جيهان البحار تخوض في مواضيع حرجة داخل المجتمع

تسلط المخرجة جيهان البحار كاميراتها في فيلم “على الهامش” على موضوعي زنا المحارم وتجارة الأعضاء، وهي مواضيع محظورة في المجتمع المغربي، وأرادت أن تثير نقاشا مجتمعيا واعيا حولها، انطلاقا من إيمانها بأن السينما أداة للتغيير. وهي في لقاء جمعها مع "العرب" توضح كواليس تصوير هذا الفيلم.
الرباط - يعرض حاليا فيلم “على الهامش” للمرة الأولى في قاعات السينما المغربية، وهو فيلم يتناول زنا المحارم وتجارة الأعضاء البشرية، ويثير نقاشا حادا حول أحد مشاهده الذي تضمن قُبلة بين الممثلين خليل أوباعقى وهند بنجبارة، حيث انقسمت الآراء حول المشهد بين من يعتبره غير ضروري ومن يدافع عنه باعتباره يخدم الخط الدرامي للفيلم.
تقول مخرجة الفيلم جيهان البحار في حوار مع “العرب” إن “اختياري لمواضيع مثل زنا المحارم وتجارة الأعضاء لم يكن صدفة، بل كان نتيجة ملاحظة دقيقة للواقع الاجتماعي المعقد الذي نعيشه، حيث تعتبر هذه المواضيع من المحرمات في مجتمعنا، لكنها ليست بعيدة عن الواقع اليومي، إذ يطالعنا الإعلام بقصص مماثلة، ومع ذلك نميل كمجتمع إلى التهرب من مناقشتها بشكل مباشر. شعرت أن السينما هي الوسيلة المثالية لفتح هذا الحوار المجتمعي حول قضايا تمس أعماق الإنسانية وتدفعنا إلى إعادة التفكير في أخلاقنا وتفاعلنا مع هذه الظواهر”.
وترى المخرجة أنه “لا يمكن أن نتجاهل هذه المواضيع إلى الأبد، فهي موجودة وتؤثر على حياة الكثيرين، كما لا أهدف إلى صدم الجمهور بقدر ما أسعى إلى خلق مساحة للتفكير والتأمل حول هذه القضايا المعقدة، كما أردت من خلال الشخصيات التي تعيش هذه التجارب أن أظهر الصراع الذي يعيشه الإنسان في مواجهة هذه الأزمات، وكيف يمكن للمجتمع أن يؤثر على مصائر البعض، فرسالتي إذا هي دعوة إلى مواجهة الحقائق والتعامل مع هذه القضايا بشجاعة بدلًا من دفنها”.
حب المهمشين
اختيار مواضيع مثل زنا المحارم وتجارة الأعضاء لم يكن صدفة بل كان نتيجة ملاحظة دقيقة للواقع الاجتماعي
توضح البحار أن “قصص الحب في الفيلم تأتي من منظور الشخصيات المهمشة لتسليط الضوء على جانب إنساني حساس قد لا يكون ظاهرا بشكل مباشر عند الحديث عن التحديات الاجتماعية، والحب في هذا السياق هو قوة دافعة ومحفّزة، ولكنه أيضا مصدر للصراع والمعاناة بسبب الظروف التي تعيشها الشخصيات، فكل قصة حب في الفيلم تُظهر كيف أن التهميش الاجتماعي والاقتصادي يمكن أن يؤثر بشكل جذري على قرارات الأفراد، وتجعلهم يتخذون خطوات جريئة وأحيانا غير متوقعة للحفاظ على مشاعرهم أو تحقيق أحلامهم، حيث أردت من خلال هذه القصص، أن يختبر الجمهور تلك المشاعر المعقدة التي يعيشها المهمشون”.
وتضيف أن “الحب يتأثر بالعوامل المحيطة بالشخصيات سواء كان ذلك الفقر أو العزلة أو الحاجة الملحة إلى البقاء، وهذا يدفع الجمهور للتفكير في كيف يمكن للحب أن يكون ملاذا لبعض الناس ولكنه قد يتحول إلى تحدٍ كبير عندما تصطدم مشاعرهم بالواقع القاسي. أعتقد أن هذه القصص تساعد في خلق تعاطف أعمق مع الشخصيات، وتجعل التحديات الاجتماعية التي يواجهونها أكثر وضوحًا وإنسانية، حيث إن الجمهور يرى من خلال هذه القصص أن المهمشين ليسوا مجرد أرقام أو حالات اجتماعية، بل هم أشخاص يحملون مشاعر وآمالًا وأحلامًا لكن الظروف التي يعيشونها قد تقودهم إلى مسارات مختلفة وصعبة”.
السينما هي الوسيلة المثالية لفتح حوار مجتمعي حول قضايا تمس أعماق الإنسانية وتدفعنا إلى إعادة التفكير في أخلاقنا
وتعتقد المخرجة أن “معالجة هذه المواضيع سينمائيا يمكن أن تكون وسيلة فعّالة لتغيير الوعي الاجتماعي ودفع النقاشات في المجتمع المغربي، خاصة وأن السينما لها القدرة على الوصول إلى جمهور واسع والتأثير عليهم بطرق عميقة، فعندما يشاهد الجمهور فيلمًا يتناول قضايا حساسة مثل زنا المحارم أو تجارة الأعضاء، فإنه يواجه تلك القضايا بطريقة إنسانية، حيث تستطيع الأفلام أن تجعل من المواضيع المحظورة أو التي يُفضل البعض تجاهلها جزءًا من الحوار العام. أظن أن السينما تقدم مساحة آمنة للحديث عن هذه القضايا، بعيدا عن الحكم المسبق أو الخوف من التابوهات، ففي نهاية المطاف، السينما ليست مجرد وسيلة للترفيه بل يمكنها أن تكون قوة محركة للتغيير الاجتماعي، خاصة عندما تتناول قضايا حقيقية تلامس حياة الناس وتعكس واقعهم”.
أما عن تعاونها مع نادية كمالي مروازي في كتابة السيناريو، وأثر هذا التعاون على الفيلم، تقول البحار “كان التعاون من أكثر الجوانب إبداعًا وإثراءً في تجربة كتابة سيناريو فيلم ‘على الهامش’، فنادية كاتبة موهوبة تتمتع بقدرة فريدة على التقاط التفاصيل الإنسانية والعمق النفسي للشخصيات، وهو ما أضاف بُعدًا جديدًا إلى القصة، حيث استطعنا خلق توازن بين الدراما المكثفة والكوميديا السوداء وكان لنادية دور كبير في تطوير هذا التوازن وجعل الحوار أكثر واقعية، وكان التعاون بيننا أشبه بحوار مستمر حول الشخصيات وأبعادها النفسية والاجتماعية”.
وتوضح أن “نادية جلبت معها رؤيتها الخاصة، ما أثرى القصة وأضاف لها نضجًا وواقعية، خاصة فيما يتعلق بتعقيد العلاقات بين الشخصيات وتفاعلها مع العالم. أميل دائما للاشتغال إما مع نادية كمالي مروازي أو مع جمال الخنوسي أو نشتغل جميعا على مشروع واحد، فوجود شريك في الكتابة يجعلني أرى القصص من زوايا مختلفة، وهو ما يؤدي إلى تحسين السيناريو بشكل كبير، والتعاون في ‘على الهامش’ ساهم في تطوير الحبكة الدرامية وأعطى الفيلم شكله النهائي المتماسك”.
تحديات كبيرة

يعتبر اختيار الممثلين جزءا حاسما في أي مشروع سينمائي، وفي حالة فيلم “على الهامش”، تقول المخرجة، “كانت لديّ فرصة رائعة للعمل مع ممثلين سبق لي التعاون معهم، وهذا ساعد بشكل كبير في تحقيق رؤيتي للفيلم، فتجربتي السابقة مع ماجدولين الإدريسي وعزيز داداس في فيلم ‘في بلاد العجائب’ منحتني ثقة كبيرة في قدرتهم على تجسيد الشخصيات بطريقة تلبي تطلعاتي، إذ كنت أعرف أن كليهما يمتلك القدرة على فهم الشخصيات بعمق وتقديمها بطريقة مليئة بالعاطفة والتعقيد”.
وتشرح أن “ماجدولين لعبت دور سعاد، وهي شخصية مركبة تعيش صراعات داخلية بين الحب والمسؤولية، وبين الطموح واليأس، لقد أظهرت قدرة استثنائية على التعبير عن هذه التناقضات، ما جعل الشخصية تنبض بالحياة. ومعرفتي السابقة بقدراتها كممثلة ساعدتني في توظيف موهبتها بطريقة تتناسب مع قصة الفيلم. أما عزيز داداس، فقد أضاف عنصرًا آخر للشخصية التي لعبها على الرغم من أنه معروف بأدواره الكوميدية. كنت واثقة من قدرته على تقديم دور درامي معقد مثل شخصية عزوز. كما أن هند بنجبارة كانت مفاجأة رائعة حيث قدمت أداءً متزنا، لقد استطاعت أن تتخلص من الأدوار النمطية وجسدت شخصية ياسمين بطريقة جديدة ومقنعة”.
وتضيف أن “عبداللطيف شوقي وفاطمة الزهراء بناصر لعبا دورًا كبيرًا في تقديم شخصيات الفيلم بطريقة متماسكة، حيث أضاف كل منهما لمسة خاصة جعلت الشخصيات أكثر واقعية، وأظن أن كليهما برهن على موهبته في التشخيص، لكن الممثل الشاب خليل أوبعقى هو المفاجأة الجميلة حيث فرض نفسه كممل موهوب وسيكون له مستقبل واعد. كل ممثل جلب شيئًا فريدًا للشخصية التي لعبها، ما جعل القصة تتماشى مع أهدافي الفنية”.
وحول قصص الحب الثلاث التي يرويها الفيلم، تقول البحار “كل قصة حب تحمل جزءًا من التجربة الإنسانية التي نعيشها بشكل يومي، وهي تعكس رؤيتي للعلاقات الإنسانية في السياق المغربي، حيث تتداخل الظروف الاجتماعية والاقتصادية مع الحب والعلاقات. فقصة سعاد، التي تضحي بكل شيء من أجل الحصول على شهادة مزورة لتأمين مستقبلها، قد تكون الأقرب إلى ما أراه كثيرًا في المجتمع، حيث أن هذه القصة تتحدث عن التضحيات التي يقوم بها الأفراد وخاصة النساء، في مجتمع يفرض عليهن تحديات اقتصادية واجتماعية صعبة. فالكثير من النساء يجدن أنفسهن في مواقف تضطرهن لاتخاذ قرارات صعبة. بينما قصة ياسمين وياسر، فتحمل بعدًا إنسانيًا عالميًا، حيث يتجاوز الحب في هذه القصة الحدود الاجتماعية، ويمثل معاناة الإنسان في مواجهة القدر والمرض، في حين أن قصة نعيمة التي تحاول بيع كلية ابنتها لإنقاذ زوجها من السجن، تعكس أيضا أبعادا أخرى من الواقع، حيث تتداخل القيم الأسرية مع الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وفي مجتمع يعاني من الفقر والتهميش، نجد أحيانًا أن العائلة تُدفع إلى اتخاذ قرارات قاسية لتأمين البقاء”.
وتوضح “كان هدفي الأول هو تقديم هذه القضايا بشكل يعكس واقعها المؤلم دون الوقوع في فخ الفضول المفرط أو التلصص، الذي قد يحول الفيلم إلى مجرد استعراض للقسوة أو الألم. درسنا التفاصيل الاجتماعية والنفسية للشخصيات وعملنا بشكل مكثف على بناء خلفيات واقعية ومعمقة لها، بحيث تكون دوافعهم وأفعالهم مفهومة ضمن سياق درامي متماسك، كما استندنا إلى قصص واقعية وتجارب حقيقية للأشخاص الذين واجهوا مثل هذه الأزمات”.
لكن التحدي الأكبر الذي واجه البحار كان في كيفية تصوير هذه المشاهد “بشكل يحترم كرامة الضحايا ويبتعد عن أي نوع من الاستغلال البصري أو العاطفي، فقررنا الاعتماد على الإيحاء أكثر من العرض المباشر، بحيث يكون التركيز على الصراع الداخلي للشخصيات وتأثير هذه الجرائم على حياتهم النفسية والاجتماعية، كما كنت حريصة جدًا على أن يظل الفيلم يدور حول مشاعر الشخصيات وتجاربهم الإنسانية، وليس حول استغلال القضايا لإثارة المشاعر”.
أما أبرز التحديات التي واجهتها خلال عملية ما بعد الإنتاج، فتقول المخرجة إنها “تتعلق بالجانب التقني والمحتوى الذي يتناوله الفيلم، فالمنتج جمال الخنوسي وفر جميع الإمكانيات حيث سهل لنا الاستعانة بخبرات مغربية وتقنيين من الهند، حيث كنا في حاجة لإيجاد موسيقى تلائم الأجواء المتناقضة بين الكوميديا السوداء والدراما، بينما التحدي الآخر كان مرتبطًا بالجدول الزمني والميزانية، فبسبب تصوير الفيلم في فترة الحجر الصحي، كانت لدينا بعض القيود التي أثرت على عملية الإنتاج. عملية ما بعد الإنتاج كانت مرهقة ولكنها كانت أيضًا ضرورية لصقل الفيلم وإبرازه بالشكل الذي أطمح إليه”.