حادث البرج

الحادث، أي حادث، بحد ذاته مسألة تحتاج النظر، سواء كان حادث سير أو قضية كبرى أو حربًا أو نزاعًا منزليًّا، لا فرق كبير بين هذه الحالات. والحادث في الفيزياء يقع عندما تنقطع لغة التواصل، كإشارة المرور في الطريق. فإما أن يكون صدفة أو ضرورة حسب الفلاسفة.
وإن كان قد وقع صدفة، فهذا يعني حصول طفرة ما في سياق الزمن أدّت إلى التصادم، العاطفي المعدني أو السياسي والاقتصادي كما يجري في العالم اليوم الذي يريد أن يولّد تعددية قطبية من لا شيء.
أمّا لو وقع الحادث وفقًا للضرورة، فهذا يدلّل على أن سلسلة طويلة من المقدّمات قادت إليه. ولو بقينا في نفس المثال العالمي، فإن حاجات الكوكب وسكّانه باتت فوق طاقة الخطط الإستراتيجية الموضوعة لإدارته من قبل القطب الأميركي، فحصلت تراكمات أفضت إلى حرب روسيا – أوكرانيا وبروز الصين كمعادل موضوعي، وتنامي رغبة العرب في التخلص من النفاق الغربي، وازدياد شيخوخة القارة الأوروبية، بعد عجز الأميركيين عن بيع الأوهام إلى ما لا نهاية.
إلا أن حوادث تقع أحيانًا لا يمكن تفسيرها بالصدفة وبالضرورة، ولا يحكمها منطق.
من ذلك ما وقع لصديق لي، هذه الأيام، عُرف باستقامته وهدوئه، اشترى سيارة حمراء حديثة، وأخذ يعتني بها وكأنها جوهرة.
وفي يوم من الأيام ركن محبوبته القرمزية وذهب إلى عمله، فاتصلت به الشرطة بعد ساعة، وقالت له “يجب أن تحضر على الفور إلى المكان الفلاني وتستلم ما تبقى من سيارتك، فقد تحطّمت تماما”. صُعق الرجل وهرع إلى المكان واثقًا من نفسه، ومن أن السيارة التي يتحدثون عنها هي غير سيارته بالتأكيد. لكنه فوجئ بالفرس الحمراء وهي مكوّرة على نفسها.
قال له الشرطي “كان راجو عامل نظافة هنديًّا طيبًا”.
من راجو؟
ولكنه كان مشتاقاً لأطفاله.
أطفال من؟
أطفال راجو الذين لم يرهم منذ سنين.
ما علاقتي براجو هذا؟
راجو هو السبب.
راجو صدم سيارتي بشاحنة النظافة الضخمة؟
لا. راجو ألقى بنفسه من أعلى البرج السكني الذي أوقفت سيارتك تحته.
راجو انتحر!
نعم للأسف.
ولم يجد غير سيارتي ينتحر فوقها؟
هذا ما حصل. وعليك الآن أن تصلح سيارتك بنفسك، لأنه لا يوجد بند في التأمين ينصّ على ضرر المنتحرين.
سوف أدفع أنا لإصلاحها؟
نعم وسيكون عليك أن ترسل حوالة لأهل راجو تعويضاً عن موته. هذا ما يفرضه عليك القانون. فقد مات راجو بسببك.
وهذا ما حصل. كيف يمكنك أن تفسّر مثل هذا الحادث؟ صدفة أم ضرورة؟ أم أن راجو الماكر اختار تلك السيارة الفارهة عن عمد في مخطط إستراتيجي خاص به هو الآخر؟