حرب الصداقات

"يا صديقي" تبقى الأنقى والأبقى من كل صيغ المناداة المتعلقة بالتواصل الاجتماعي.
الثلاثاء 2023/08/01
خوض الحياة بلا أصدقاء ضرب من العدمية

هل كانت هناك صداقة قبل إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة عام 2011، يوم 30 يوليو من كل عام “يوما عالميا للصداقة”؟

هكذا خيل لي، ومن خلال هذا الكم الهائل من التهاني والاحتفاليات والصور والعناقات التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي.

انبرى كل واحد يعدد ويمجد فضائل الصداقة حتى ليظن المرء - أو المرأة - أن خوض الحياة بلا أصدقاء ضرب من العدمية.. وعلى كل من كان حظه عاثرا في إيجاد صديق أن يسارع لاقتناء واحد، حتى ولو كلفه ذلك المال والتعب ووجع الرأس والقدمين.

عجيب.. كيف كنا نعيش قبل قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكيف كنا نتدبر أمورنا مع الصديق واليتيم والمهاجر والمتوحد والمعلم والكفيف وباقي ذوي القرابات العائلية والخصوصيات الاجتماعية، وغير هؤلاء من الذين نلتقيهم كل يوم.. ولولا هذه الرزنامة التقويمية لمرّوا من حياتنا مرور الكرام.

دأبنا في تونس أن نتخاطب نحن والأشقاء الأفارقة بعبارة “يا صديقي” أي “مون أمي” للفرانكفونيين و”ماي فراند” للإنجلوفونيين، ومازلنا نقولها لبعض بمنتهى اللطف رغم ما أثير من لغط حول الأحداث الأخيرة المتعلقة بالمهاجرين من أفارقة جنوب الصحراء.

لم ننتظر اليوم العالمي للصداقة كي نتخاطب بهذه العبارة، وربما لأننا لم نجد أنسب منها كأجمل ما يمكن أن تكون عليه التحية بين الشعوب والأعراق والثقافات.

أما العبارات الأخرى في المناداة، فتتخللها بعض التحفظات وتعتريها عدة انزياحات تخص ثقافة المجتمع الذي تعيش فيه، على شاكلة “يا أخ” لدى التجمعات الإسلامية عادة أو “يا رفيق” في الأوساط الاشتراكية في العهد السوفييتي.

وتبقى صيغ المخاطبات الاجتماعية في الأمكنة العامة التي تأتي على منوال “يا سيد، يا أستاذ”، وحتى “يا زميل”، ميالة أكثر للحياد والاحترام المحايد، وذلك قبل أن تأخذ طابعا شعبيا على ألسنة العامة من نوع “يا فندم” في مصر، “يا أبوالشباب” في الشام، و”يا معلم ويا شيف” في تونس.

لكن التفرقة العمرية في المناداة تثير بعض الحساسيات، ويعتبرها كثيرون تجاوزات كان يمكن تفاديها، خصوصا في المجتمعات الإثنية المختلطة من قبيل “يا حاج” لمناداة متوسطي السن، وذلك على الرغم من كونها لدى الأوساط الريفية والبلدات المغلقة علامة على الاحترام وطلب الوجاهة.

وتبقى عبارة “يا صديقي” هي الأنقى والأبقى من كل صيغ المناداة المتعلقة بالتواصل الاجتماعي، ذلك أنها عابرة للحدود الأيديولوجية والعرقية والطائفية، وتخاطب من خلالها جميع الكائنات على وجه البسيطة، فهي تقال أيضا للحيوان والأشجار والغابات والبحار.

لن ننتظر 30 يوليو من كل عام كي نعلن صداقتنا و”نشنها” على بعضنا بعضا، كما لا يمكن توزيعها بالمجان كي نظل نشعر بقيمتها على الأقل.

أمر موحش أن تكون بلا أصدقاء، لكن الأوحش منه أن تكون بلا خصوم.. وتفتح ذراعيك حتى لشاخصات المرور.

18