حادث تصادم قطارين يلقي بالشكوك حول جدوى تطوير قطاع النقل في مصر

القاهرة – يثير استمرار حوادث القطارات في مصر تساؤلات عديدة حول جدوى خطط تطوير قطاع النقل، وفي القلب منه منظومة السكك الحديد التي حظيت باهتمام واسع مع تخصيص ملايين الدولارات لإصلاحها ووقف السخط المجتمعي جراء الأخطاء التي يروح ضحيتها مئات المصريين سنويّا، وباتت الحكومة في مرمى الانتقادات الحادة نتيجة إخفاقها في تحسين جودة هذا المرفق.
وأعاد حادث تصادم قطارين في محافظة الشرقية (شمال القاهرة) مساء السبت، أسفر عن وفاة ثلاثة أشخاص وإصابة العشرات، اتهام الحكومة بالتقصير في تطوير هذا القطاع.
ولم تعف تصريحات نائب رئيس الوزراء، وزير النقل والصناعة المصري، الفريق كامل الوزير، التي أرجع فيها الحادث الأخير إلى العنصر البشري، الحكومة من المسؤولية لأن موازنات تدريب الكوادر البشرية وتطوير نظم الإشارات وتحديث عربات القطارات كان من المفترض أن تقود إلى تغير ملحوظ في منظومة السكك الحديد، والتي مازالت تعاني من نفس المشكلات القديمة بسبب العمل بالأنظمة اليدوية وعدم قدرة الإدارة على مراقبة السائقين وغياب تطوير مسارات القطارات التي تعاني من التهالك على الخطوط الفرعية، وغالبا ما تشهد حوادث متكررة.
لكن مراقبين يرون أن ربط حوادث القطارات بالتقادم بات أمرا غير مقبول، لأن أغلب القطارات في العالم تعمل منذ مئات السنين، وتسير عدة دول عشرات الآلاف من الرحلات يوميا، لافتين إلى أن المشكلة في مصر وعدة دول في العالم العربي تكمن في مقاييس الأمان وتدنّي الشعور بالمسؤولية.
ويبرهن وقوع الحوادث، مع إعلان وزارة النقل إنفاق 225 مليار جنيه مصري (الدولار = 48 جنيها) خلال السنوات العشر الماضية، على وجود أخطاء وقعت فيها الحكومة الحالية والحكومات السابقة، تسببت في تكرر وقوع الحوادث الكبيرة، وأن الإرادة السياسية لإصلاح تلك المنظومة لم يتم توظيفها بالشكل الإيجابي بسبب الاعتماد على جهات أخفقت في المهمة ذاتها من قبل.
ولم تستجب الحكومة المصرية للعديد من المطالب التي ذهبت باتجاه الاستعانة بالخبرات الأجنبية لتطوير مرفق السكك الحديد ومنحها إدارة القطاع، على أن تكون شريكة بنسبة ضئيلة تضمن عدم قطع صلات الحكومة بالمرفق الحيوي.
وتشهد مصر حوادث قطارات مأساوية. وبالرغم من أن الحكومة تعلن بين الحين والآخر نتائج ما حققته خطط التطوير ظلت حالة الرضاء الشعبي غائبة، مع توالي ارتفاع أسعار تذاكر القطارات، وكان آخر ذلك الشهر الماضي بنسبة 33 في المئة. وانتهت وزارة النقل من تطوير نصف المزلقانات التي يصل عددها إلى 1120، وتجديد مسافات السكك بإجمالي 1344 كيلومترا، والانتهاء من تطوير 300 محطة.
وقال خبير الإدارة المحلية الحسين حسان إن أسباب حوادث القطارات عديدة، أبرزها العنصر البشري غير المدرب بصورة جيدة، وعدم الاهتمام بحالة القطارات التي يتم توجيهها للسير على الخطوط الفرعية بين المراكز والنجوع والمحافظات الصغيرة وليس الخطوط الرئيسية التي شهدت تطويرا في العربات والقطارات التي تسير عليها، والخطوط الفرعية تظهر فيها مشكلات غياب الصيانة والإهمال، ما يجعلها تشهد الجزء الأكبر من الحوادث.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “مسارات السكك الحديد لم تتغير منذ تأسيسها قبل 140 عاما تقريبا، ما يؤدي إلى تأثر جودة الأرض أو ما يسمى بجودة التربة التي تؤدي إلى اهتزازات تؤثر على حركة القطارات. وقد تلقت الحكومات المتعاقبة اقتراحات بشأن استحداث طرق سكك حديد جديدة، لكن لم تتم الاستجابة لها، ولجأت وزارة النقل إلى الاستعانة بشركات خاصة تعمل تحت إدارتها لتطوير المنظومة”.
وأشار إلى أن تحميل العنصر البشري وحده المسؤولية ليس في محله لأن هناك أسبابا أخرى قادت إلى وقوع الخطأ، من بينها عدم تطوير نظام التحويلات الإلكترونية على خطوط السكك الحديد لارتفاع كلفتها، وغياب الإشراف الإداري على السائقين، وهذا أمر يتعلق بنظام سير العمل داخل الوزارة، وعدم فاعلية التدريبات التي تقوم بها، لأنها تتم شكليا أو لعدم اقتناع السائقين بها، وباتت خصخصة مرفق السكة الحديد السبيل الوحيد للتطوير بعد أن رفضت الحكومة العديد من العروض منذ ثمانينات القرن الماضي.
وتواجه الحكومة المصرية انتقادات نتيجة توسعها في الاقتراض الخارجي بهدف تطوير منظومة النقل، مثل المنورويل والقطار الكهربائي، بينما يرى خبراء أن تحديث البنية التحتية لوسائل النقل التي يتوافد عليها الملايين من المواطنين سنويا أولى من تدشين وسائل نقل جديدة تواجه مشكلات في التمويل.
وشددت مها عبدالناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، على أن عدم اكتمال تطوير منظومة النقل قاد إلى تكرار وقوع حوادث القطارات، وأن الوصول إلى الميكنة الكاملة لكافة الإشارات لم يحدث بعد دون أن يعرف أحد أسباب ذلك، على الرغم من توفير كافة الإمكانيات المتاحة، وهو ما يشير إلى وجود مشكلات في أولويات الحكومة.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “الحادث الأخير لا ينفي وجود تحسن في منظومة القطارات ومترو الأنفاق والطرق والكباري والجسور، غير أن تكرار حوادث تخلصت منها الكثير من الدول يشكك في جدوى التطوير. والتدريب لا يحظى باهتمام كبير لدى وزارة النقل، وبالتالي تتكرر الحوادث، وأصبحت وزارة النقل مطالبة بأن توضح أسباب تعثر تطوير منظومة السكك الحديد بالكامل حتى الآن”.
وقدم عضو مجلس النواب فريد البياضي سؤالا برلمانيا إلى وزير النقل وحمّله المسؤولية السياسية عن وقوعه، وتساءل عن مصير ملف القروض التي حصلت عليها وزارة النقل في الآونة الأخيرة، بغرض تطوير السكك الحديد لتقليل معدلات الحوادث، قائلاً “أين تذهب التريليونات التي يقترضها وزير النقل بداعي إنفاقها على تطوير منظومة النقل؟ هل قطارات الغلابة (البسطاء) مستثناة من التطوير أم أن الحكومة لديها أولويات مختلفة؟”.