حقيقة قصة الراعي الكذاب

هل تعلمون أن قصة “الراعي الكذاب” ليست بتلك السردية المعروفة لجميع الناس منذ القديم أي تلك الرواية المتمثلة في أن راعيا كان يتسلى في كل مرة بطلوع الشجرة وإطلاق نداء استغاثة زاعما أن الذئب قد هاجمه مع قطيع أغنامه. وعندما يهرع أهل القرية لا يجدون أي أثر للذئب فيعودون إلى ديارهم بعد توبيخ الراعي المستهتر.
الحقيقة أن الذئب كان يظهر للراعي في كل مرة من بعيد، يطلق عواءه مكشرا عن أنيابه، وما أن يطلق الراعي نداء النجدة حتى يلوذ الذئب بالفرار.. وهكذا كانت خطة الذئب: تكرار الأمر بالتواتر حتى تفقد الاستغاثة مصداقيتها ومن ثم تأتي لحظة الانقضاض.
حتى أنظمة الاستغاثة الإلكترونية وإطلاق حالات الطوارئ بشكل تلقائي عند استشعار الخطر، يمكن استنزافها من قبل اللصوص لتصبح عديمة الجدوى، ومشكوكا في “مصداقيتها”.
يحدث أن تتكرر نداءات نظام الطوارئ ويهرع المعنيون بأمن المؤسسة أو المنشأة التي يراد حراستها فلا يجدون أي خطر حقيقي محدق. وعندها، يبدأ التشكيك في دقة نظام الطوارئ وآليات عمله إلى أن يتم “تكذيبه” فتحصل السرقة.
وقيل إن لوحة شهيرة قد سرقت من أحد أكبر المتاحف بهذه الطريقة المعتمدة على استنهاض جهاز الطوارئ عدة مرات ومن ثم يختفي اللصوص، حتى لتظن الجهات المسؤولة أن خللا ما قد حل بالجهاز الذي لم يعد يؤخذ به على محمل الجد، ويحل به ما حل بالراعي الذي اتهم زورا بالكذب، وهو الحريص على سلامة قطيعه، والمعوّل أبدا على مؤازرة وتضامن أبناء قريته.
حدث ما يشبه هذا، ومازال يحدث، مع مدافع رمضان التي غطت عليها مدافع الاقتتال في مدن إسلامية هزتها الحروب كالبوسنة وبغداد ودمشق وصنعاء.
هكذا تسبق النوايا السيئة نظيراتها الحسنة وتنتصر عليها عند غالبية الناس، وذلك بدافع الحذر والاحتياط والخوف من الوقوع في المكيدة التي غالبا ما يكون ضحيتها الطيبون.
إنها مثل قصة السيدة التي كانت تنفتح خزانة غرفة نومها في بيتها الواقع بمحاذاة الطريق العام كلما مر الأوتوبيس، وذلك بفعل موجات التواتر والاهتزاز.
جاءت هذه السيدة بنجار كي يعالج الأمر فدخل في الخزانة وأغلق الباب على نفسه منتظرا موعد مرور الأوتوبيس لتشخيص الخلل في القفل من الداخل.
عاد زوجها وفتح باب الخزانة دون أن يعلم بوجود النجار، ولا بمعضلة القفل وعلاقته بمرور الأوتوبيس من أصلها.
ما عساه أن يقول له النجار عندئذ؟ “أنا أنتظر الأوتوبيس في خزانة غرفة نومك؟.. إنها الحقيقة حين تغدو عذرا باهتا دائما. هذا ما يحدث معي دائما، لحظي العاثر، خصوصا بعدما مر بي من أزمات صحية أقعدتني عن العمل، ترافقت مع أخرى اجتماعية تمثلت في ضياع راتبي دفعة واحدة.. هل سيقتنع رؤساء العمل؟