حظر الحوثيين تداول النقود الجديدة يخنق اليمنيين

قرار منع تداول العملة الجديدة يعمق أزمة الاقتصاد اليمني ويدفع بالمواطنين اليمنيين إلى المجهول.
الأربعاء 2020/01/15
الحوثي يسقط قيمة نقود اليمنيين

اعتبر متابعون وخبراء اقتصاد أن تصاعد التوتر بين الحكومة الشرعية اليمنية والحوثيين في حرب العملة المحلية المندلعة بين الطرفين منذ فترة سيدفع بالملايين من المواطنين إلى المجهول في ظل استمرار نزاع يوسع كل يوم جبهات الفقر والبطالة ويفاقم دمار كافة محركات النمو.

صنعاء - بدأت تداعيات قرار الحوثيين حظر التعامل بالأوراق النقدية اليمنية الجديدة التي قام بطباعتها البنك المركزي التابع للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في العاصمة المؤقتة عدن جنوبي البلاد، تظهر على أوضاع السكان.

وطالبت جماعة الحوثيين المدعومة من إيران من المواطنين في المناطق الخاضعة لسلطتها تسليم ما يملكون من العملة الجديدة لاستبدالها بعملات ورقية قديمة، واصفة تلك العملة بـ”أنها غير قانونية وتضر بالاقتصاد الوطني وقيمة العملة المحلية”.

وأثر هذا القرار بشكل سلبي على واقع حياة التجار والمواطنين الذين يعيش معظمهم على المساعدات، في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حسب توصيفات الأمم المتحدة.

وخلال السنوات الثلاث الماضية قام المركزي في عدن بطباعة كميات كبيرة من العملة الجديدة وتوزيعها كرواتب للموظفين في المناطق الخاضعة للحكومة للشرعية، وتسليم رواتب الموظفين المدنيين في مناطق الحوثيين منذ نحو عام.

عبدالواحد العوبلي: قرار الحوثيين يضعف القيمة الحقيقية للمدخرات والمداخيل
عبدالواحد العوبلي: قرار الحوثيين يضعف القيمة الحقيقية للمدخرات والمداخيل

وأدانت الحكومة الشرعية قرار الحوثيين وأعلنت تعليق صرف مرتبات الموظفين الحكوميين في مناطقهم، وهي خطوة من شأنها مضاعفة الحالة المعيشية الصعبة التي يعاني منها اليمنيون في مناطق الحوثيين.

واعتذرت بنوك عن عدم قدرتها على الاستمرار في صرف رواتب ومعاشات الموظفين والمتقاعدين في المناطق الخاضعة للحوثيين بسبب قرار منع تداول العملة الجديدة.

وقالت وزارة المالية بالحكومة الشرعية في بيان إن “عدم قدرة البنوك على صرف الرواتب في مناطق سيطرة الانقلاب واختلاق أزمة في السيولة المالية، شاهد إضافي على إصرار الحوثيين على مفاقمة الأزمة”.

وتعاقدت الحكومة الشرعية مع بنوك لصرف رواتب الموظفين من العاملين في قطاعات مدنية مثل الصحة والتعليم العالي وغيرهما، إضافة إلى معاشات ما يقارب 40 ألف متقاعد في ذات المناطق.

وفي سبتمبر 2016 كان الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قد قرر بمرسوم رئاسي نقل المقر الرئيسي للبنك المركزي من العاصمة صنعاء الواقعة تحت سلطة الحوثيين إلى عدن العاصمة المؤقتة التي اتخذتها الحكومة الشرعية.

وبعدها عاش اليمن انقساما ماليا حادا أثر بشكل واسع على حياة المواطنين خصوصا في مناطق الحوثيين.

ويقول المواطن ناصر عبدالله، وهو مالك لمحل بيع خضروات في العاصمة اليمنية صنعاء لوكالة الأنباء الألمانية، إن قرار حظر العملة أثر بشكل سلبي على حياة المواطنين اليومية.

وأكد أن “هناك تراجعا ملحوظا في عمليات البيع والشراء لدى العديد من المحلات بما فيها محله الخاص ببيع الخضار”.

وشكا عبدالله من حرمان الناس من تداول العملة الجديدة حيث أجبر قرار حظرها الكثيرين على الالتزام بمنع تداولها خشية الانتقام من سلطات الأمر الواقع في صنعاء، فيما آخرون استمروا في تداولها بشكل شبه سري.

ولفت إلى أن “هذا القرار ليس مؤثرا على جميع الناس… هناك سكان لا يملكون أي نقود سواء قديمة أو جديدة… همهم فقط كيفية العيش اليومي عن طريق المساعدات أو فاعلي الخير”.

أما المواطن هيثم سيف، وهو عامل في إحدى المؤسسات الخاصة في صنعاء، فيقول إن هناك تأثيرات سلبية على قرار حظر العملة.

وأضاف “مثلا حتى إذا أردت ركوب الحافلة ولديك عملة جديدة فلا يتحقق هذا الحلم، فالكثيرون يرفضون التعامل بها، الأمر الذي يجبر الناس على البقاء في المنزل إذا كانوا لا يملكون نقودا قديمة”.

وتابع” حتى أصحاب المحلات والدكاكين لا يقبلون هذه العملة، ما أدى إلى تراجع حركة الشراء بشكل كبير عن السابق”.

ونشر ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي صورا لبعض شوارع العاصمة صنعاء تظهر تراجعا ملحوظا للحركة المرورية وتحركات السكان بعد قرار حظر العملة الجديدة.

وقرار الحوثيين حظر التعامل بالعملة الجديدة، ربما كان غير مدروس بشكل كبير، نتيجة عدم الوفرة في العملة القديمة التي أصبحت متهالكة، ما أدى إلى خلق واقع يعاني من ضعف في وفرة السيولة.

ويقول محمد المنصوري، وهو صراف يعمل في العاصمة صنعاء، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، إن قرار الحوثيين حظر تداول العملة الجديدة أدى إلى خلق أزمة حادة في وفرة السيولة المالية.

منع تداول الأوراق النقدية الجديدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين يوسع المضاربات على سعر الريال

وأضاف “كانت الحركة المالية سابقا مستمرة بشكل سلس نتيجة توفر كميات هائلة من النقود بالعملة الجديدة، أما الآن فنعاني من عدم توفر النقود كون البنك المركزي بصنعاء يشترط فقط تداول العملة القديمة”.

وبسبب ذلك القرار، قرر الصرافون رفع قيمة أجرة التحويلات المالية من المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين إلى المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة الشرعية، وهو الأمر الذي سبب معاناة إضافية للسكان.

وفي ظل المعاناة التي يشكو منها معظم اليمنيين، وانهيار العملة ووصول سعر الدولار إلى أكثر من 600 ريال، ظهرت مأساة أخرى تمثلت بمضاربة البعض بالعملة الجديدة بالقديمة، مع فارق الصرف بين العملتين لصالح العملة القديمة غير المتوفرة بشكل كبير في المناطق الخاصة لسلطة الحوثيين.

ويقول الخبير الاقتصادي اليمني، عبدالواحد العوبلي، إن منع تداول العملة الجديدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يؤدي إلى المضاربة على سعر العملة الجديدة مقابل القديمة.

وسبق للحوثيين استبدال العملة القديمة بالجديدة عبر طرح آلاف الريالات بالعملة الجديدة مقابل 900 أو 800 من العملة القديمة على سبيل المثال.

وقال العوبلي إن “الحوثيين يسحبون المبالغ المالية من الناس ويقومون بتحويلها إلى عملة صعبة، وهذا يسبب تزايدا في الطلب على العملات الأجنبية وبالتالي ارتفاع سعرها أمام العملة المحلية، مما يعني موجة تضخم جديدة وزيادة أخرى في أسعار السلع والخدمات تشكل المزيد من الأعباء على المواطن اليمني المطحون أصلا بالأزمات المعيشية”.

وحذر من أن قرار الحوثيين سيعمل على إضعاف القوة الشرائية للعملة، وبالتالي تخفيض القيمة الحقيقية للمدخرات والدخل والاستهلاك وتفاقم مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، خاصة أن اليمن يعتمد على الاستيراد في تغطية جل احتياجاته الغذائية وغير الغذائية.

10