حرب عالمية على هواوي أم على الصين

اتسعت جبهات الحرب على شركة هواوي، التي تختزل موجة قلق عالمي من مخاطر الهيمنة الصينية على صناعة وسائل الاتصال. وصدرت الجمعة تحذيرات شديدة من الاتحاد الأوروبي واليابان لتطول القائمة التي تضم حاليا الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا في وقت انحنت فيه هواوي لمطالب بريطانية لتفادي حظر معدّاتها.
لندن - تلقت هواوي الصينية ضربات جديدة وهي تحاول معالجة أزمة توقيف مينغ وانتشو المديرة المالية للمجموعة وابنة مؤسسها في كندا بناء على طلب من القضاء الأميركي، والذي أثار غضب السلطات الصينية، التي وصفته بالتصرف الدنيء.
ويرى محللون أن توقيف مينغ قد يستخدم ورقة مساومة في المفاوضات الجارية لإنهاء الحرب التجارية المشتعلة بين البلدين، رغم نفي البيت الأبيض لوجود علاقة بين القضيتين.
وتجمع التقارير العالمية على أن أزمة هواوي تختزل المناوشات التجارية الأميركية مع الصين والانتقادات الأوروبية، إضافة إلى موجة قلق عالمي من هيمنة الصين على صناعة معدّات وأجهزة الاتصالات وتقدّمها المتسارع على جبهة الذكاء الاصطناعي.
وجاءت أولى ضربات أمس من الحكومة اليابانية التي أعلنت أمس أنها ستمنع استخدام أجهزة مجموعتي هواوي وزد.تي.إي، التي قالت إنها تشكل تهديدا للأمن، وبعد ساعات أصدر الاتحاد الأوروبي تحذيرا من المخاطر الأمنية لمعدّات الاتصالات الصينية.
وتخضع شركات التكنولوجيا الصينية لتدقيق شديد من قبل واشنطن وبعض أبرز الحلفاء بشأن صلاتها مع الحكومة الصينية، وهو الأمر المدفوع بمخاوف من أن بكين قد تستغلها للتجسس.
ويأتي الحظر الياباني بعد منع هواوي من العمل في السوق الأميركية وإيقاف أستراليا ونيوزيلندا مشاركة الشركة في بناء شبكات الجيل الخامس للاتصالات بينما تصرّ بكين على أنها لا تملك أي نفوذ على هواوي.
وكشف مصدر مطلع أن اليابان حذرة من إثارة غضب الصين وأنها ستعلن يوم الاثنين قواعدها الداخلية لشراء معدّات الاتصال التي تستهدف الشركات الصينية، لكنها لن تذكر اسم هواوي وزد.تي.إي على وجه الخصوص.
وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية أندراوس أنسيب الجمعة إن مجموعة هواوي وغيرها من شركات التكنولوجيا الصينية تثير “مخاوف” على الاتحاد الأوروبي بسبب المخاطر الأمنية التي تطرحها.
وأضاف في مؤتمر صحافي في بروكسل أنه “ينبغي التخوف من هواوي ومن شركات صينية أخرى… أعتقد أن هناك ما يدعو إلى القلق” لأن تلك الشركات مرغمة على “التعاون مع أجهزة الاستخبارات” الصينية.
وتشتبه السلطات الأميركية بأن الشركة الصينية تقوم في الحقيقة بوظيفة عميل سري للسلطات الصينية. وقد مارست واشنطن ضغوطا على حلفائها لحظر التعامل مع هواوي وشركات صينية أخرى وقد لاقت استجابات واسعة لتلك الضغوط.
وحاولت هواوي هذا الأسبوع تهدئة إحدى الجبهات بمعالجة المخاوف البريطانية من احتمال استغلال الصين لمعدّات وبرامج الشركة المستخدمة في شبكات الاتصالات في بريطانيا بطرق غير قانونية.
وذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن هواوي وافقت على مطالب تقنية لتغيّر طريقة عملها في السوق البريطانية، وذلك خلال اجتماع بين مسؤولي الشركة وكبار مسؤولي المركز الوطني لأمن المعلومات في بريطانيا.
لكن تلك الجهود تبدو عاجزة عن إبطاء الهيمنة الصينية في ظل معارضة شركات التكنولوجيا الغربية لمواقف حكومات بلدانها وتأكيدها أن فرض قيود على الصين يمكن أن يضرها أكثر مما ينفعها.
وتقول كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية إن الإجراءات المستندة إلى حماية الأمن الوطني ستقوّض الهدف الذي تسعى إليه وهو حماية التفوّق الأميركي في بعض حلقات التكنولوجيا. وتتحدى قفزة مبيعات هواوي جميع المؤشرات وقد سارت بسرعة هائلة عكس تيار هبوط مبيعات الهواتف الذكية وتجاوزت مبيعات هواتف أبل بمسافة شاسعة لتحتل المركز الثاني وهي تتجه رغم كل المعارك لانتزاع الصدارة من سامسونغ في 2019.
ورغم أن قطاع التكنولوجيا الصيني لا يزال يعتمد على صادرات أميركية معيّنة مثل الرقائق الإلكترونية، إلا أن معظم الشركات الأميركية تصنع تلك الرقائق داخل الصين في وقت تبدو فيه بكين مندفعة بسرعة فلكية للهيمنة على قطاع التكنولوجيا.
وتشير التقديرات إلى أن الصين تصنع ما يصل إلى 90 بالمئة من أجهزة تكنولوجيا المعلومات في العالم وبضمنها 3 أرباع جميع الهواتف الذكية. ما يعني أن الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل متزايد عليها في تصنيع البنية التحتية العالمية لتكنولوجيا المعلومات.
وتواجه الدول الغربية خيارات صعبة وربما مستحيلة، فإيجاد بدائل تكنولوجية محليّة أمر غير واقعي. أما الخيارات الأخرى فتتراوح بين حرمان نفسها من التكنولوجيا والاستثمار الصيني بحجة التهديد المحتمل، أو العثور على طرق لإدارة المخاطر الأمنية.
ويقرّ الخبراء بعجزهم عن تقدير حجم المخاطر التي تنطوي عليها هذه التبعية وهو ما يجعل صنّاع السياسة التقليديين أمام تحديات جديدة تختلف عن التحديات التي واجهتها دول العالم في الماضي.
ويرى محللون أن المؤسسات السياسية معتادة على المواجهات المتعلقة بالنفوذ في الأراضي وأعالي البحار وتجارة السلع والخدمات التقليدية، لكنها غير مهيأة للصراع في فضاءات وحروب إلكترونية.