جيوش صناع المحتوى في مرمى الضرائب المصرية

فرض الضرائب صعب التطبيق على صناعة المحتوى الرقمي دون نظام مؤسسي يضبطها.
الخميس 2024/11/07
"الإلزام" عنوان القرارات

يثير قرار الحكومة المصرية إلزام صناع المحتوى الرقمي ببيانات حول تكاليف الإنتاج جدلا واسعا في مصر، فرغم أن الخطوة متبعة في العديد من دول العالم إلا أن تطبيقها صعب في مصر لأن هذه المهنة تغيب عنها الاحترافية.

القاهرة - أحدث قرار مصلحة الضرائب المصرية بإلزام “البلوغرز” و”اليوتيوبرز” بإثبات التكاليف التي تتعلق بالتعاون مع مزاولي العمل الحر من الذين يشاركونهم في إعداد فيديوهات، جدلا واستياء بين صناع المحتوى، في ظل صعوبة تطبيق القرار الذي يرتبط بآلاف العاملين في تصميم الفيديوهات ومراجعتها وتجهيزها للبث دون أن يكون لدى هؤلاء وعاء لإثبات حجم التعاملات معهم، وسط توقعات أن ينعكس ذلك سلبا على مضمون المحتوى الرقمي الذي يبث من مصر.

وقالت مصلحة الضرائب المصرية الاثنين إن مزاولي أنشطة صناعة المحتوى يلتزمون بإثبات كافة التكاليف والمصروفات التي تتعلق بالنشاط مع مزاولي العمل الحر، وتتعلق تلك التكاليف بالأتعاب المهنية التي يتقاضاها مزاولو العمل الحر من تصميم وتعديل فيديوهات وصوتيات وكتابة وإخراج المحتوى المُقدم.

وسوف تُخصص مصلحة الضرائب لكل ممول أو مكلف رقم تسجيل ضريبي موحدا، لجميع أنواع الضرائب الخاضع لها، وتلتزم كل من المصلحة والممول أو المكلف والجهات والمنشآت الأخرى باستخدامه في جميع التعاملات، ويتم إثباته على جميع الإخطارات والسجلات والمستندات والفواتير وأي مكاتبات أخرى.

ويتفق العديد من صناع المحتوى على أن هذه الخطوات غير قابلة للتطبيق، لأن أغلبهم يعملون بشكل تغيب عنه الصفة الاحترافية، ومزاولي العمل الحر ليس لهم مكاتب أو تعاملات ضريبية يمكن أن تساهم في حساب تكاليف إنتاج الفيديو، ومنهم من يعمل في مهن أخرى، ومشاركتهم في صناعة المحتوى الرقمي عمل إضافي.

وتبدو القرارات الأخيرة حلقة ضمن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ ثلاث سنوات، وهدفت منها إلى الاستفادة من العوائد المالية لصناع المحتوى عبر إخضاعهم للضرائب وفقا لشرائح محددة، إذ أعقب ذلك إخضاع الإعلانات المعروضة على فيسبوك ويوتيوب لضريبة القيمة المضافة.

وقال محمد عادل عجمي، وهو خبير اقتصادي ومقدم برنامج “صباح البنوك” على موقع يوتيوب، إن صانع القرار الحكومي ينفصل عن حقيقة صناعة المحتويات الرقمية، وما يحدث في الواقع يشير إلى أن فئات شبابية تبدأ بث فيديوهاتها على موقع يوتيوب بإمكانيات بسيطة وبالتعاون مع هواة لديهم القدرة على القيام بتجهيز المحتوى في شكله الأخير قبل النشر ولا يقدرون على إثبات مصروفاتهم.

محمد عادل عجمي: صانع القرار الحكومي ينفصل عن حقيقة صناعة المحتوى الرقمي
محمد عادل عجمي: صانع القرار الحكومي ينفصل عن حقيقة صناعة المحتوى الرقمي

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “قرار الضرائب يجعل هناك حاجة إلى قيام أصحاب القنوات على يوتيوب بفتح مكاتب مرخصة وتعيين موظفين لديهم وإثبات ما يحصلون عليه من رواتب ضمن تكاليف الإنتاج إلى جانب ضرورة التأمين عليه بما يساعد في استخراج الفاتورة الضريبية، وهو أمر يحدث بنسبة ضئيلة لها قدرة على تحقيق أرباح طائلة من الفيديوهات".

وأشار إلى أن مشكلة الحكومة المصرية أنها تتخذ قراراتها بشأن صناع المحتوى دون أن تستمع إليهم لتتعرف على المشكلات التي يواجهونها، كما أن أغلب “اليوتيوبرز” أو "البلوغرز" ليس لديهم تدريبات كافية تساعدهم على التعامل مع مصلحة الضرائب، ما يجعل مثل هذه القرارات تضع رؤى فوقية، في حين أنه سيكون من الإيجابي تشجيع منتجي الفيديوهات على تقديم محتواهم لتحقيق استفادة اقتصادية وإعلامية.

ولفت عجمي إلى أن لغة التهديد والوعيد واستخدام ألفاظ “الإلزام” في بيان مصلحة الضرائب يمنحان إشارة سلبية لصناع المحتوى، ويصعب إنزال هذه القرارات على مجتمع مفتوح، فالحكومة تهدف إلى التعرف على أوجه العمل المختلفة للعاملين في مجال صناعة المحتوى والحصول منهم على ضرائب نظير عملهم في جهات مختلفة، أو ما يُطلق عليه “الضرائب من المنبع” وهي بحاجة إلى نظام مؤسسي تقوم عليه صناعة بث المحتوى الرقمي لضبطها.

وتغيب التعاملات بالفواتير مع الجهات التي تساهم في صناعة المحتوى أو يتجه إليها “اليوتيوبرز” لشراء معدات التصوير، ويرتضي صانع المحتوى عدم الحصول على فاتورة بما لا يقود ذلك إلى تحمله قيمة 14 في المئة وهي ضريبة القيمة المضافة، كذلك الوضع بالنسبة إلى العاملين في مجال المونتير والمونتاج الذين يعملون بالقطعة لدى العديد من صناع المحتوى ويحصلون على نظير عملهم مقابل إنتاج الحلقة الواحدة.

ودعت مصلحة الضرائب العام الماضي جميع الممولين أصحاب أنشطة تقديم المحتوى المرئي والمسموع والمقروء، كنشاط رئيسي للممول أو نشاط إضافي للأنشطة التقليدية، إلى ضرورة إدراج كافة الإيرادات الناتجة عن تقديم هذا المحتوى بكل صوره في الإقرارات الضريبية بشكل سليم.

وبدأت مصر اعتبارا من يوليو الماضي تطبيق ضريبة القيمة المضافة على الشركات التي تقدم خدمات إعلانية وتسويقية، وتشمل الشركات التي ستخضع للضريبة غوغل وفيسبوك ويوتيوب ونتفليكس وتيك توك ومنصات البيع.

وطالبت الحكومة المصرية جميع الشركات غير المقيمة في مصر التي تقدم خدمات إعلانية وتسويقية، بأن تسجل في مصلحة الضرائب وتحصل منها ضريبة القيمة المضافة على الخدمات التي تقدمها لأشخاص غير مسجلين ضريبيا، وهي جميع الخدمات التي تقدمها بمقابل مادي، بينما الخدمات المجانية لن تتأثر بالقيمة المضافة.

وأكد الخبير في الإعلام الرقمي محمد عبدالرحمن أن مصلحة الضرائب تركز على ضبط سوق صناعة المحتوى بكل أنواعه، ضمن إستراتيجية أوسع لتنظيم التعاملات المادية في السوق وإثبات تلك التعاملات والحد من ظاهرة التهرب الضريبي.

محمد عبدالرحمن: مصلحة الضرائب تركز على ضبط سوق  صناعة المحتوى
محمد عبدالرحمن: مصلحة الضرائب تركز على ضبط سوق  صناعة المحتوى

واعتبر في تصريح لـ"العرب" أن "الحكومة لها الحق في مطالبة صُناع المحتوى ومن يتعاملون معهم من مزاولي العمل الحر بإثبات تلك التعاملات كي يمكن للضرائب حساب المستحق لها بدقة، غير أن المطلوب مرونة في هذا الإطار بسبب متغيرات السوق، ومراعاة أن هناك بعض المهن الإبداعية ليس من السهل حساب تكاليفها".

وذكر أن التضييق على المهن الإبداعية يدفع القائمين عليها إلى نقل حساباتهم وأنشطتهم إلى دول أخرى لا تشهد تشددا ضريبياً، مثل الوضع في مصر، وتعدد القرارات الخاصة بدفعهم نحو تسجيل أنشطتهم يخلق حالة من انعدام الثقة بينهم وبين المؤسسات الحكومية التي تمثلها مصلحة الضرائب.

ويعاقب القانون المصري كل من يتورط في قضية التهرب الضريبي بالسجن من ثلاث إلى خمس سنوات، ويدرج القانون كل من يمارس عملا تجاريا من دون ترخيص أو حيازة فاتورة ضريبية ضمن الاقتصاد غير الرسمي الذي تقوم الحكومة بضبطه.

ويتوقع مراقبون أن يتأثر سوق الإنتاج الرقمي للمحتويات الإعلامية بهزات متتالية الأشهر المقبلة، لأن اتجاه الحكومة للحصول على ضرائب القيمة المضافة من الشركات التي تقدم خدمات إعلانية وتسويقية بما فيها غوغل دفع نحو إعلان المنصة تحويل أرباحها من مدفوعات غوغل أدسنس بالعملة المحلية بدءا من مايو المقبل، وفي ظل قرارات تهدف إلى إخضاع جميع المرتبطين بعملية صناعة المحتوى بمنظومة الضرائب، فإن ذلك سيدفع البعض إلى تغيير أنشطته.

وتذكّر الحكومة المصرية بالتجربة الأميركية لتحصيل ضرائب على الأرباح المحققة من خلال مشاهدات المحتوى الرقمي داخل الولايات المتحدة أو خارجها، إذ تقوم شركة غوغل، المالكة لتطبيقات مثل غوغل أدسنس وغوغل آدز ويوتيوب، بخصم قيمة الضرائب الأميركية على أرباح تحصل عليها من مشاهدي المحتوى الإلكتروني.

وتطلب بشكل رسمي من مستخدمي خدماتها إرسال معلوماتهم الضريبية الرسمية حتى تتمكن من تحديد معدل الاقتطاع الصحيح، وإذا لم يتم تقديم المعلومات الضريبية قد تقوم شركة غوغل باقتطاع الحد الأقصى للمعدل.

5