حرب تيغراي جبهة مفتوحة على التصعيد والانتشار الإقليمي

يؤشر تمسّك قادة إقليم تيغراي الإثيوبي بمواصلة القتال ضد الحكومة الفيدرالية، التي تشن منذ أسبوعين حملة عسكرية على الإقليم المتمرد، على توسع نطاق المواجهة التي لا يستبعد مراقبون انخراط عرقيات إثيوبية أخرى فيها، فضلا عن احتمال امتدادها إلى دول الجوار بعد فشل جهود وساطة عدة لوأد النزاع.
أديس أبابا - رفض حكام إقليم تيغراي الإثيوبي المتمرد الاستسلام لقوات الحكومة الاتحادية الأربعاء بعد انتهاء المهلة الممنوحة للقوات المتمردة لإلقاء السلاح، وقالوا إنهم ينتصرون في الحرب التي قد يتوسع نطاقها لتشمل الدول المجاورة، ما يزعزع استقرار منطقة القرن الأفريقي الهش.
وقال حكام الإقليم في بيان عن الهجوم المستمر عليهم منذ أسبوعين “تيغراي هي الآن جحيم لأعدائها”. وأضاف البيان “شعب تيغراي لن يركع أبدا”.
وأعلنت حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد أيضا عن تحقيق انتصارات كبيرة. وأضافت أن قواتها تتقدم صوب ميكيلي عاصمة الإقليم وستعلن النصر قريبا، متجاهلة نداءات دولية لإجراء محادثات مع قادة الإقليم.
وأودى الصراع بحياة المئات، وربما الآلاف من الجانبين ودفع نحو 30 ألفا للفرار إلى السودان وأثار الشكوك حول سمعة آبي أحمد، أصغر زعماء أفريقيا سنا والحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2019 لإبرامه اتفاق سلام مع إريتريا.
وجيش إثيوبيا من أقوى الجيوش في أفريقيا لكن العديد من كبار الضباط من تيغراي. وتنتشر الكثير من أسلحته الثقيلة في الإقليم الذي كان على خط المواجهة في صراع استمر نحو 20 عاما مع إريتريا بعد حرب دارت رحاها بين 1998 و2000.
ويرى وليام دافيسون، كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، أن “الوضع في إثيوبيا من المحتمل أن يتصاعد إلى مستوى خطير”.
ويوضح دافيسون “قد نبحث عما إذا كانت الحرب الدائرة أهلية أم لا، لكن رغم أن الحكومة الفيدرالية تتمتع بمزايا وتطالب بالشرعية الوحيدة وتواجه كيانا آخر مسلحا جيدا لديه القدرة على مواجهتها، فالأمر يمكن أن ينزلق ليصبح أكثر خطورة”.
وبينما يخشى المجتمع الدولي أن يخرج الوضع عن نطاق السيطرة، شددت الحكومة الإثيوبية على أنها تقوم بعملية “محدودة لتطبيق القانون”، ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي تصنفها إثيوبيا تحت فئة “المجرمين”.
وقالت أديس أبابا، إن “أهدافها من العملية العسكرية هي استعادة أو تدمير الأسلحة الفتاكة، مثل الصواريخ بعيدة المدى، التي تمتلكها حاليا الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”. كما تسعى أديس أبابا إلى “تقديم الجبهة إلى العدالة والتأكد من أن منطقة تيغراي آمنة”.
واعتبر مسؤولون إثيوبيون، أن قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أظهرت الأسبوع الماضي قدرتها على إطلاق صواريخ صوب مدن ولاية أمهرا المجاورة في بحر دار وجوندار، كما أطلقت صاروخا استهدف مطارا في العاصمة الإريترية أسمرة.
ويأتي هذا، رغم أن زعيم إقليم تيغراي ديبريتصيون جبريمايكل، شدد في حوار هذا الأسبوع على أن “الجبهة لم تقصف سوى مدينة واحدة وهي أسمرة”.
وفي هذا الشأن، يقول دافيسون “قد تكون للنزاع تداعيات إقليمية مباشرة إذا تدخلت إريتريا، وبينما أغلق السودان حدوده بالفعل، لكنه يتأثر بتدفق اللاجئين، وقد ينزلق أكثر في الأزمة”.
وفي 11 نوفمبر الجاري، نفت إثيوبيا صحة ما أعلنته جبهة تيغراي من أن إريتريا أرسلت قوات عبر الحدود لدعم عمليات الجيش الإثيوبي في الإقليم.
وأجرى مبعوث الرئيس الإريتري يماني قبراب، ووزير الخارجية السوداني عثمان صالح، الأسبوع الماضي، مشاورات لاتخاذ موقف موحد بشأن الصراع في إثيوبيا.
ويضيف دافيسون “في حين أن الحكومة الفيدرالية ملتزمة بتقديم قادة جبهة تحرير تيغراي إلى العدالة لمهاجمتهم القيادة الشمالية للجيش، إلا أن استمرار الحوار لا يزال ضروريا، لأن البديل قد يكون ضارا للغاية”.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الولايات المتحدة الدولية بالعاصمة الكينية نيروبي أليكسي يلونين “أخشى أن يؤدي استمرار العملية العسكرية إلى احتمال توسع الصراع إلى مناطق أخرى”.
ويضيف يلونين “إذا انتشر الصراع، فهناك احتمال للمزيد من عدم الاستقرار، على الأقل في المناطق الحدودية غير المستقرة بالفعل في جنوب السودان وكينيا”.
وفي هذه الحالة، “قد تسعى بعض القوى الخارجية، مثل مصر إلى إيجاد طرق للمزيد من زعزعة استقرار الحكومة الإثيوبية”.
ويتابع “هذا السيناريو ليس مرجحا، لأن مصلحة معظم اللاعبين الدوليين في المنطقة، هي الاستفادة من العمل مع الحكومة الإثيوبية”.
ووفقا ليلونين “كان آبي أحمد، يرغب لفترة طويلة في إضعاف قبضة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، بشكل كبير، فخلال الأيام الأولى من العملية العسكرية كان القتال مكثفا وأدى إلى سقوط العديد من الضحايا”.
ويضيف “بينما أكدت الحكومة الإثيوبية أن عمليتها العسكرية هي حملة قصيرة لإخضاع القيادة الحالية لجبهة تحرير تيغراي، إلا أن هناك مخاوف من أن تستمر المواجهة وتتوسع لتشمل مناطق أخرى في إثيوبيا”.
ويحذر المراقبون من أن الصراع قد يجذب هذه البلدان ومعها واحدة من أكثر المواقع العسكرية الاستراتيجية في أفريقيا، حيث تمتلك العديد من القوى العالمية بما في ذلك الولايات المتحدة والصين قواعدها العسكرية الوحيدة في القارة في جيبوتي، كما أن الصومال معني بدرجة أقل إذا ما توسع نطاق المواجهات.
ويشير خبراء عسكريون أن لدى الحكومة الإثيوبية فرصة لتوجيه ضربة قاضية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وحتى إن لم يتم ذلك فإن إضعاف الجبهة بشكل كبير، حتى لو لم يتم القضاء عليها، يستلزم تعاونا أوثق مع الحكومة الإريترية، وتعزيز المشاريع المشتركة عبر الحدود.
وفي 17 نوفمبر الجاري، تعهد رئيس الوزراء الإثيوبي، بعملية عسكرية “نهائية وحاسمة” في الأيام المقبلة، ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
ويرى مراقبون أن تصاعد الصراع واستمراره قد يؤديان إلى احتمال أن تكثف الجماعات المسلحة الأخرى، مثل جبهة تحرير أورومو، أنشطتها ضد الحكومة الفيدرالية.
وتدعو الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى وقف إطلاق النار لكنّ دبلوماسيين ومسؤولين أمنيين يقولون إن رئيس الوزراء الإثيوبي مصمم على سحق قادة تيغراي ولا يقبل الوساطة.
وفي المقابل يقول خبراء إن إخضاع تيغراي ربما يكون عصيا على آبي أحمد نظرا للقوة العسكرية لتيغراي، حيث يقدّر عدد الجنود بنحو 250 ألفا.
ويؤكد هؤلاء أن من شأن أي حرب أن تكون “طويلة ودامية” في ثاني بلدان أفريقيا من حيث عدد السكان.
وقالت مجموعة الأزمات إن “هناك حاجة إلى وساطة فورية ومنسقة، محلية وإقليمية ودولية، لتجنّب الدخول في أزمة أوسع”.