"حرّاس الحزن" لأمير تاج السر.. المضحك والمبكي في الواقع المتخيّل

الخرطوم - في عوالم الروائي السوداني أمير تاج السرّ واقع مغرق في واقعيته وخيال جانح في تفلّته. هناك، في مساحة التناقضات الحادّة تلك، تتجاور المأساة مع الفكاهة الساخرة. هناك يُرمى حديثو الولادة في مكبّات الزبالة، لكن هناك أيضا ترأف بهم وتلمّهم امرأة حاذقة هي ذاتها دوما.
هناك يقضي مراهق قبل تسلّمه حذاء “بيليه” الذي كان يحلم بانتعاله، بينما يتلقّف ذلك الحذاء ولد لم يكن ليحلم به. هناك أيضا تعالج عرّافة والدتها من مرض الأمنيات بينما يتساءل بطل الحكاية بجدّية عمّا إن كان هو من قتل المدير. كلّا، ليست سردية غير مترابطة. هي فقط مكثّفة، هي فقط نموذج مصغّر عن الحياة وشخوصها بمآسيهم وأفراحهم، ببراءتهم وخبثهم، بتنوّع نزعاتهم، وبحيرتهم الأبدية أمام المرايا.
وقال الشاعر والكاتب والناقد اللبناني سلمان زين الدين عن الرواية “ينحو أمير تاج السرّ منحى الواقعية السحرية في كتابته، فيعيد للواقع شيئا من سحره المفقود وللحكاية شيئا من ألقها الغريب”.

"حرّاس الحزن" ينحو فيها مؤلفها أمير تاج السرّ منحى الواقعية السحرية، فيعيد للواقع شيئا من سحره المفقود وللحكاية شيئا من ألقها الغريب
وجاء في تقديم الكاتب تاج السرّ لروايته “ربما كنت متخما بالسعادة، لكنك في الواقع متخم بالحزن. ربما انتبهت إلى الوجوه التي تضحك بكاء وربما لم تنتبه. إنها قصص الواقع المؤلم وأيضا الخيال الموغل في إيلامه، حين تكون ثمة جارة مثل سلوى بطرس، وصديق مثل سعد نزوة، وأوغاد مثل التائه وعبدالعال وزمن مثل زمن النميري”.
وولد أمير تاج السرّ بشمال السودان عام 1960، وتلقى تعليمه الأولي هناك، وعاش في مصر بين عامي 1980-1987، حيث تخرّج في كلية الطب جامعة طنطا، ليعمل طبيبا باطنيا، بدأ ممارسة الكتابة في مراحل مبكرة جدا من حياته، ففي المرحلة الابتدائية كان يكتب القصص البوليسية تقليدا لما كان يقرؤه أثناء الطفولة، وفي المرحلة المتوسطة بدأ يكتب الشعر بالعامية، وتغنى مطربون في ما بعد بالكثير من أشعاره.
واستمرت كتابة الشعر حتى خلال دراسته للطب، وأصدر دواوين شعر بالعامية السودانية، وفي عام 1985 بدأ يكتب الشعر بالفصحى ووصل إلى مراحل متقدّمة وكانت قصائده تنشر في مجلات عربية كبيرة ومزدهرة في ذلك الوقت، حيث كان يتوقّع الكثير من أصدقائه أن يظل مستمرا في كتابة الشعر، لكنه في العام 1987 كتب رواية “كرمكول” التي أحدثت أصداء كبيرة في القاهرة.
وفي عام 1996 كتب روايته الثانية “سماء بلون الياقوت” بعد انقطاع عن الكتابة دام عشر سنوات، وهي مستوحاة من بيئة شمال السودان، ثم تلتها رواية “نار الزغاريد” ثم “مرايا ساحلية”، وهي الرواية التي أحدثت نقلة في تجربته الروائية، وكانت عبارة عن سيرة عن منطقة بورتسودان، كما كتب “سيرة الوجع” ثم “صيد الحضرمية” و”عيون المهاجر”.
أما البداية الحقيقية والتي تمثل مرحلة الانطلاق والانتشار، فكانت في عام 2002 عندما كتب روايته الأشهر “مهر الصياح” وهي رواية ضخمة ذات طابع تاريخي حقّقت أصداء بعيدة، تلتها رواية “زحف النمل”، لتتواصل التجربة مرورا بـ”توترات القبطي” و”العطر الفرنسي”، وصولا إلى “صائد اليرقات” و”إيبولا 76” و”أرض السودان”.
وتُرجمَت أعماله إلى العديد من اللغات العالمية منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والفارسية والصينية. ووصلت بعض عناوين روايته إلى القائمتين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبية عربية مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبية مثل الجائزة العالمية للكتاب المترجم. ودخلت رواياته في المناهج الدراسية الثانوية الإماراتية والبريطانية والمغربية.