حرّيات وعربوفوبيا

قد تكون المرونة التي صبغت هذا العصر، باسم المصلحية والمنفعة، أسهمت إلى حدّ بعيد في رسم منحنيات القيم في المجتمعات، وما كان منها عيبا في الماضي صار شيئا مألوفا، وما كان فروسية بات الكثيرون يعدّونه حُمقا وهبلا. غير أن تلك السيولة في التعبير عن المواقف ليست بالضرورة أن تكون منتهى أساليب التعبير، فالإنسان في تطوير مستمر لأدواته وقد يتحوّل مجددا نحو خطاب مختلف، كما عهدناه عبر الأزمنة.
حتى قبل أيام قليلة، كان الحديث عن المثليين والمثلية يعتبر نوعا من الترف، فالأمور ماشية وكل إنسان حرّ في جسده وروحه، وهي فحوى الحرية التي تتيحها الديمقراطية في الحياة الغربية.
وقد أثار فيديو من دقائق معدودة انتشر مؤخرا تحدّث فيه نجم كرة القدم العربي محمد أبوتريكة عن هذا الموضوع ردود فعل هائلة، أجزم أن غالبية من الناس تريد أن تنأى بنفسها عنها، حتى لا تُحسَب على التشدّد الديني، أو حتى لا تخسر رضا الدوائر الغربية وتدخل نفسها في سين وجيم.
الفكرة أن دخول مثل هذه الرموز إلى البيوت، عبر حامل مثل مباريات كرة القدم التي تبثها شاشات التلفزة ويشاهدها المليارات من البشر، يتجاوز الحرية الشخصية، ليتحوّل إلى نوع من حملات التأثير في الأسر والمجتمعات، وهذا تطاول كبير وغير قانوني على الحرية الفكرية والاجتماعية للآخرين.
في أكتوبر الماضي، وقبل شهر ونيف من اليوم، انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدعوات الرامية لتعزيز حقوق المثليين والمتحولين جنسيا، قائلا إن بلاده يجب أن تلتزم “بالقيم الروحية والتقاليد التاريخية” الخاصة بها، وأضاف أنهم في الغرب يعتقدون أن “محو صفحات كاملة من تاريخهم، وعكس التمييز وجعله ضد الأغلبية لصالح الأقليات، يعتبر بمثابة تجديد للمجتمع”.
بدا بوتين غاضبا جدا، مع أنه ليس مسلما ولا عربيا حتى لا يتذرّع البعض بالإسلاموفويا والعربوفوبيا، حين أضاف “إن الصبي يمكن أن يصبح فتاة والعكس صحيح، ويا لها من فكرة بشعة وتقترب من كونها جريمة ضد الإنسانية”، وعندها لم يشنّ الإعلام الغربي حملة على بوتين كما فعل مع أبوتريكة.
الواقع أن تخيّل الفوضى التي يمكن أن تنجم عن السماح للمثليين بعد شرعنة زواجهم في الغرب، بتبنّي أطفال صغار أيتام، وإسكانهم معهم وتنشئتهم في بيت يكون الأم والأب رجلين أو امرأتين، فيه من الخطورة ما يصل إلى مستوى الجريمة كما قال بوتين وغيره، فليس من حق أحد تشويه فكرة الإنسان الطفل عن طبيعة البشر وغسل دماغه، فقط لأن المربّي الذي سيتبناه ويصرف عليه من أمواله لديه ميوله وأمزجته المختلفة.
لا أحد بوسعه أن يقف ضدّ الحريات ولكن على الحرّيات أن تعرف أين يجب أن تتوقف.