حجب دفعة جديدة من المعونة الأميركية يثير صدمة مصر

عمليات الحجب المتتالية تطرح تكهنات بتوجه نحو تقليص المساعدات تدريجيا.
الخميس 2022/10/20
خطوة أميركية غير منتظرة

القاهرة - عادت ورقة المساعدات العسكرية الأميركية إلى مصر لتطفو على السطح من جديد بعد قرار واشنطن بحجب دفعة جديدة من المعونة السنوية بدوافع علنية ارتبطت بغياب الثقة الأميركية في تحسن الوضع الحقوقي في مصر، في وقت دارت فيه عجلة الإفراجات عن المعتقلين السياسيين بوتيرة سريعة في الأيام الماضية.

وطرح قرار الكونغرس الذي قضى بحجب 75 مليون دولار إضافية من المساعدات العسكرية تساؤلات حول المغزى الحقيقي للخطوة التي أصر عليها عضو ديمقراطي كبير في مجلس الشيوخ، لاسيما وأن الموقف جاء بعد أن أظهرت القاهرة مرونة في مسألة الإفراج عن المعتقلين، وصوتت في الأمم المتحدة لصالح قرار إدانة ضم روسيا لأربع مقاطعات أوكرانية.

وفهم بيان وزارة الخارجية المصرية الاثنين، المؤيد لموقف السعودية في “أوبك+”، على أنه رد سريع على قرار الكونغرس السريع بحجب جزء جديد من المساعدات.

وحجبت واشنطن في سبتمبر الماضي 130 مليون دولار من مساعداتها العسكرية السنوية لمصر البالغة 1.3 مليار دولار بسبب وضع حقوق الإنسان، وبذلك تبلغ قيمة الأموال المحجوبة 205 ملايين دولار من إجمالي 300 مليون دولار من المساعدات الموضوعة تحت تصرف الكونغرس الأميركي.

مصطفى كامل السيد: واشنطن غير راضية عن بطء الإفراجات عن سجناء الرأي
مصطفى كامل السيد: واشنطن غير راضية عن بطء الإفراجات عن سجناء الرأي

ورفض السناتور باتريك ليهي رئيس لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ تقييما عرضته وزارة الخارجية الأميركية لتبرير المساعدة التي كانت تخضع لشروط بموجب قانون أقره الكونغرس العام الماضي، إذ تتمتع لجنته بسلطة قضائية على تشريعات الإنفاق بما في ذلك المساعدة المالية الأميركية لمصر.

وقال ليهي في بيان له نشر الاثنين، “يجب أن نأخذ هذا القانون على محمل الجد لأن الوضع الذي يواجه السجناء السياسيين في مصر مؤسف”، مضيفا “لا يمكننا تغيير القانون بسبب اعتبارات سياسية أخرى. نتحمل جميعا مسؤولية احترام القانون والدفاع عن حقوق المحاكمة العادلة للمتهمين سواء هنا أو في مصر”.

وتلزم الشروط التي وضعها الكونغرس القاهرة بإحراز تقدم واضح ومستمر في إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتوفير الإجراءات القانونية الواجبة للمحتجزين.

ومضت القاهرة بشكل إيجابي في تحسين أوضاعها الحقوقية خلال الأسابيع الماضية، وكان يستوجب ذلك الإفراج عن الدفعة الجديدة التي قالت الولايات المتحدة من قبل إنها ستمررها للقاهرة لارتباطها بتحسن مناخ الاحتجازات السياسية والإجراءات القانونية الواجبة، بما في ذلك الإفراج عن نحو 500 من المعتقلين السياسيين هذا العام.

ولم تقم الإدارة الأميركية السابقة في عهد الرئيس دونالد ترامب بحجب أي أموال من المعونة في وقت لم تكن القاهرة قد اتخذت فيه إجراءات إيجابية وإصلاحية.

وقال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة مصطفى كامل السيد إن مواقف مصر من الصراع الجاري في أوكرانيا لا تتوافق مع الموقف الأميركي، لأن القاهرة رفضت فرض عقوبات على روسيا، وأصدرت تفسيرات متتالية لمواقفها التي لا تدعم رؤية الغرب بشأن الأزمة، وأظهرت رغبتها في أن تكون أكثر قربًا من موسكو بتأكيداتها المستمرة على ضرورة تسوية الأزمة سلميًا.

وأضاف في تصريح لـ“العرب” أن مصر تحتفظ بعلاقات طيبة مع روسيا، بغض النظر عما يحصل من تطورات، وهو أمر لا يريح الإدارة الأميركية التي تريد من القاهرة أن تتبنى مواقف متطابقة معها.

وأشار السيد، وهو المقرر العام المساعد للمحور السياسي في الحوار الوطني، إلى أن واشنطن ربما لا تكون مستريحة لبطء الإفراجات الحالية عن سجناء الرأي، ولديها قائمة بعدد من المحبوسين لم يتم إطلاق سراحهم، إذ اقتصرت غالبية قرارات العفو على شخصيات غير معروفة، وهي مسألة محل تقدير لكن ذلك لا ينفي وجود آخرين لم يمارسوا عنفا ومن المهم الإفراج عنهم.

وحضرت قضية حقوق الإنسان في النقاشات الأخيرة التي أجرتها مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف مع رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر مشيرة خطاب، على هامش زيارتها إلى القاهرة مؤخرا، التقت فيها مجموعة من كبار المسؤولين والممثلين عن المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني.

وتستهدف إدارة الرئيس جو بايدن المزيد من توجيه المعونة العسكرية بما يحقق مصالحها السياسية، لأنها تسمح بإمداد مصر بأسلحة ومعدات عسكرية بصفقات هائلة، لكنها في الوقت ذاته تريد استخدام المعونة كوسيلة رمزية للضغط.

العلاقات الروسية المصرية تزعج الإدارة الأميركية
العلاقات الروسية المصرية تزعج الإدارة الأميركية

وتحقق أكثر من هذا عبر هذا التوجه لأنها تعزز من تقديم الأسلحة الدفاعية التي تساعد القاهرة على مكافحة الإرهاب، في ظل رؤيتها أن القاهرة قد توظف أموال المعونة للحصول على أسلحة هجومية، وتقول إنها ليست في حاجة إليها، وتحصل عليها من دول أخرى تنافس الولايات المتحدة في مبيعات السلاح.

كما أن استخدام سلاح الحجب يجعل هناك مبررات مستمرة للضغط على القاهرة في المجال الحقوقي، ودفعها نحو توسيع الإصلاحات بما يتماشى مع الشعارات التي يرفعها بايدن للتأكيد على تحقيق أهدافه التي أعلنها مع توليه الرئاسة.

وأوضح الخبير الأمني اللواء حمدي بخيت أن إشهار ورقة المساعدات العسكرية يهدف إلى تقليصها بشكل تدريجي، كما هو الحال بالنسبة إلى المعونة الاقتصادية التي كانت تقدر بـ950 مليون دولار، والتي بدأت بحجب 10 في المئة من قيمتها واستمر ذلك طوال فترة وجود الديمقراطيين في الحكم خلال حقب مختلفة، إلى أن توقفت بشكل كامل.

وذكر بخيت في تصريح لـ“العرب” أن نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك تعرض لضغوط مشابهة لما يحدث الآن، وأثبتت التجربة أنه كلما قدمت مصر إصلاحات سياسية وحقوقية تزايدت الضغوط الأميركية، مشيرا إلى أن القاهرة لديها أدوات عديدة للرد على الإجراءات الأميركية، لكن ثمة قناعة بأن التوجه الأميركي يصب في صالح المزيد من القرارات المصرية التي سوف تمضي باتجاه وقف التسهيلات المتعلقة برسوم المرور عبر الموانئ وهبوط الطائرات الأميركية في المطارات المصرية للصيانة.

حمدي بخيت: إشهار ورقة المساعدات العسكرية يهدف إلى تقليصها
حمدي بخيت: إشهار ورقة المساعدات العسكرية يهدف إلى تقليصها

وتكمن حساسية قرار مجلس الشيوخ الأخير في كونه جاء قبل أيام من انطلاق قمة المناخ “كوب 27” ومن المقرر أن يحضرها عدد كبير من زعماء العالم، وتحاول منظمات حقوقية ومعارضون وجماعة الإخوان توظيف المناسبة لإحراج القاهرة عبر الدعوة إلى تظاهرات تزامنًا مع انطلاق القمة، ما يجعل هناك قناعة بأن الهوة تتسع بين القاهرة وواشنطن.

وينظر معارضون إلى قرارات الحجب الأخيرة على أنها تشكل إدراكاً من المجتمع الدولي بأن الإصلاحات السياسية تواجه عراقيل في مصر، والتضييق على المنظمات الحقوقية واستمرار قضايا محاكمة الحقوقيين بشأن التمويل الأجنبي يُحدثان أصداء خارجية تنقلها منظمات حقوق إنسان دولية تتوتر علاقاتها مع القاهرة.

وأكد رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان بجنيف أيمن نصري أن الإجراءات الأميركية لا تتماشى مع التطورات التي أحدثتها مصر في الملفين الحقوقي والسياسي، والإصرار على حجب أموال كان من المزمع الإفراج عنها نتيجة تحسن حالة حقوق الإنسان يبرهن على أن واشنطن تُصر على استخدام الورقة سياسيًا ضد القاهرة في ظل تقاربها مع موسكو.

وتوقع في تصريح لـ“العرب” أن تلجأ الولايات المتحدة إلى إثارة قضايا حقوقية في عدة دول عربية جراء مواقفها من الحرب الأوكرانية أو إجراءاتها الخاصة باستقلالية القرار السياسي والعمل على تحقيق المصالح القومية أولاً، والملف سيتم إخراجه من أدراج الإدارة الأميركية التي عولت على مواقف عربية أكثر مساندة لها.

وشدد على أن قرارات واشنطن في هذا الاتجاه لن يكون لها تأثير كبير على مواقف المجتمع الدولي من القاهرة بعد الثقة التي منحتها الأمم المتحدة لتنظيم قمة المناخ في شرم الشيخ، وأن المواقف الأميركية الأخيرة تدخل في إطار المناوشات السياسية.

2