"حرم الجمال".. قناة تقاوم السوداوية والاستهلاكية بالفن والثقافة

القناة رؤية أخرى لتفاصيل الثقافة التي يؤمن بها حسام رزيق ويبنيها على الأخذ والعطاء بجماليات إنسانية خالدة.
الأحد 2025/01/19
ثراء الذائقة واتساع الفكرة

"حرم الجمال" هي الصدفة التي تكررت مع كل لون وكل صورة وكل حرف وكل رواية، مرة لتثبت أن الفن محضها وأنها تعثر بكل إرادة المشاعر، ومرة لتقر أن الإنسانية جمال قائم على خلود الذاكرة الفنية والثقافة المتنوعة بثراء ذائقتها، وأن الجمال يحمي الروح من تشتتها “فمن يحيط نفسه بالجمال يجد النور حتى في أحلك الأوقات.”

هذا ما تحمله الرؤية الأولى لـ”حرم الجمال”، القناة التي اختارها صانعها السعودي حسام رزيق لتكون بقعة ضوء في عتمة الاستهلاك اليومي للمحتوى المألوف، هي رؤية من نوع آخر لتفاصيل الثقافة التي يؤمن بها وبجدواها تلك المبنية على الأخذ والعطاء بجماليات إنسانية خالدة بين الفنون والآداب وبين الثقافة والمجتمع، عبر مختلف الحضارات.

حسام رزيق يصنع بقعة ضوء في عتمة الاستهلاك اليومي للمحتوى المألوف
حسام رزيق يصنع بقعة ضوء في عتمة الاستهلاك اليومي للمحتوى المألوف

كان الجمال عنوان الاستمرار في مساحة القناة التي أنشأها على اليوتيوب كفكرة متواضعة الإمكانيات ولكن عميقة الرؤى والأهداف، لتكون انعكاس شغفه بالفنون التي استطاعت أن تجمع عشاق الثقافة والإبداع على الروائع، سفرا بين الأخيلة وتنقلا بين الأثر الباقي “الجمال” لتستمر في نسق متصاعد يحمل إلى الآن أكثر من 18 ألف مشترك تجمعوا حول الجمال وإليه عبروا.

تدفعك القناة التي يؤثثها حسام رزيق بصوته وهدوئه ورصانته وشغفه، ومنذ الوهلة الأولى تتساءل في حيرة الدهشة ما معنى أن تكون لك عين ولا يكون شاغلها رصد الجمال والمحبة؟ وما معنى أن تكون لك حواس ولا توظفها في تكثيف الذائقة واستيعاب الحسيات العالية؟ وكأنه يبعث في المتلقي الحيرة ليستمر، باحثا في أجوبة الرحلة ماذا قبل الفن وبعده، إنه الإنسان الذي اختاره الوجود جميلا بديعا كاملا بفكره وحسه وتذوقه واندماجه.

عالم الفن عالم الجمال وما فيه من جميل ليس مجرد تعبير سطحي كما يراه العامة بل روح يدركها المتعمقون في البساطة من حملوا سذاجة البحث من عمق الشغف في أعمالهم الفنية وكتبهم، حتى أدركوا أنهم مهما عرفوا بقي توغلهم في الإبداع حامل أسرارهم التي لا تُرى، وأنهم بكل مراحل التعبير وأزمنة الإبداع وعاظ لذة في معابد المرايا.

حاول رزيق جمع تلك المرايا والانعكاس فيها في حلقات برنامجه على ثيمات وثّق من خلالها تلك التساؤلات بحكمة وتبصر وتأمل عالم الفن التشكيلي والفنانين التشكيليين، متناولا رحلات حيواتهم وأساليب المدارس الفنية وعالم الكتابة والكتاب وعوالم المتاحف والمدن التي تحويها، كما يطرح القراءات المختلفة التي تشبعت بها ذائقته وعوالم المشاعر والرحلات الذهنية التي ارتكزت عليها الفنون بين مشاعر القلق والتأمل والحنين والحيرة والخوف والحيوية.

ليست الرفاهية ما دفع إلى إنشاء هذه القناة ولكنها الحاجة إلى ملجأ يكون ملاذا للاحتماء من بؤس العالم الاستهلاكي

منذ 2017 رأت فكرة حرم الجمال النور بعد أن كانت “مجرد فكرة” كما يقول حسام رزيق، مضيفا “كانت فكرة لمعت في أعماقي في لحظة سأم أردت بها كسر حواجز الطاقة السلبية، فكرة ضجرت فيها من نقاشات التويتر العقيمة والمشاحنات والمزايدات التي ملأت وسائل التواصل الاجتماعي عن سطحية ما يُطرح وما يُقال من شتائم ونقاشات بلا جدوى بين الرياضة والسياسة، سئمت ممن يؤدي دور الفقيه والعالم والخبير والدكتور، ويدّعي كل ذلك خلف شاشة ولوحة مفاتيح، كما سئمت النظرة السوداوية إلى الحياة وشحن الجماهير وتكوين مجموعات تابعة لفكرة يتبنونها بلا وعي.”

ويتابع “لم تنشأ هذه القناة لفرط رفاهيتي ولكن لحاجة من نور ولدور حقيقي يكون ملاذا وملجأ للاحتماء من بؤس العالم الاستهلاكي والافتراضي وما يحمل من ألوان باهتة، كانت حاجة الاحتماء بالفن وبالثقافة في سفر ورواية في لوحة وحكاية ورحلة في عوالم الفنون نجدد بها الطاقة بالإنسانية.”

ويذكر أن هذه القناة بدأت بأبسط الإمكانيات وجهد فردي حتى تكون مصدرا للمعرفة وللعمق وللوعي الثقافي نحو الفن ومدارسه وتاريخه وحكاياته، هي منصة لعرض النص الأدبي ومشاركة القراءات والاقتباسات من الكتب للتحفيز على القراءة، بدأت بإمكانيات متواضعة ولكنها لم تحبط هدفه ولا شغفه في إثبات أن المحتوى الجاد والمبني على المعارف قادر على الثبات والاستمرار والمواصلة، خاصة وقد بدأت القناة تنتشر وتُعرف.”

ويواصل حسام رزيق “أصبح المتلقي قادرا على استجماع الجمال من المحتوى الجميل المحفز والمليء بالمعرفة ومشاركته بالنشر والتعليق والطلب والاقتراح وهو ما جعل القناة مبنية على سلسلة مختلفة وقوائم بحث سلسلة تاريخ الفن، سلسلة لوحة وقصة، سلسلة دليل زيارة المتاحف، سلسلة حكايا المكتبات، سلسلة اقتباسات حرم الجمال، قائمة إلقاء النصوص الأدبية، وثائقيات السياحة والسفر، من حياة الأدباء.”

11