حكومة أخرى موازية بليبيا في ظل تمسك الدبيبة بالسلطة

أكد مجلس النواب وفريق خالد المشري في مجلس الدولة الليبي تمسكهما بمشروع تشكيل حكومة جديدة تكون مصغرة وموحدة وقادرة على بسط نفوذها على كافة أرجاء البلاد التي لا تزال تعاني انقساما سياسيا منذ العام 2014، في وقت لا يزال فيه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة يتمسّك بالسلطة.
وقال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إن عملية تشكيل حكومة موحدة جديدة تسير بخطى ثابتة وبالتنسيق الكامل مع مجلس الدولة، مشيرا إلى أن اختيار رئيس الحكومة سيتم عبر عملية شفافة في جلسة معلنة لمجلس النواب، مع الترحيب بحضور بعض الأطراف المعنية لضمان نزاهة الإجراءات.
وكشف صالح أنه تم قبول ملفين إضافيين مستوفيين لشروط الترشح لرئاسة الحكومة، في إطار الجهود المبذولة للتوصل إلى حكومة موحدة تلبي تطلعات الشعب الليبي، وهو ما يرفع عدد ملفات المترشحين إلى تسعة ملفات. وأضاف أن زيارة مرتقبة ستؤديها مجموعة من أعضاء مجلس الدولة إلى مدينة القبة (شرق) الأسبوع القادم لمناقشة الخطوات النهائية المتعلقة بتشكيل الحكومة والملفات الوطنية الأخرى.
ومن جانبه أكد عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي أن شهر يناير الجاري سيكون مليئا بالزخم بين أعضاء مجلسي النواب والدولة الذين سيتوجهون نحو تشكيل حكومة مصغرة مهمتها الإشراف على انتخابات تكون نتائجها مقبولة، لافتا إلى أن هناك اجتماعا موسعا قريبا لمجلسي النواب والدولة للمضيّ في مسار التوافق بشأن القوانين الانتخابية وتشكيل حكومة جديدة، وفق التعديل الدستوري الـثالث عشر.
وبحسب العرفي فإن “التوافق بين المجلسين يسير بوتيرة أسرع من قبل”، مضيفا أن “البعثة الأممية داعمة للعملية السياسية، ولكن ليست هي من يرسم خارطة الطريق.” وأكد العرفي أن تنفيذ ما جاء في اتفاق بوزنيقة سيكون أولوية، موضحًا أن تشكيل حكومة جديدة لن يتم إلا بضمانات دولية لضمان نجاحها واستقرارها. وشدد على أن نجاح الحلول السياسية في ليبيا يتطلب إبعاد عبدالحميد الدبيبة عن المشهد، مشيرًا إلى أهمية استقرار البلاد من خلال توافق داخلي ودعم دولي مدروس.
ويرى عضو مجلس النواب علي الصول أن جلسة المجلس المقبلة ستبحث آلية تشكيل حكومة موحدة تكون مسؤوليتها إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فيما ستتضمن بنود جلسة البرلمان المقبلة بحث آلية تشكيل سلطة تنفيذية جديدة موحدة، تتولى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وستناقش استحداث هيئة للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية بعد إخفاق المجلس الرئاسي في ذلك.
وتحدث النائب عصام الجهاني عن اجتماع مرتقب لرئاسة مجلس النواب في مدينة القبة سيجمع بين ممثلين من مجلس النواب ومجموعة من أعضاء مجلس الدولة، يحمل بين طياته الأمل والقلق في آن واحد. وقال إن الدعوات إلى التريث في تشكيل الحكومة الموحدة ليست إلا انعكاسًا لضرورة تحقيق توافق أممي يضمن قبول هذه الحكومة على الصعيدين المحلي والدولي، مؤكدا أن هذه الخطوة، رغم ما قد تحمله من تأخير، تمثّل شرطًا أساسيًا لضمان عدم تفاقم الانقسامات بين القوى السياسية.
وتأتي مساعي مجلسي النواب والدولة لتشكيل حكومة موحدة بالتزامن مع تفعيل مبادرة القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا ستيفاني خوري، والتي تشمل تشكيل لجنة فنية من خبراء ليبيين، لوضع خيارات تفضي إلى معالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، وخيارات لكيفية الوصول إلى الانتخابات في أقصر وقت ممكن، بما في ذلك ما يجري اقتراحه من ضمانات وتطمينات وإطار زمني، كما تتضمن العمل مع الشركاء الليبيين على تيسير ودعم حوار مهيكل، لتوسيع نطاق التوافق على حل مسببات النزاع القائم منذ زمن طويل.
وعقد خالد المشري بصفته رئيس مجلس الدولة يرافقه النائب الثاني عمر العبيدي، الأربعاء، اجتماعا تشاوريا مع عدد من أعضاء المجلس بالعاصمة طرابلس، تمت خلاله مناقشة تفعيل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في بوزنيقة المغربية بشأن المرحلة التمهيدية لإجراء الاستحقاق الانتخابي، والاتفاق على تشكيل لجان تواصل مع مجلس النواب لبدء تنفيذ المخرجات بما يشمل الإسراع في إنجاز الانتخابات وتحقيق تطلعات الشعب الليبي.
وكان لقاء بوزنيقة قد شهد في 19 ديسمبر الماضي اتفاقا على خطوات أساسية تهدف إلى إعادة تشكيل السلطة التنفيذية وتنظيم الانتخابات، من بينها تشكيل لجنة مشتركة لضمان شفافية عمل الحكومة، وتعزيز اللامركزية، بالإضافة إلى تشكيل أربع لجان أخرى لمعالجة ملفات السيادة والاقتصاد والأمن والحكم المحلي.
وأوضح عضو مجلس الدولة عادل كرموس أن “أعضاء مجلسي النواب والدولة سيجتمعون قريبا في مدينة درنة لما تمثله من رمزية جامعة لكل الليبيين.” وأشار إلى أن هذا “الاجتماع سيُحدد، عبر اللجان المشكلة، آلية واضحة لاختيار السلطة التنفيذية الجديدة، الحكومة والمجلس الرئاسي،” معربا عن أمله في أن “تسفر هذه اللقاءات عن نتائج تقود البلاد لإجراء انتخابات عادلة ونزيهة وشفافة دون إقصاء لأي طرف.”
وبحسب المراقبين، فإن الحديث عن مجلس الدولة إنما المقصود به فريق خالد المشري الذي لا يتنازع منصب رئاسته مع منافسه محمد تكالة المحسوب على فريق رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة، والذي تتم تهيئته ليمثل عنصر عرقلة وتعطيل لأي اتفاق قادم حول تشكيل الحكومة المرتقبة.
◙ المشروع الذي يتم الترويج له حاليا هو إمكانية تنظيم انتخابات برلمانية مباشرة بعد الاتفاق على القوانين الانتخابية
وأكد الدبيبة في العديد من المناسبات استمراره في التمسك بمنصبه، وقال خلال فعاليات منتدى الاتصال الحكومي أواسط ديسمبر الماضي إن “تمديد المراحل الانتقالية أمر مرفوض، وتشكيل أي حكومة جديدة يجب أن يتم عبر برلمان جديد،” مضيفا أن “أعضاء مجلس النواب الحالي لا يريدون إلا الاستمرار في مناصبهم، وبمساندة بعض الدول.”
وقال الدبيبة “أنا أول المتنازلين للحكومة الجديدة، إذا أنجزت القوانين الانتخابية العادلة،” مشيرًا إلى أن الانتخابات الرئاسية مختلف عليها من الأطراف السياسية، وليس من الليبيين.” وشدد الدبيبة على وجوب “إنجاز الدستور للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، أو الوصول إلى قوانين عادلة،” لافتا إلى أن “تعدد الأطراف التي تدخلت في الشأن الليبي، هو ما يحول دون إنهاء المراحل الانتقالية في ليبيا، والليبيون لم يكونوا منقسمين يومًا من الأيام.”
والاثنين الماضي أكد وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية في حكومة الدبيبة وليد اللافي رؤية الحكومة التي تقول بضرورة الذهاب المباشر إلى الانتخابات بهدف إنهاء كافة المراحل الانتقالية، وذلك خلال لقاء مع ممثل الاتحاد الأوروبي في طرابلس نيكولا أورلاند، تم خلاله استعراض نتائج الاجتماعات الأخيرة التي عقدها الاتحاد الأوروبي مع المجموعة الاقتصادية المشتركة واللجنة العسكرية المشتركة 5+5، وتأثير الأوضاع الإقليمية على ليبيا، والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
ويتزعم اللافي حملة علاقات عامة لإقناع الشركاء الإقليميين والدوليين بأن لا مجال لفترة انتقالية جديدة، وأن مجلس النواب يدور في فلك روسيا البوتينية، بينما حكومة الدبيبة هي التي تحمي مصالح الغرب في البلاد، وقادرة على تقليص النفوذ الروسي بعرقلة مشاريع البرلمان.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن اللافي تسلم مقاليد الخارجية في حكومة الوحدة بشكل غير معلن، وهو الذي يضع خطط عملها واتصالاتها، بدل المكلّف بتسيير وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بليبيا، الطاهر سالم محمد الباعور، وهو ما يعني أن العلاقات الخارجية والدبلوماسية في طرابلس صارت تدار من قبل حكومة الظل التي يتزعمها إبراهيم الدبيبة والفريق الموالي لوالده رجل الأعمال البارز الحاج علي الدبيبة، بينما يكتفي المجلس الرئاسي بالأنشطة البروتوكولية غير المؤثرة في المسار العام للأحداث.
وتضيف المصادر أن المشروع الذي يتم الترويج له حاليا هو إمكانية تنظيم انتخابات برلمانية مباشرة بعد الاتفاق على القوانين الانتخابية، وأن أهم شرط يتبناه فريق الدبيبة هو عدم انتخاب رئيس للدولة من قبل الشعب مباشرة، وإنما الاكتفاء بانتخابه من داخل البرلمان، وهو ما يعني قطع الطريق أمام المفاجآت والتحكم في تركيبة المجلس بقوة التأثير المادي والمعنوي كما حدث في مناسبات سابقة.
وفي كل الحالات، فإن مجلس النواب الليبي بات مهددا بفقدان آخر أوراقه، حيث يمكنه تشكيل حكومة غير قابلة للحياة باعتبارها لن تجد طريقها إلى الحكم في طرابلس، وذلك نتيجة رفض الاعتراف بها من قبل الدبيبة وفريقه والميليشيات المحسوبة عليه، كما أن حكومة أسامة حماد لن يستطيع المجلس المساس بها نظرا للحصانة التي تتمتع بها من القيادة العامة للجيش الوطني والجنرال خليفة حفتر شخصيا.