جيل الألفية لا يريد أطفالا كي يتقاعد مبكرا

تسببت جائحة كورونا في تردد الكثير من الأزواج في إنجاب الأطفال بسبب ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية والتعليم والسكن نتيجة الأزمة الاقتصادية التي خلقتها الجائحة. كما باتت الخشية من خسارة العمل الدافع الرئيسي وراء قرار عدم الإنجاب. وكشف بحث أجراه مزوّدو المعاشات التقاعدية عبر الإنترنت أن الأزواج يفكرون في عدم إنجاب الأطفال حتى يتمكنوا من التقاعد مبكرا.
لندن- يواجه المنقطعون عن التعليم والخريجون خلال جائحة كورونا أزمة في الوظائف وأزمة بيئية وقلقا اجتماعيا واسع النطاق. وقد قرروا وفقا للبحوث عدم إنجاب الأطفال حتى يتمكنوا من التقاعد مبكرا وتشكيل ضغط أقل على كوكب مكتظ بالسكان.
ويفكر واحد من كل 10 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 و23 عامًا ممن ليس لديهم أطفال في عدم الإنجاب، وفقًا للبحث الذي أجراه مزودو المعاشات التقاعدية عبر الإنترنت “بنشن بي”، مستشهدين بخطط التقاعد مبكرًا كمحرك رئيسي لقرارهم.
وقالت ماري البالغة من العمر 23 عامًا والتي عملت في شركة مسرحية قبل الوباء إنها قررت عدم إنجاب الأطفال لأنها لا تستطيع تخيل القدرة على تحمل تكاليف ذلك دون العمل “إلى الأبد”. وتابعت “كنت أرغب في الأطفال عندما كنت أصغر سناً ولكنني بدأت أعيد التفكير مرة أخرى، ثم ضرب كوفيد. لقد فقدت أنا وشريكي وظائفنا وأدركت أنني لن أمتلك أبدًا الأمن المالي لتربية الأطفال دون العمل حتى تركت وظيفتي”.
وأضافت “بمجرد أن توصلنا إلى القرار، شعرنا بارتياح شديد. لم يعد عالم العمل بلا نهاية، يمكنني رؤية نهاية له وأنا في سن يمكنني من الاستمتاع بالحياة”.

الأمير هاري وميغان سينجبان "طفلين كحد أقصى"
وكانت سام ميلر مع شريكها منذ أن كانت في الرابعة عشرة من عمرها، وقالت “أريد أن أصبح كاتبة وسام يريد أن يكون فنانًا. نحن نريد حياة مع القليل من المصاريف المالية، فلسنا مرتبطين بعمل قار”.
ووجد البحث أن ضعف عدد الرجال مقارنة بالنساء في جميع الفئات العمرية قالوا إنهم يفكرون في عدم إنجاب الأطفال حتى يتمكنوا من التقاعد مبكرًا، في حين أن أولئك الذين يعملون في قطاعي الفنون والثقافة كانوا أكثر احتمالية للقول إنهم سيفكرون في ذلك من أي مهنة أخرى.
وكان عدم إنجاب الأطفال أمرًا يرجح أن ينظر إليه من هم في الوظائف ذات الرواتب المتوسطة والمرتفعة، حيث من المرجح أن يصرح أولئك الذين يتقاضون رواتب تتراوح بين 25 و55 ألف جنيه إسترليني أنه شيء يفكرون فيه أكثر من نظرائهم ذوي الدخل المنخفض.
وكان سكان لندن هم الأكثر احتمالاً أن يقولوا إنهم لن ينجبوا أطفالًا إذا كان ذلك يعني أنه يمكنهم تقديم موعد التقاعد، حيث صرح 5 في المئة من المشاركين عبر جميع الأجيال بذلك. في المقابل لم يشر أي مستجوب في الشمال الشرقي إلى عدم إنجاب الأطفال كوسيلة لتقديم تقاعدهم.
ويختار عدد متزايد من الناس بوعي إنجاب عدد أقل من الأطفال لأسباب بيئية، حيث وجدت دراسة أجرتها شركة “يو غوف” العام الماضي أنه من بين هؤلاء البالغين البريطانيين الذين لم يكونوا آباء بالفعل، قال أكثر من الثلث إنهم لا يريدون إنجاب أطفال أبدًا.
وقال الأمير هاري إنه وميغان سينجبان “طفلين كحد أقصى”. وأثارت عضوة الكونغرس الأميركي ألكساندريا أوكاسيو كورتيز جدلاً العام الماضي عندما أعربت عن قلقها بشأن الأثر البيئي للزيادة السكانية، قائلة “إنه يقود الشباب إلى طرح سؤال مشروع وهو هل من المقبول إنجاب الأطفال الآن؟”.
وقالت جودي البالغة من العمر 28 عامًا وهي عزباء “في السابق كان إنجاب الأطفال أمرا فكرت فيه ولكنني اشتريت منزلي العام الماضي واكتشفت أنني سأدفع أقساط الرهن العقاري إلى أن أصل سن الثامنة والأربعين عامًا على أبعد تقدير وسأكون قادرًة على الانخراط في العمل بدوام جزئي لبضع سنوات قبل التقاعد”.
وأضافت “أتطلع إلى قضاء وقت أقل في العمل. لم يعد إنجاب الأطفال يتناسب مع جدول أعمالي لأن تكلفة تربيتهم ستعني وقتا أطول لسداد الرهن العقاري”.

من بين البالغين البريطانيين الذين لم يكونوا آباء بالفعل، قال أكثر من الثلث إنهم لا يريدون إنجاب أطفال أبدًا
من جهة أخرى ينصح المسؤولون عن الخدمات الصحية بعدم الإنجاب خلال جائحة كورونا. وقالت كاثرين كالدروود رئيسة الخدمات الصحيّة في أسكتلندا، إنّ على الأزواج الذين يحظون بـ”متسع من وقت الفراغ” خلال فترة الإغلاق نتيجة تفشي الوباء، التفكير في استخدام وسائل منع الحمل. وذكرت أنّ الحاجة إلى الحصول على الخدمات الصحيّة المتعلِّقة بالولادة لا يمكن تأجيلها، وينبغي على الناس أن يسألوا أنفسهم إذا كان الوقت مناسباً لإنجاب طفل.
وعادة تكون النساء الحوامل أكثر عرضة للإصابة الشديدة بالإنفلونزا، ويُعزى ذلك جزئيّاً إلى أنّ الحمل يُثبط جهاز المناعة لدى المرأة، والجنين في الأشهر الأخيرة يضغط على أعضاء الأم، بما في ذلك الرئتين.
وحذَّرت “الكليّة الملكيّة لأطباء التوليد وأمراض النساء” من أنّه في كثير من مساحات الانتظار في المؤسّسات التابعة لـ”هيئة الخدمات الصحيّة الوطنيّة” في بريطانيا، يتعذّر تنفيذ مبدأ التباعد الاجتماعيّ، ويُحتمل أن تنقل الحوامل العدوى إلى الأشخاص الآخرين.
و اقترحت الدكتورة كالديروود خلال الإحاطة الإعلاميّة اليوميّة التي تقدّمها الحكومة الأسكتلنديّة في العاصمة إدنبره على الناس التفكير بتأنٍ قبل الحمل خلال جائحة كوفيد – 19. وقالت كالديروود إنه “يفضل عدم التفكير حاليا في الحمل والإنجاب ليتسنى للكوادر الطبية التركيز على مواجهة تفشي فايروس كورونا المستجد، ويجب التفكير في الوقت المناسب لذلك”.
ووجهت كالديروود نصيحة إلى الأزواج وطالبتهم بتجنب التفكير في الإنجاب خلال فترة وباء كورونا، موضحة أن “النساء الحوامل لن يحصلن على ذات المستوى من الرعاية، كما كان الوضع قبل الفايروس”.
وتوقعت الخبيرة الطبية أن يستمر تفشي مرض كورونا لبعض الوقت، مشيرة إلى أن هناك ضغوطا كبيرة على خدمات الطوارئ لعلاج مرضى الفايروس، ومن الضروري أن يحرص الأزواج على توفير بيئة صحية للأطفال حديثي الولادة، وهو أمر صعب في الوقت الحالي، وذلك مع انتشار الوباء.
وأدت جائحة كورونا إلى تراجع الإنجاب في عدد من دول العالم على غرار الصين. وقد كشفت وزارة الأمن العام في الصين أن عدد المواليد تراجع بـ15 في المئة في 2020 مقارنة بالعام السابق، وذلك مع ظهور فايروس كورونا وتأثيره على الاقتصاد وقرارات تكوين الأسرة.
سكان لندن هم الأكثر احتمالاً أن يقولوا إنهم لن ينجبوا أطفالًا إذا كان ذلك يعني أنه يمكنهم تقديم موعد التقاعد
وفي السنوات الأخيرة تردد كثير من الأزواج في إنجاب الأطفال بسبب ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية والتعليم والسكن. ولم يؤثر التخلي عن سياسة الطفل الواحد التي استمرت لعقود في عام 2016 بشكل كبير على زيادة عدد المواليد في البلاد.
وأثرت المخاوف الاقتصادية الناجمة عن فايروس كورونا في العام الماضي على قرارات الإنجاب مما أدى إلى استمرار انخفاض المواليد على المدى الطويل في أكثر دول العالم اكتظاظا بالسكان.