حالات الإفراج عن محتجزين تحرك المطالب لحل ملف المعتقلين في ليبيا

تزامن عيد الفطر بالإفراج عن عدد من المحتجزين قسريا والمعتقلين تعسفيا في ليبيا بعد حملة واسعة قادتها بعثة الأمم المتحدة للدعم والمنظمات الحقوقية، غير أن الكثيرين لا يزالون مغيبين في السجون، وسط دعوات لإيجاد حل لهذا الملف المعقد في ظل استعماله وسيلة لتصفية الحسابات السياسية بين مختلف الأطراف.
ورحب مجلس النواب بإطلاق سراح النائب حسن جاب الله بعد أكثر من عامين من احتجازه في غرب البلاد، واعتبره خطوة إيجابية في إطار دعم سيادة القانون وإدراك الجميع ضرورة احترام استقلالية القضاء وحياديته وعدم إدخاله في أي صراع سياسي، مؤكدا أن حقوق الإنسان والحريات العامة هي مبادئ أساسية تكفلها الشريعة الإسلامية والقانون والعرف، ودعا الجميع إلى احترام ذلك والالتزام به.
كما أعرب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي عن ارتياحه للإفراج عن النائب جاب الله الذي كان قد اعتُقل من قبل جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في 27 فبراير 2023 بمدينة طرابلس، ورغم صدور قرار من النائب العام بالإفراج عنه دون قيد أو شرط، إلا أن الجهاز لم يستجب للأمر، وأحاله إلى القضاء العسكري، على الرغم من تمتعه بالحصانة البرلمانية.
وبحسب أوساط مطلعة، فإن الإفراج عن جاب الله جاء بعد ضغوط مارستها أطراف داخلية وخارجية وجهود بذلتها قبيلة ترهونة خلال الأسابيع الماضية .
وأوضحت رئيسة البعثة الأممية حنّا تيتيه أن لقاءاتها مع الليبيين من مختلف أنحاء البلاد سلطت الضوء على المخاوف المتزايدة بشأن الجمود السياسي والصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الكثيرون. ودعت في رسالة تهنئة بمناسبة عيد الفطر، نشرتها البعثة، القادة السياسيين والمؤسسات والسلطات إلى العمل بجد واستلهام روح العيد من أجل تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في البلاد.
الإفراج عن جاب الله جاء بعد ضغوط مارستها أطراف داخلية وخارجية وجهود بذلتها قبيلة ترهونة خلال الأسابيع الماضية
ولفتت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، بحسب منشور لرئيسها نيكولا أورلاندو عبر حسابه على موقع إكس، إلى أنها تشارك بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قلقها العميق إزاء التقارير المقلقة عن حالات الإخفاء القسري، بما في ذلك حالة محمد القماطي، مشيرة إلى أن “صون حقوق الإنسان الأساسية وسيادة القانون مسؤوليتان جوهريتان تقعان على عاتق أي دولة.” كما حثّت جميع المؤسسات المعنية على التحقيق السريع في اختفاء القماطي، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان إطلاق سراحه فورًا.
ورحبت البعثة الأممية بالإفراج أخيرا عن عدد من المحتجزين، من بينهم معتقلون تعسفيا في مختلف أنحاء ليبيا، مضيفة أن مئات الأشخاص لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، وداعية إلى الإفراج الفوري عنهم.
والسبت الماضي أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة أنه “لا يجوز في دولة تحترم نفسها أن يحتجز فيها أي شخص خارج المسار القضائي، أو دون إجراءات واضحة من النائب العام والقضاء،” وقال لدى حضوره إعلان بيان دار الإفتاء التابعة لحكومته في طرابلس، إن “هذا مبدأ لا مساومة فيه شرقاً وغرباً وجنوبا،” مردفا أن “العدل هو أساس الحكم، والكرامة الإنسانية لا تتجزأ ولا تؤجل ولا تخضع لأي حسابات أو مساومات.”
غير أن تصريحات الدبيبة تفتقر إلى الإجراءات الواقعية والتحرك الفعال لإيجاد حل لهذه القضية خصوصا أن الكثير من حالات الاختطاف والاعتقال تتم في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومته.
والأربعاء الماضي أعلن الناشط السياسي المدون حسام القماطي أن شقيقه محمد الذي يشتغل كمهندس نفطي اعتقل في العاصمة طرابلس بواسطة جهة أمنية دون أسباب واضحة لاعتقاله.
ونقلت تقارير من العاصمة طرابلس عن عائلة الإعلامي الليبي أشرف الشريف أنه تم خطفه مجددا الاثنين على يد مسلحين مجهولين بعد ساعات من إطلاقه، ثم تم الإعلان عن الإفراج عنه من جديد دون توضيح الأسباب.
وبحسب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، فإن موجة من الاحتجازات والتوقيفات التعسفية نفذتها أجهزة إنفاذ القانون وأطراف أمنية في عموم ليبيا “أثارت ذعر البعثة.”
وقالت إن “هذه الأطراف تستغل سلطة الاحتجاز والتوقيف المناطة بها لاستهداف أفرادٍ على ضوء انتماءاتهم السياسية المزعومة وتكميم أفواه كل من ينظر إليه كمعارض وتقويض استقلال القضاء،” منوهة بأن “هذه الممارسات غير القانونية تتسبب في خلق مناخ من الخوف وتحجيم الحيز المدني وتهالك سيادة القانون.”
تصريحات الدبيبة تفتقر إلى الإجراءات الفعالة، خصوصا أن الكثير من حالات الاختطاف تتم في مناطق سيطرته
ودعت منظمة “مراسلون بلا حدود” إلى الإفراج الفوري عن الصحافي صالحين الزروالي المحتجز منذ مايو 2024، وقالت إنه مثل أمام محكمة عسكرية في بنغازي لأول مرة في 13 مارس 2025، وذلك بعد تأجيل محاكمته، مطالبة بوضع حد لهذه المحاكمة الغامضة وغير العادلة، وأضافت أن محاميه لم يتمكنوا من الاطلاع على ملف القضية إلا بشكل محدود، مشيرة إلى أن الزروالي يُحاكم بتهمة نشر تقارير لصالح وسائل إعلام تعتبرها السلطات معادية، رغم إسقاط المدعي العام العسكري عدة تهم، مثل حيازة أسلحة والانتماء إلى جماعات إرهابية.
وكان قد تم اعتقال الزروالي في 15 مايو 2024، إذ اعترضته سيارة مدنية تابعة لقوات الأمن في أجدابيا، بينما كان يستقل سيارته مع ابنه البالغ من العمر تسع سنوات، حيث اعتدى عليه ملثمون جسديًا أمام طفله قبل اقتياده إلى مركز احتجاز في أجدابيا، وبعد أيام قليلة نُقل إلى بنغازي حيث يحتجز حاليا في سجن عسكري.
بالمقابل أعلن المجلس الأعلى للتصوف الإسلامي في ليبيا الأحد الإفراج عن شيخ الطريقة القادرية في البلاد مفتاح البيجو بعد اعتقال تعسفي ومعاناة طويلة، حسب بيان له.
وجدد المجلس في البيان مطالبته بالإسراع في إنهاء معاناة بقية الشيوخ والدعاة الذين لا يزالون قابعين في السجون. وكان البيجو تعرض لاعتقال من زاويته في منطقة بوعطني ببنغازي على يد مجموعة عسكرية في فبراير 2024، وذلك في ظل اتساع دائرة التضييق على الجماعات الصوفية نتيجة سيطرة التيارات السلفية المتشددة على مفاصل السلطة في شرق البلاد مقابل دعمها لقيادة الجيش الوطني والسلطات المنبثقة عنها والموالية لها.
من جهتها دعت منظمة “محامون من أجل العدالة في ليبيا” و”اللجنة الدولية للحقوقيين” كلا من مجلس حقوق الإنسان الدولي والبعثة الأممية إلى التحرك العاجل لإنشاء ولاية لتحقيق المساءلة وأخرى لرصد انتهاكات حقوق الإنسان والإبلاغ عنها. وشددتا في ورقة مشتركة على ضرورة تقديم المساعدة التقنية للسلطات الليبية وبناء القدرات لتمكينها من متابعة عمل بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، التي أنشأها المجلس في يونيو 2020 من أجل التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها جميع الأطراف منذ بداية العام 2016، مشيرتين إلى استمرار وتفاقم الانتهاكات الحقوقية في ليبيا بعد مرور سنتين على انتهاء ولاية البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا.
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللجنة الدولية للحقوقيين سعيد بنعربية إن السلطات الليبية تفتقر إلى الإرادة السياسية الضرورية لضمان المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان التي شهدتها البلاد في الماضي ولا تزال مستمرة اليوم.
تقارير من طرابلس نقلت عن عائلة الإعلامي الليبي أشرف الشريف أنه تم خطفه مجددا الاثنين على يد مسلحين مجهولين بعد ساعات من إطلاقه
وأضاف “من دون اتخاذ إجراءات عاجلة، ستبقى ظاهرة الإفلات من العقاب مستشرية في البلاد، الأمر الذي يزيد من تفاقم حالة حقوق الإنسان المتردية أصلاً، ويحرم الضحايا من إمكانية الوصول إلى العدالة والحصول على سبل الإنصاف الفعالة. لذلك، من الضروري أن يجرى إنشاء آلية متابعة من أجل سد فجوة المساءلة في ليبيا.”
وأكد بنعربية أن حالة حقوق الإنسان في ليبيا لا تزال تتدهور “في وقت تواجه فيه مجموعات النساء والمدافعين عن حقوق الإنسان، كما الناشطين والصحافيين والمهاجرين واللاجئين والمجتمع المدني ككل، حملة قمع منهجية.”
وشدد على أن المساءلة عن الجرائم بموجب القانون الدولي لا تزال بعيدة المنال ولم تتحقق بعد، لافتا إلى انعدام الاستقرار الأمني، ومواجهة المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تحديات كبيرة في الوصول المحدود إلى المواقع الرئيسية في ليبيا، فضلا عن المخاوف الأمنية بالنسبة إلى موظفي الأمم المتحدة، وغياب التعاون الفعلي من قبل السلطات الليبية بما يستدعي إنشاء ولاية دولية قوية من شأنها أن تكسر هذه الحلقة المفرغة من الجمود.
وأعربت تنسيقية الأحزاب والتكتلات السياسية عن قلقها العميق واستنكارها الشديد لتزايد جرائم الاختطاف والاحتجاز القسري في ليبيا، معتبرة أن هذه الممارسات الإجرامية أصبحت وسيلة ممنهجة لإسكات الأصوات الحرة، في انتهاك صارخ للقيم الإنسانية والمبادئ القانونية.
وأدانت التنسيقية في بيان عمليات الاختطاف التي طالت عددا من المواطنين، من بينهم محمد القماطي ومفتاح مسعود سعد مسعود، والمحامي محمد التومي، الذين تم اقتيادهم إلى جهات مجهولة دون أي مسوغ قانوني.
وطالبت بالإفراج الفوري عنهم وضمان سلامتهم وعودتهم الآمنة إلى عائلاتهم، محذرةً من أن أي تأخير في هذا الأمر يُعد استمرارا لسياسة القمع وانتهاكاً للحقوق المكفولة محليًا ودوليًا.
وأكد البيان أن هذه الجرائم لا تهدد الأفراد فحسب، بل تمثل اعتداء خطيرا على الأمن المجتمعي، وسيادة القانون والمسار الديمقراطي، محذرا من أن إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب يرسّخ مناخ الإفلات من العدالة ويؤسس لواقع تحكمه شريعة الغاب بدلاً من دولة المؤسسات والقانون.
وطالبت التنسيقية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطفين، والكشف عن مصير المحتجزين قسرا، ومحاسبة الجهات المتورطة وفق الأطر القانونية الوطنية والدولية، باعتبار أن هذه الانتهاكات جرائم لا تسقط بالتقادم، وتعزيز سيادة القانون ووقف جميع الممارسات التي تنتهك حقوق الأفراد وحرياتهم، كشرط أساسي لتحقيق الاستقرار السياسي والمجتمعي.