حرب مبادرات داخل الرئاسي الليبي بين اللافي والكوني والمنفي ينأى بنفسه

يشهد المجلس الرئاسي في ليبيا صراعا حول المبادرات بين نائبيه عبدالله اللافي وموسى الكوني بخصوص حلحلة الأزمة الليبية، فبعد اقتراح الكوني العودة إلى اعتماد نظام الأقاليم، يذهب اللافي إلى اقتراح مبادرة تهدف إلى تجاوز أزمة الثقة بين الأطراف السياسية، وتبديد المخاوف من استئثار أي طرف بالسلطة.
يبدو أن الصراع السياسي بين الفرقاء الليبيين انعكس على المجلس الرئاسي الذي بات يشهد “حرب مبادرات ” بين نائبي رئيسه عبدالله اللافي وموسى الكوني في ظل خلاف واسع على أفضل السبل الممكنة لحلحلة أزمة البلاد والحؤول دون تقسيمها.
فبينما لا يزال السجال محتدما حول مبادرة الكوني بخصوص العودة إلى نظام الأقاليم الثلاثة، أعلن اللافي عن تقدمه رفقة عدد من الشركاء السياسيين بمبادرة سياسية لحلحلة الأزمة في البلاد، قال إنها لم تتضمن بأي شكل من الأشكال تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم، بل ركزت على طرح آلية لانتخاب مجلس رئاسي من قبل الشعب مباشرة.
وأبرز اللافي الذي يتولى مهمة عضو المجلس الرئاسي عن إقليم طرابلس، أن المبادرة التي أطلق عليها اسم “مبادرة الحل السياسي: الحوافز والضمانات”، تهدف إلى تجاوز أزمة الثقة بين الأطراف السياسية، وتبديد المخاوف من استئثار أي طرف بالسلطة، وهي العقبة الأساسية التي تحول دون نجاح الانتخابات.
وبحسب اللافي، فإن المبادرة تقوم على إدراج انتخاب المجلس الرئاسي ضمن القاعدة الدستورية التي تنظم الانتخابات، بحيث يتنافس المرشحون ضمن قائمات رئاسية، مع تحديد واضح للصلاحيات المشتركة بين أعضاء المجلس، والصلاحيات الممنوحة للرئيس، مشيرا إلى أنه بهذه الآلية، تتحقق الشرعية الدستورية والمشروعية الشعبية، مما يعزز قدرة مؤسسة الرئاسة على استعادة سيادة الدولة الليبية.
رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي يرى أن أولويات المرحلة تتمثل في حفظ الاستقرار وتوحيد القوات الأمنية والعسكرية
وتابع أن المبادرة التي تقدم بها مع عدد من الشركاء، اقترحت أن يتم تقسيم البلاد إلى 13 محافظة، وفق الدوائر الانتخابية أو حسب ما يتم الاتفاق عليه لاحقا، على أن يتم توزيع الميزانية بالتساوي بين هذه المحافظات، التي ستتم إدارتها وفق نظام لا مركزي يمنحها صلاحيات كاملة.
كما تقترح المبادرة تقليص هيكلية الحكومة المركزية، مع تحديد صلاحياتها وتمويلها بشكل محدود، وذلك لضمان التحرر من قبضة المركزية وأعبائها، والسماح للمحافظات بإدارة شؤونها بكفاءة واستقلالية أكبر.
وجاءت مبادرة اللافي بعد أسبوع من الجدل الحاد حول مبادرة أطلقها الكوني وطرح من خلالها العودة إلى نظام الأقاليم التاريخية الثلاثة التي كانت معتمدة مع تأسيس دولة الاستقلال في العام 1951 قبل التخلي عنها في العام 1963، بعد تعديلات دستورية يقول الكثيرون إنها تمت تحت ضغط القوى الخارجية والشركات متعددة الجنسيات على إثر اكتشاف النفط في ليبيا.
وتطرق الكوني إلى تداعيات شبح الانقسام الذي تعانيه البلاد بوجود برلمان منقسم، وحكومتين وجيشين، ومجلس دولة يتحرك في نطاق إقليمه وليس على كامل التراب الليبي، حيث أكد أن “ليبيا أصبحت شرقا وغربا في تجاهل كامل لإقليم فزان وحقوقه المشروعة”، لافتا إلى أن مبادرته تضمن تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة البلاد.
وأضاف الكوني أن “العمل بنظام المحافظات من شأنه أن يخفف العبء عن العاصمة التي أصبحت ساحة للصراعات السياسية بسبب وجود السلطة المركزية داخل حدودها.”
وأوضح أن طرح الأقاليم الثلاثة كحل للأزمة في ليبيا ليس فكرة مستحدثة، فبرقة وفزان وطرابلس أقاليم تاريخية وحقيقة واقعة، مشيرا إلى أن فكرة الدولة الموحدة في ليبيا غير مطبقة على أرض الواقع.
وتابع “نحن الآن دولتان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهناك دولتان بجيشين.”
ويرى أن ما يدفع بشدة إلى تأييد مقترحه هو عدم وجود دولة موحدة على أرض الواقع، فـ”البرلمان هو برلمان لبرقة وليس للدولة الليبية، والتشريعات التي يسنها لا تطبق في إقليم طرابلس. كما أن الحكومة المنبثقة منه لا تسيطر إلا على إقليم برقة، ولذلك فهو مجلس تشريعي لبرقة وليس لكامل ليبيا.” متسائلا “لماذا لا يزور رئيس البرلمان طرابلس وهي عاصمة الدولة، أو حتى مصراتة أو الزاوية؟”
في المقابل رأى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي أن أولويات المرحلة تتمثل في حفظ الاستقرار واستدامته، وتوحيد القوات الأمنية والعسكرية تحت سلطة مدنية، معربا عن تطلعه إلى توصيات اللجنة الاستشارية لبعثة الأمم المتحدة بشأن قوانين الانتخابات.
المبادرة تقوم على إدراج انتخاب المجلس الرئاسي ضمن القاعدة الدستورية التي تنظم الانتخابات، بحيث يتنافس المرشحون ضمن قائمات رئاسية
وشدد المنفي الذي يحاول أن ينأى بنفسه عن صراع نائبيه، على حجم التحديات التي تواجه ليبيا وتتزايد يوما بعد يوم، مشيرا إلى أنها تمس استقرار البلاد ومستقبلها، وأوضح خلال مأدبة إفطار رمضانية أقامها بحضور شخصيات رسمية ووزراء وسفراء البعثات الدبلوماسية في ليبيا أن التغلب على هذه التحديات يتطلب إرادة حقيقية وتعاونا وثيقا مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وشدد على أهمية التنسيق مع الأمم المتحدة ومؤسساتها والدول الصديقة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن، مردفا أن الأولويات تتضمن أيضا تحقيق التنمية ومكافحة الفساد وحماية حقوق الإنسان ومعالجة قضايا الهجرة غير النظامية ومواجهة محاولات تقسيم المؤسسات، خاصة القضائية.
كما عبّر المنفي من جديد عن قناعته بأن الاستفتاء الشفاف على القضايا الخلافية، بإدارة هيئة محايدة، هو الأفضل والأسرع للوصول إلى الانتخابات، لافتا إلى أن ليبيا أمام مفترق طرق، وأن هناك مسؤولية تاريخية لضمان عبورها إلى بر الأمان.
ويرى مراقبون أن الخلاف بين اللافي والكوني بات حادا، وأن مبادرة اللافي جاءت لتقطع الطريق أمام مبادرة الكوني التي تلقى صدى إيجابيا في الخارج، لاسيما أنها تكشف في جانب منها عن فشل وعجز النخب السياسية الحالية عن استعادة وحدة البلاد وسيادتها على كامل أراضيها ومقدراتها.
وبحسب المراقبين، فإن الكوني يدافع عن إقليم فزان التاريخي الذي يتحدر منه ويمثله في المجس الرئاسي، وهذا من حقه، نظرا للمظالم المتعددة التي لحقت بالإقليم سياسيا واقتصاديا وأمنيا وثقافيا، رغم الثروات الطائلة التي يتمتع بها من نفط وغاز وماء وزراعة ومعادن نادرة وطاقات بديلة، فيما يرى البعض أن إقليم طرابلس يجد نفسه أمام إقليمي فزان وبرقة الأكثر فقرا من ناحية الثروات الباطنية، والأعلى من حيث الكثافة السكانية، والأكثر استفادة من إيرادات الثروة وتمكنا من مفاصل الدولة.