حسن بديدة رحلة من أزقة مراكش إلى قمة السينما المغربية

ممثل يهتم بالأداء الجسدي وقدرته على إقناع المشاهد.
الاثنين 2024/01/08
الصمت لغة لا يجيدها أي ممثل

أحب حسن بديدة التمثيل واختار لنفسه أسلوبا خاصا يهتم بتطوير أدواته وقدراته الجسدية والنفسية على التقمص والتشخيص، واستطاع أن يخط اسمه كأحد أهم الممثلين في السينما المغربية، وهو يؤكد في حوار مع “العرب” أن المواهب الجادة قادرة على تطوير المشهد السينمائي في المغرب.

في عالم الفن الذي يتنوع ويتدفق بأصوات ووجوه متعددة، يبرز الممثل الاستثنائي حسن بديدة كنجم يلمع في سماء السينما المغربية. وُلد في الدار البيضاء، وكأنه قصة فنية بدأت في أزقة مراكش الجميلة حيث نشأ، وعاش مرحلة طفولته. كانت بدايات حسن في عالم الفن تأتي على خشبة دار الشباب، حيث كان يقدم أعمالا مسرحية ملهمة مع جمعية الوعي للثقافة والفن. في هذه المرحلة، اكتسب أساسيات العمل المسرحي، فتحت له هذه الخبرات أبواب الشهرة والاعتراف في عيون الجمهور المغربي.

لمع نجمه على نحو خاص بعد أدائه اللافت في فيلم "هم الكلاب" للمخرج هشام العسري، وكذلك في مسلسل "ساعة في الجحيم" إلى جانب ياسين فنان. استمر تألقه وتأثيره الفني في أعمال مثل "كنزة فالدوار" وفيلم "السلعة" ومسلسل "مول لمليح".

يشبّه النقاد حسن بديدة في تقنياته التمثيلية بالمسرحي القدير الراحل محمد الحبشي، حيث يُعتبر رائدًا في فن التعبير بحركات الجسم، تقاسيم الوجه، الصمت الفعّال، والتأثير العميق للكلمة. وفي آخر تحفة سينمائية له، "واحة المياه المتجمدة" الذي صدر في العام 2023 للمخرج رؤوف الصباحي، يستمر حسن بديدة في تحدي حدود التمثيل، ويغوص بعمق في أدواره، مؤكدا تأثيره المتجدد وإرثه الفني الذي سيبقى حيا في قلوب عشاق الفن السابع.

حسن بديدة يستمر في تحدي حدود التمثيل ويغوص بعمق في أدواره مؤكدا على تأثيره المتجدد وإرثه الفني الذي سيبقى حيا
◙ حسن بديدة يستمر في تحدي حدود التمثيل ويغوص بعمق في أدواره مؤكدا على تأثيره المتجدد وإرثه الفني الذي سيبقى حيا

وفي حوار مع صحيفة "العرب" يقول حسن بديدة عن بداية رحلته الفنية "أعتقد أنها تشبه إلى حد بعيد كل البدايات الأخرى للفنانين، تبقى الموهبة التي نشعر بها ونحن أطفال هي الدافع الأساسي والمهم للمغامرة، الرحلة طبعا تقتضي من صاحبها التزود بكل ما يلزم من معارف ومدارك حول الفن عموما والتمثيل على وجه خاص، إذن الرحلة بدأت من الأنشطة بدار الشباب ثم الانخراط في جمعيات ذات الاهتمام بالمسرح لأجد نفسي في النهاية محترفا للتمثيل بعد مسار فني دام أكثر من أربعة عقود".

ويضيف أن "اكتساب فنون التعبير بحركات الجسم وتقاسيم الوجه ناتج من المسرح لأنه شكل تعبيري بالدرجة الأولى شأنه في ذلك شأن باقي الأصناف الإبداعية الأخرى كالموسيقى والتشكيل والنحت والرقص والشعر، كما أن اختياري للمسرح كممثل في البداية جعلني أشتغل على مؤهلاتي في التشخيص فكما هو معلوم الممثل آلة ولاعب بنفس الآلة كما تقول القاعدة، من هنا ركزت على تطوير حركاتي الجسمانية من خلال تدريبات مكثفة من مناهج أكاديمية، وعلى رأسها منهج رائد المسرح العالمي ستانسلافسكي كأحد العباقرة الذين اشتغلوا على إعداد الممثل من خلال الجهازين الداخلي والخارجي، وأقصد هنا الجهاز الفيزيولوجي والسيكولوجي للممثل".

يستعد بديدة لأداء الأدوار التي تتطلب التركيز على لغة الجسد والتعبير بتقاسيم الوجه، وهو يقول "في مرحلة الاشتغال الأولى على الأدوار التي تناط بي أحاول التعرف إلى الشخصية من كل جوانبها وتفاصيلها، ثم بعد ذلك أدخل في مرحلة التركيز باعتباره إحدى الدعامات الأساسية لسبر أغوار الشخصية وتقديمها بنفس إبداعي أقرب إلى الحقيقة، وهنا يمكن القول إن التركيز يبقى حجر الزاوية بالنسبة إلى الممثل، وفي حالة ما إذا كان تركيزك ضعيفا سيكون أداؤك ضعيفا".

كما ينوه بأن "الأدوار ذات البعد البدني أو ما يمكن أن نسميه بالأدوار الحركية كأفلام الأكشن مثلا هي أدوار يؤديها ممثلون مختصون أو من ذوي البنيات الجسمانية القوية، شخصيا لم يسبق لي أن أديت دورا حركيا يعتمد على التعبير البدني المبالغ فيه، أجد ضالتي في الأدوار المركبة التي تقتضي إدراكا عميقا للشخصية وأبعادها النفسية".

ويتابع أن "لكل ممثل عبر العالم أسلوبه الخاص في الأداء، وهذا ما يجعلنا نشعر بلذة الاختلاف بين هذا وذاك، طبعا أسلوبي الذي يعتمد البساطة والتلقائية في الأداء هو ما جعل عددا من المخرجين المغاربة والأجانب يختارونني لأداء بعض الأدوار الشيء الذي بسط لي الطريق لتطوير هذا الأسلوب وتقربيه من الجمهور في قالب يعتمد الحب بالدرجة الأولى". يؤمن بديدة بالحكمة التي تقول "لن تفلح أبدا في شيء لا تحبه، وأنا أحب مهنتي، وأحب أسلوبي فيها، هذا ربما أسهم في وضع بصمتي الخاصة والمتواضعة إلى جانب عمالقة التشخيص في المغرب".

◙ الأداء الفني مزيج من الحركات الجسمانية والتعابير النفسية كالأحاسيس والمشاعر، والممثل هو القادر على تطويع مؤهلاته لخدمة الشخصية التي يؤديها

وفي حديث عن الأدوار التي يفضلها، يقول لـ”العرب”، "الدراما هي الكوميديا والتراجيديا على حد سواء، لكن يبقى بينهما فارق كبير، الملهاة ليست هي المأساة، لكل من هذين القطبين شروط وقواعد خاصة، قد يكون هنا ممثل تفوق فيهما معا، وقد لا يحالف الحظ ممثلا آخر، أنا أجد ضالتي في الأدوار ذات البعد النفسي أكثر، بمعنى تلك الأدوار المركبة كما قلت لك سلفا، لكن يمكن أن أؤدي دورا كوميديا كتب بحرفية عالية تعتمد كوميديا الموقف كأرقى أنواع الضحك ما دون ذلك لا تستهويني الأشكال الأخرى من قبيل كوميديا الألفاظ أو كوميديا التعابير الجسمانية الفارغة من أي محتوى إبداعي أو فني".

ويوضح أن "الأداء الفني أو التشخيص هو مزيج من الحركات الجسمانية والتعابير النفسية كالأحاسيس والمشاعر، لهذا يبقى الممثل هو القادر على تطويع مؤهلاته الجسمانية والنفسية لخدمة الشخصية التي يؤديها. أكيد أن هذا سيكون له وقع خاص على نفسية المتلقي مما سيتولد عنه نوع من التفاعل الذي ينشده المبدع".

ويتابع "أعشق كثيرا الأدوار التي تقتصر على الأداء بالملامح وتعابير الوجه بدل الكلام الكثير، فالحوار يبقى من أكثر مكونات النص السينمائي تعقيدا وتوظيفه يستدعي الإلمام بالشخصية وتركيبتها الاجتماعية والنفسية، لهذا أجد أن أي كلام لا يخدم الحبكة الدرامية في اعتقادي كلام مجاني قد أعوضه بتقنيات أخرى في الأداء، الصمت أيضا لغة".

ويكشف بديدة مصادر إلهامه الخاصة في مجال التعبير البدني قائلا "المصدر الأول والأخير في اعتقادي هو الواقع، هو المجتمع المحيط بك وما يزخر به من صور وشخوص ومواقف". ويشاركنا الممثل حسن بديدة تجارب مميزة يعتبرها تحديا إضافيا في مسيرته الفنية حيث يقول "طبعا مساري كله محطات مهمة وأساسية في تكويني، كل التجارب التي عشتها كانت بالنسبة إلي تحديا وما زلت أجد في الاشتغال على الفن نوعا من التحدي يشبه إلى حد بعيد تحدي البدايات".

أما في ما يتعلق برؤيته لمستقبل السينما المغربية فيرى بديدة أن "مستقبل السينما المغربية واعد جدا، هناك شباب صاعد مؤهل أكاديميا يدرك جيدا أبجديات التشخيص والتمثيل، أكيد أن هناك أجيالا أخرى تنتظر فرصتها، وهذا أكيد سيسهم في تطوير الصناعة السينمائية ببلادنا".

14