حرب شوارع في طرابلس: مصير كارة لن يكون كمصير "غنيوة"

عاشت العاصمة الليبية طرابلس خلال الساعات الماضية حرب شوارع طاحنة بين قوات موالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة وقوات تابعة للمجلس الرئاسي ومتحالفين معها من مناطق مختلفة هبوا للقتال إلى جانب قوة الردع بقيادة عبدالرؤوف كارة، وهو ما يشير إلى أن التخلص من كارة ليس بالسهولة التي تمت بها تصفية قائد جهاز دعم الاستقرار عبدالغني الككلي المعروف بـ"غنيوة."
وانطلقت المعارك منذ مساء الثلاثاء بعد أن قرر الدبيبة حل جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة التابع للمجلس الرئاسي، وهو القرار الذي رفضه الجهاز كما رفض رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي التصديق عليه. وجاء في المادة الأولى من القرار رقم 232 للعام 2025 بشأن "تعديل هيكلية وزارة الداخلية وتقرير بعض الأحكام" استحداث إدارة بالوزارة تحت اسم الإدارة العامة لمكافحة الجريمة المنظمة، لها الاختصاصات المنوطة بـ"جهاز الردع."
ونصت المادة الثانية على حل الجهاز "ونقل اختصاصاته إلى الإدارة المستحدثة، ونقل جميع أصولها الثابتة والمنقولة وجميع عناصرها الأمنية والإدارية إلى وزارة الداخلية." وأعربت أوساط مطلعة في العاصمة طرابلس عن خشيتها من أن يؤدي الهجوم على مواقع جهاز الردع والسجون التي يسيطر عليها إلى فرار المئات من إرهابيي داعش والقاعدة المقيمين داخل تلك السجون ومنها سجن معيتيقة.
◙ خطة الدبيبة للقضاء على جهاز الردع فشلت لأسباب عدة من بينها رفض عبدالرؤوف كارة الاستجابة لدعوة للاجتماع مع شخصيات محسوبة على حكومته
وقالت الأوساط إن جهاز الردع ورغم أنه ذو ميول سلفية، إلا أنه يحظى بحاضنة شعبية في طرابلس والمنطقة الغربية بسبب تمسكه بملاحقة الإرهابيين والمورطين في الجريمة المنظمة وتجار المخدرات وغيرهم وعدم تورطه في الشأن السياسي العام، ويتهمه الإخوان وتيار الإسلام السياسي ودار الإفتاء بأنه يمثل التيار المدخلي السلفي.
وما أن تم الهجوم على مقار جهاز الردع حتى انضم إلى مقاتليه عدد كبير من ميليشيات سوق الجمعة وتاجوراء ومن عناصر جهاز دعم الاستقرار الذي تم قتل قائدهم “غنيوة” مساء الاثنين، كما قررت ميليشيات من الزاوية وصرمان وورشفانة والجبل الغربي الالتحاق بمحاور القتال لدعم مقاتلي الدرع، وهو ما فسره مراقبون بأن ميليشيات غرب طرابلس أدركوا أنهم سيكونون هدفا لميليشيات مصراتة بعد القضاء على جهاز الردع.
وأعلن آمر جهاز الاستخبارات العسكرية في غرب البلاد محمود حمزة عن قرب انطلاق عملية عسكرية في العاصمة طرابلس، وأكد أن جميع الترتيبات جارية وأن الوضع الأمني تحت السيطرة الكاملة، فيما أكدت مصادر مطلعة أن رئيس أركان قوات حكومة الوحدة الفريق محمد الحداد نأى بنفسه عن المعركة رافضا التورط فيها وحسم الخلافات السياسية بقوة السلاح.
ونقلت تقارير إعلامية عن وكيل وزارة الدفاع عبدالسلام الزوبي أن المجتمع الدولي أعطى حكومة الدبيبة مهلة أسبوعين للقضاء على الأجهزة الأمنية الموازية، وهو ما ربطه محللون بزيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة حيث كانت له لقاءات مع عدد من المسؤولين الأميركيين بخصوص الأوضاع داخل ليبيا.
وأوضحت أوساط من داخل العاصمة طرابلس أن خطة الدبيبة للقضاء على جهاز الردع فشلت لأسباب عدة من بينها رفض عبدالرؤوف كارة الاستجابة لدعوة للاجتماع مع شخصيات محسوبة على حكومته وهو ما أطاح بإمكانية اغتياله، وانضمام مقاتلين من طرابلس ومدن مجاورة إلى قواته، كما أن الحديث عن تحرك كتائب من قوات المشير خليفة حفتر إلى غرب سرت دفع بميليشيات من مدينة مصراتة إلى العودة على عجل إلى مدينتها خوفا من هجوم تشنه قوات حفتر عليها.
وكان الدبيبة شدد على أن تكون جميع المعسكرات والمنشآت العسكرية في البلاد خاضعة حصرا لوزارة الدفاع والجيش الليبي واعتبر في اجتماعه مع وزير الداخلية عماد الطرابلسي ووكيل وزارة الدفاع عبدالسلام زوبي ومدير الاستخبارات العسكرية آمر اللواء 444 قتال محمود حمزة، أنه لا شرعية لأي كيان مسلح خارج هذا الإطار، مشيرا إلى أن الانضباط المؤسسي هو القاعدة التي لا يُستثنى منها أحد.
وقال الدبيبة في لقائه بالقيادات الأمنية بطرابلس عقب ليلة ساخنة في المدينة “زمن الأجهزة الأمنية الموازية قد ولّى ولا مكان في ليبيا إلا للمؤسسات النظامية من جيش وشرطة فقط.” كما اعتبر أن ما تحقق على هذا الطريق “يُعد إنجازًا حقيقيًا ومفصليًا أسهم في استعادة الثقة بالدولة رغم الإدراك أن العمل لا يزال يتطلب إرادة صلبة وحزمًا مستمرًا.“
ورأى مراقبون أن الدبيبة وحلفاءه عجزوا عن أن يجعلوا مصير كارة كمصير “غنيوة”، وأنه من الصعب أن يتم إقناع أي كان من أمراء الحرب بالوقوع في كمين جديد. وتساءل متابعون للشأن الليبي عن سبب التناقض بين الموقف والحقيقة على الأرض حيث أن الحكومة تعتمد في معركتها ضد خصومها على ميليشيات مسلحة وخارجة عن القانون، كما أن ما تعتبرها اليوم أجهزة أمنية موازية كانت تحصل إلى غاية الشهر الماضي على رواتبها من وزارة المالية.
وفي محاولة لاحتواء الوضع، أعلنت وزارة الدفاع بحكومة الوحدة، الأربعاء، بدء تنفيذ وقف لإطلاق النار في العاصمة عقب تجد الاشتباكات بين مجموعات مسلحة في مناطق متفرقة من طرابلس، وقالت إن وقف إطلاق النار “بدأ تنفيذه في جميع محاور التوتر داخل طرابلس،” في إطار الحرص على حماية المدنيين والحفاظ على مؤسسات الدولة ولتجنب المزيد من التصعيد، كما أكدت” إشرافها المباشر على التمركزات الحالية في محاور الاحتكاك بالعاصمة، محذرة من أيّ خرق،ونوهت إلى أنها ستعمل على “ضمان وحدة الصف وتشديد سلطة القانون،” مبينة أن “تفكيك مظاهر التسلح العشوائي ستظل أولوية ثابتة“.