حزب جديد ينافس العدالة والتنمية على قاعدته الشعبية

الحزب الجديد ينتقد السياسة الخارجية التي يعتمدها أردوغان ويدعو إلى التعاون مع سوريا ضد "التهديدات الإرهابية".
الأحد 2020/03/15
علي باباجان يعد الأتراك بـ"الدواء" المضاد لسياسات أردوغان

مثلما كتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ميلاد حزب العدالة والتنمية يتجه اليوم إلى كتابة نهايته، حيث يمر الحزب بأسوأ مرحلة له منذ تأسيسه بسبب سياسات أردوغان التي قادت إلى تشظي الحزب وانقسامه وخروج أسماء وازنة منه، على غرار عبدالله غول وأحمد داود أوغلو وعلي باباجان الذي يسعى لاستقطاب الأتراك من خلال حزب وسطي جديد.

إسطنبول – ازداد الضغط الداخلي على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الإعلان عن تشكيل حزب جديد (يمين وسط) بقيادة نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان الذي يتهم الحكومة بممارسة سياسات التخويف.

قال علي باباجان، الذي كان مساعدا لأردوغان قبل أن يترك الحكومة في 2015، في خطاب ألقاه في أنقرة، إن حزبه سيحارب من أجل توفير المزيد من حرية التعبير، ونظام تعليمي أفضل، وإنهاء نظام الحكم الرئاسي الذي يمكّن أردوغان من السيطرة على البلاد.

يحمل الحزب الجديد اسم “الديمقراطية والتقدم”، ويعني اختصاره كلمة “الدواء” باللغة التركية. قال باباجان “نحن العلاج”. ووجه انتقادات إلى حزب العدالة والتنمية، مشيرا إلى أنّه أصبح غير قادر على تلبية تطلّعات الشعب ومنحه الحرية والديمقراطية.

ويقول منتقدون إن السياسات التي تبناها أردوغان خلال فترة حكمه المستمرة منذ 17 عاما ساهمت في تآكل الحقوق المدنية. وأشاروا إلى قلقهم بشأن السلطات الواسعة الممنوحة للرئاسة بعد “الإصلاح الدستوري”.

يعدّ باباجان ثاني سياسي كان ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل أن يختار تشكيل مجموعة سياسية جديدة لتحدي رئيسه السابق. ففي السنة الماضية، أسس رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو حزب المستقبل المحافظ. وحشد كل من باباجان وداود أوغلو معارضي حزب العدالة والتنمية. ويهدفان إلى استمالة الذين كانوا يدعمون أردوغان بعد أن أصبحوا محبطين من أسلوب الرئيس الاستبدادي والوضع الاقتصادي، والتقارير التي تؤكّد الفساد الحكومي.

تراجع العدالة والتنمية

نحن العلاج
نحن العلاج

يبذل الحزب الجديد جهودا لجذب الناخبات والشباب. وتنص لوائحه على ضرورة منح 35 في المئة من المناصب الحزبية للنساء و20 في المئة للشباب.

وفي إشارة إلى اعتقالات طالت الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي لنشرهم تعليقات تنتقد الحكومة، قال باباجان إنه سيسمح للشباب بنشر التغريدات والتعبير عن إعجابه بالمنشورات “دون خوف” إذا ما نجح حزبه الجديد في الفوز بالسلطة.

وأكّدت استطلاعات الرأي انخفاض نسبة دعم حزب العدالة والتنمية على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة لتصوير عمليات الانتشار العسكري الأخيرة في سوريا وليبيا كجزء من معركة من أجل تحقيق المصالح الوطنية التركية.

كما تعاون أردوغان مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرّف لتأمين قبضة حزب العدالة والتنمية على البرلمان. لكن، أشارت بعض الاستطلاعات إلى أن هذا التحالف سيجد صعوبة في حشد الخمسين في المئة المطلوبة للأغلبية البرلمانية إذا أجريت الانتخابات بشكل مبكر عن موعدها.

إذا لم تطرأ أي أحداث من شأنها أن تؤثّر على هذا التاريخ، ستُجرى الانتخابات المقبلة في سنة 2023.

في ظل النظام الرئاسي، فقد البرلمان بعض صلاحياته. لكن، يمكن أن تعطّل الجمعية التي يهيمن عليها معارضو أردوغان طريق الرئيس من خلال رفض تشريعات وفرض تحقيقات. كما يمكن أن تنجح في تنظيم انتخابات مبكرة.

يأمل باباجان في مناشدة الناخبين المسلمين المحافظين من حزب العدالة والتنمية والمهتمين بالاقتصاد الانضمام لحزبه الوليد. وأكّد أن الفساد هو الذي يعرقل تقدم هذا المجال الحيوي، مضيفا “لذلك، نريد فرض الرقابة على المؤسسات المالية، وتغيير قانون المناقصات”.

من جانبه انتقد أردوغان باباجان، محذرا من “تقسيم المجتمع المسلم” معتمدا المصطلح العربي. لكن، في المقابل أكّد باباجان أن أردوغان هو الذي ابتعد عن مبادئ حزب العدالة والتنمية التأسيسية عندما غادر الحزب خلال السنة الماضية.

وقال باباجان، في خطابه في اجتماع جمعه بأعضاء حزبه ومؤيديه في أنقرة، والذي حرصت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للحزب الجديد على بثه، إن الشعب سئم من سياسات التخويف.

وأضاف “نحن هنا الآن، وآن الأوان لتحمل المسؤولية تجاه تركيا، ونتمنى أن يكون الحزب مفيدا للبلاد، يعدّ اليوم بداية نتطلع فيها إلى المستقبل بأمل… اتخذنا الخطوة الأولى لتشكيل بلاد قوية في حقبة جديدة. سنحترم أسلوب حياة الجميع، ولن نضحي بمقدساتنا الدينية من أجل السياسة”.

ويتضمن برنامج الحزب الجديد تعهدات بمكافحة الفساد وتعزيز حرية التعبير وغيرها من الحقوق الأساسية الأخرى بالإضافة إلى فرض سيادة القانون وتحسين الاقتصاد. كما يعد البرنامج بالسعي إلى الفوز بالعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.

معارضة السياسة الخارجية

من حلفاء.. إلى أعداء
من حلفاء.. إلى أعداء

ينتقد الحزب السياسة الخارجية الهجومية التي يعتمدها أردوغان. ويدعو إلى التعاون مع سوريا ضد “التهديدات الإرهابية” ويؤكد على أهمية “الحوار البنّاء والواقعي مع جميع الأطراف” كأفضل طريقة لتأمين حل سياسي للأزمة دون الإضرار بمصالح تركيا.

وفي إشارة إلى التوترات في شرق البحر المتوسط​، أين يريد أردوغان منع اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر من استغلال حقول الغاز الطبيعي، يدعو برنامج الحزب إلى الحرص على منع المنطقة من التحول إلى نقطة للخلافات والصراعات، والسعي إلى جعلها منطلقا للتعاون والاستقرار.

في محاولة لتحديد عدد الناخبين الذين سيتمكن حزب باباجان وداود أوغلو من اجتذابهم، أظهر استطلاع أجرته شركة ميتروبول التركية للاستطلاعات والأبحاث في شهر يناير أن دعم حزب المستقبل الذي يقوده داود أوغلو بلغ 1.2 في المئة وأن دعم حزب باباجان (الذي لم يكن قد تأسس في وقت الاستطلاع) بلغ نسبة 0.8 في المئة، إذ يواجه الشخصان اتهامات بالدفاع عن سياسات أردوغان وتنفيذها مما أدى إلى حدوث عدد من المشاكل التي تواجهها تركيا اليوم.

في المقابل، قالت الزميلة البارزة بمجلس العلاقات الخارجية الأوروبية وبمركز ميركاتور في إسطنبول، أسلي أيدينتسباس، إن إنشاء حزب باباجان يبقى أمرا مهما على الرغم من كل شيء. وفي حديث سابق عن حزب المستقبل، أشارت إلى أن التطورات ستخلّف تغييرات في الحسابات الانتخابية التركية بعد أن كان حزب العدالة والتنمية قادرا على الفوز في الانتخابات بنسبة51 في المئة بفضل تحالفاته مع الأحزاب اليمينية. وأضافت “سيشكل حزب باباجان الجديد تحديا حقيقيا لحزب العدالة والتنمية. لن يجمع كل الأصوات المحافظة في تركيا، لكنه قادر على حشد 5 أو حتى 6 في المئة منها”.

وترى في هذا النوع من الدعم قدرة على تمكين الحزبين الجديدين من الوقوف في وجه حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية بمنع التحالف من جمع نسبة الأصوات اللازمة لتأمين أغلبيته.

وأشارت أيدينتسباس إلى أنه لن ينجح في جمع أكثر من 30 في المئة من الأصوات إذا أجريت الانتخابات في الوقت الحالي. فعلى الرغم من توفّر بعض العوامل الخارجية التي يمكن أن يستغلها أردوغان لإحكام قبضته على السلطة، تبقى هذه الظروف مؤقتة أمام رغبة الأتراك المتزايدة في استعادة ديمقراطيتهم التي فقدوها في ظل حزب العدالة والتنمية الحاكم.

لكن، تبقى التحديات التي سيواجهها باباجان في طريقه إلى تعزيز الديمقراطية والعمل على تحقيق الإصلاحات اللازمة معقّدة ومتعددة.

6