حريّ بالعرب أن يفخروا

آن الأوان للأندية العربية أن تسعدَ وتفخرَ بكونها تحتل نصيب الأسد في بطولة عريقة مثل مسابقة دوري أبطال أفريقيا. حصيلة هامة ممثلة بستة فرق خاضت وتخوض لقاء دور الربع النهائي في نهاية هذا الأسبوع. هذا كاف أن يكون رؤساء الأندية في تونس والمغرب ومصر سعداء بكون فرقهم ممثلة في أدوار متقدمة من المسابقة القارية، ومن يدري ربما يكون النهائي عربيا خالصا. هذه الحصيلة وجب البناء عليها لا تذويبها بمهاترات ومنغصّات تفسد رياضة كرة القدم ولا تضيف لممثلي العرب شيئا.
البطولة التي كانت أندية عريقة في أفريقيا سبّاقة لحصد لقبها ويتواصل التنافس على أشده هذا العام بين أكثر من فريق عربي مرشح لاعتلاء منصتها، ليس مسموحا بأيّ شكل من الأشكال أن تأخذ طابع “الثأر” و”العدائية” بين الجماهير الواسعة للفرق ويعود السجال على لقبها إلى دواوين الاتحاد الأفريقي لكرة القدم “كاف” مثلما كان عليه الحال السنة الماضية بين الترجي التونسي والوداد المغربي. اللهم إلا إذا كان “الثأر” كرويا فهذا مُرحّب به ويُباركه الجميع في إطاره الواسع وعلى أرضية الميدان بين اللاعبين دون سواهم.
هناك شيء ما يحرّك الغرائز ويدفع إلى تجييش وحشد جماهيري عبر منصات التواصل الاجتماعي مع كل لقاء يجمع بين هذا الفريق أو ذاك في البطولة وهو أمر لا طائل من ورائه. تناسى الجميع أن رَافع اللقب يكون فريقا واحدا لا اثنين أو ثلاثة أو أربعة. هناك فائز وهناك مهزوم والجدارة لمن كان الأقوى على المستطيل الأخضر. هي بطولة كغيرها من البطولات، فيها منتصر وفيها منهزم. صحيح أن وقع الخروج منها يكون أشد ألما عن غيرها من البطولات كون الفائز بها سيكون ممثلا لأفريقيا في بطولة العالم وسيقارع أعتى الأندية العالمية، لكن هذا لا يعني أن يتحول التنافس على لقب بطولة إلى صراع مفتوح بين جماهير هذا النادي أو ذاك ووعد وعيد وغيرها من الأساليب التي لا صلة لها بكرة القدم.
تخيلوا المشهد ماذا لو كان من يمثل العرب فريقا وحيدا في البطولة! هل سيكون حجم التنديد بعدم حيادية الحكم وطريقة إدارته للقاء بهذا الكمّ من التأويلات والآراء المُسقطة سلفا؟ هل سيتنكّر الجمهور لهذا النادي أو ذاك كونه ممثلا للعرب في البطولة القارية الأعرق؟ قطعا لا. خصوصا للجماهير العربية المشهود لها بعشقها لمتابعة الأندية الكبرى سواء في المغرب أو مصر أو تونس.
شاءت حكمة كرة القدم هذا العام أن يكون ميزان العدل منصفا بين هذه الدول الثلاث، كل واحدة منها مُمثلة بفريقين. ثنائية الوداد والرجاء للمغرب وثنائية النجم والترجي لتونس وثنائية الأهلي والزمالك لمصر. حتى الكرة عادلة أحيانا، فلماذا نُنكر على أنفسنا أن يعمّر هذا العدل بيننا لأسابيع حتى ويدفع إلى الواجهة بميزان رفيع وأشد نقاء تنتصر فيه روح الأخلاق الرياضية على كل من يروم التشويش على سيادة وانتصار ثقافة الانتصار للأجدر والأقوى لا التباكي والتظلّم وتجييش الجماهير.
صحيح أن الجمهور هو جزء من اللعبة لكن هذا لا يمنع من الاستدارة قليلا والالتفات لما يجري من حولنا. شاهدوا أوروبا مثلا. في معظم الدوريات الأوروبية وأبرزها وأقواها على الإطلاق بطولة إنجلترا، مسافة بضعة أمتار قليلة تفصل الجمهور عن اللاعبين في أرضية الملعب. يتواصل التشجيع إلى آخر الدقائق وتُرفع القبّعة للمنتصر دون منغصات أو رداءة مسيئة للخصم. لا يعني هذا أنه لا توجد شوائب. بكل تأكيد متوفرة لكنها تتجاوز عقلية أن هذا الخصم أقوى إلى أبعد من ذلك وقد لا يتسع المجال لذكرها.
المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحُكماء في شتى الأندية العربية بأن يعيدوا ترتيب الأجواء بين الجماهير الواسعة لتجاوز هذه الأساليب السرطانية في التشجيع والوقوف صفا واحدا إعلاء لانتصار روح رياضة كرة القدم. حينها فقط تكون اللعبة المحبّبة جماهيريا قد مارست ثقافتها الأساسية بتوجيه أبلغ الرسائل إلى الشعوب في كل مكان بالبلدان العربية مفادها أن “البطل واحد نبارك جهده لا أن نناصبه العداء” أو بتعبير مثل شعبي تونسي بليغ “خيرها في غيرها”.