حظر لبناني لمنع هروب الدولارات إلى الخارج

فرضت الحكومة اللبنانية قيودا على خروج الدولارات من البلاد مع اتساع المخاوف من تفاقم الشلل السياسي والاقتصادي، في وقت ضاعف فيه صندوق النقد الدولي الضغوط على بيروت لتسريع تنفيذ إصلاحات اقتصادية عاجلة.
بيروت - أصدر مكتب النائب العام اللبناني غسان عويدات أمرا بمنع عمليات إخراج الدولارات النقدية بكميات كبيرة في حقائب الصيارفة والتجار، عبر مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية.
وقال في بيان إنه “تم فرض الحظر إلى أن يحدد مصرف لبنان المركزي آلية جديدة تنظم حركة الأموال”، بعد أن كانت سلطات الجمارك تسمح لجميع اللبنانيين بإخراج مبالغ نقدية كبيرة من الدولارات بعد تدوين تصريح بذلك.
وأضاف أنه “تم التنسيق مع حاكم البنك المركزي رياض سلامة بحيث تعمد مديرية الجمارك إلى إخضاع عمليات نقل الأموال إلى أنظمة يحددها مصرف لبنان المركزي”.
في هذه الأثناء أكدت جمعية المصارف أن البنوك ستبقى مغلقة لحين عودة الاستقرار، وسط مخاوف متزايدة من أن يؤدي التدافع على سحب المدخرات لدى استئناف البنوك عملها إلى استنزاف ودائع العملات الأجنبية المتناقصة.
وبعد ساعات من صدور القرار كشف البنك المركزي في بيان عن “قيام 3 صيارفة كانوا دخلوا مؤخرا إلى الأراضي اللبنانية بحوزتهم عملات نقدية عربية مختلفة بعد التصريح عنها. ثم قاموا بتبديلها في أسواق بيروت إلى الدولار ليتم شحنها إلى تركيا”.
وتنهمك جمعية مصارف لبنان منذ عدة أيام في عقد اجتماعات، للبحث عن سبيل إعادة فتح البنوك دون أن يؤدي ذلك إلى عمليات سحب كبيرة للودائع.
وفاقم إغلاق المصارف شلل القطاعات الاقتصادية والتجارية وأزمة شحة الدولار، الذي يستخدم بكثافة في الدورة الاقتصادية اللبنانية منذ عقود، والذي تحتاجه الشركات لمواصلة نشاطها.
وانعكس ذلك في اتساع الفجوة بين سعر الرسمي للعملة اللبنانية المثبت عند 1507 ليرة للدولار، وبين أسعار السوق السوداء التي بلغت خلال اليومين الماضيين أكثر من 1800 ليرة للدولار، بسبب توقف إمدادات المصارف والبنك المركزي من الدولار والعملات الأجنبية.
ودعا البنك المركزي التجار وشركات الصيرفة إلى أن “يكونوا مرخصين بشحن الأموال من قبل المصرف المركزي أو أن يتم شحن الأموال عبر الشركات المرخص لها من المصرف”.
وأضاف أنه يمكن لغير المرخص لهم “التقدم بطلب الترخيص من المصرف المركزي حسب التعاميم الصادرة عنه للقيام بأعمال الصيرفة وشحن الأموال مع تحرير رأس المال المطلوب للحصول على هذا الترخيص، وعندها لا قيود على المبالغ المشحونة، ولا حاجة لطلب إذن مسبق”.
وأشار بيان البنك المركزي إلى أنه “عند دخول الأسواق اللبنانية عملات عربية ورقية يعاد شحن هذه الأوراق إلى دول المنشأ للعملة حيث تستبدل بالدولار، ويعاد شحنها إلىلبنان”.
وكانت تقارير محلية قد تناولت ظاهرة دخول كميات كبيرة من العملة السورية لسحب الدولارات من السوق اللبنانية لتمويل حاجات الحكومة السورية التي تعاني من أزمات مالية عميقة بسبب العقوبات
الدولية.
ويواجه لبنان أزمة مالية واقتصادية حادة انعكست في شح الدولار وتراجع تدفق تحويلات المغتربين رغم أن احتياطات المصرف المركزي من النقد الأجنبي لا تزال مرتفعة نسبيا وتبلغ نحو 38.5 مليار دولار.
وتعاني الموازنة اللبنانية من عجز متراكم بلغ في العام الماضي نحو 6 مليارات دولار، إضافة إلى أعباء خدمة الدين العام الذي يزيد على 86 مليار دولار ويعادل نحو 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من أعلى المعدلات في العالم.
وضاعف صندوق النقد الدولي أمس الضغوط على بيروت بالتشديد على ضرورة تنفيذ إصلاحات بشكل عاجل لإعادة الثقة والاستقرار إلى الاقتصاد. وقال إنه يواصل تقييم حزمة الإصلاحات الطارئة التي أعلنتها الحكومة اللبنانية الأسبوع الماضي.
وكانت حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري، التي تضم جميع التيارات اللبنانية تقريبا، قد حاولت تهدئة الاحتجاجات بالإعلان عن مجموعة إصلاحات شملت قوانين لمكافحة الفساد وإجراءات طال انتظارها تهدف إلى إصلاح المالية العامة.
وتشمل خطط الحكومة تسريع إصلاحات تأخرت كثيرا لقطاع الكهرباء الذي تديره الدولة والذي يستنزف ملياري دولار من خزانة الدولة سنويا، بينما لا يوفر كافة احتياجات اللبنانيين من الكهرباء.
وقال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد إن دراسة حزمة الإصلاح تحتاج لمعرفة الجدول الزمني لتنفيذها، بسبب معاناة البلاد من مستويات مرتفعة والعجز المزدوج.
وأكد أن هناك حاجة عاجلة لإصلاحات أساسية في لبنان من أجل استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلّي والثقة وتحفيز النمو وتقديم بعض الحلول للقضايا التي يثيرها الشارع”.
وكانت دول مانحة ومؤسسات مالية دولية قد تعهدت في العام الماضي بمنح لبنان نحو 11.6 مليار دولار، لكنها تريد رؤية الإصلاحات أولا.
وقال أزعور إنه من أجل استعادة الثقة في الاقتصاد يجب تنفيذ بعض الإصلاحات التي طال انتظارها في قطاعي الطاقة والاتصالات “وفقا لجدول زمني مفصل جدا”.
واجتذبت الاحتجاجات متظاهرين من كل أطياف المشهد اللبناني بسبب الغضب من الساسة المنتمين إلى الطوائف المختلفة لما يعتبرونه استغلالا لموارد الدولة لمصالحهم الشخصية.
وتراجع الدعم الدولي وبضمنه دعم دول الخليج في السنوات الماضية بسبب تشرذم القوى السياسية وصراعاتها واتساع نفوذ الأجندات السياسية، وخاصة الإيرانية من خلال جماعة حزب الله الموالية لها.
وتشير التقديرات إلى تراجع حاد في تدفق تحويلات المغتربين من أنحاء العالم منذ بدء الاحتجاجات، بعد أن شهدت انحسارا تدريجيا في السنوات الأخيرة بسبب انهيار الثقة بمستقبل الاقتصاد اللبناني.