية المرتكبة في ليبيا وتحديد المسؤولين عنها من أجل محاسبتهم، وذلك كبديل لبعثة تقصي الحقائق التي انتهى تفويضها في مارس 2023، ومطالبة مكتب المدعي العامة للمحكمة الجنائية الدولية بمواصلة التحقيقات في الجرائم المرتكبة في ليبيا وعدم وقفها في نهاية عام 2025، لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.

4