جولة جديدة من مشاورات مجلسي النواب والدولة الليبيين في المغرب

ناصر بوريطة: نؤكد الحاجة إلى استلهام روح الصخيرات في هذه المرحلة الحاسمة.
الخميس 2024/12/19
ثقة متجددة بالمغرب

انطلقت في مدينة بوزنيقة بالمملكة المغربية الأربعاء أعمال الاجتماعات التشاورية بين أعضاء مجلس النواب الليبي وأعضاء المجلس الأعلى للدولة، بهدف الدفع نحو حل الأزمة الليبية.

واستهلت الاجتماعات بجلسة افتتاحية حضرها ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أكد فيها أن “المغرب، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، يحافظ على مواقف ثابتة لا تتغير بتغير الأحداث أو السياقات إزاء الملف الليبي،” مضيفا أن “المملكة المغربية تدعم استقرار ووحدة ليبيا، اللذين يُعتبران امتدادا لاستقرارها ووحدتها، كما تؤكد أن حل الأزمة الليبية يجب أن يكون في إطار حوار ليبي – ليبي بعيدا عن التأثيرات والضغوط الخارجية.”

وأوضح بوريطة أن “كثرة المؤتمرات الدولية والإقليمية حول ليبيا لا يمكن أن تُعوّض الحوارات بين الفرقاء الليبيين،” مؤكدا أن “المغرب يواكب الليبيين ويوفر لهم مجالا أوسع للتحاور فيما بينهم لتحقيق تقدم في المسار السياسي لبلادهم.”

وأبرز الوزير المغربي أن “احتضان مدينة بوزنيقة لهذا الاجتماع التشاوري هو إشارة إلى الثقة بين البلدين والشعبين، وإشارة أيضا إلى وجود ارتياح لدى الليبيين لعقد اجتماعات في المغرب، بالنظر إلى المقاربة التي اتخذتها المملكة المغربية بتوجيهات من جلالة الملك محمد السادس إزاء الملف الليبي منذ البداية، والتي تعتمد على عدم التدخل في الشأن الليبي، واحترام إرادة الليبيين، ودعم كل اختيارات المؤسسات الليبية الشرعية للدفع نحو حل الأزمة في هذا البلد.”

ولفت إلى أنه قبل تسع سنوات، وتحديدًا يوم 17 ديسمبر 2015، تم توقيع اتفاق الصخيرات، الذي شكّل مرجعية أساسية وأعطى الليبيين إطارًا يُعمل به حتى اليوم، وهذا الاتفاق جاء بفضل إرادة الليبيين أولًا وقبل كل شيء، وأتاح لهم آليات اشتغال واضحة وأفقًا اختاروه بأنفسهم لمعالجة مشاكلهم وبناء مؤسساتهم، مشيرا إلى أن اتفاق الصخيرات منح ليبيا مؤسسات مهمة مثل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، الحاضرين اليوم، كما ساهم في تحقيق نوع من الاستقرار وتوفير مخاطبين على المستوى الدولي.

وتابع “إننا ونحن نحتفل بذكراه التاسعة، نؤكد الحاجة إلى استلهام روح الصخيرات في هذه المرحلة الحاسمة، هذه الروح الوطنية التي تجلت آنذاك في تغليب مصلحة الوطن، وإبداء إرادة حقيقية لتجاوز العقبات، والوصول إلى حلول بناء عل تنازلات عدة قدمتها الأطراف الليبية التي قدّمت المصلحة الفضلى لوحدة الوطن.”

وتابع بوريطة أن “اتفاق الصخيرات، الذي تم التوقيع عليه في المغرب قبل تسع سنوات، يُعد مرجعا سياسيا ويمنح آفاقا سياسية للأطراف الليبية وللمجتمع الدولي في كيفية التعامل مع الأزمة السياسية في ليبيا،” معتبرا أن “هذا الاتفاق أفرز نوعا من الاستقرار في ليبيا كما أفرز مخاطبين لهذا البلد على المستوى الدولي، وروحا إيجابية تحتاجها ليبيا اليوم أكثر من أي وقت مضى.”

وكانت مدينة الصخيرات المغربية احتضنت في ديسمبر 2015 جولات من الحوار الليبي، تحت رعاية الأمم المتحدة، جمعت بين ممثلي مجلس النواب الليبي المعترف به دوليًا والمؤتمر الوطني العام، وأسفرت عن اتفاق الصخيرات السياسي، الذي يعتبر محطة مفصلية في تاريخ الأزمة الليبية، حيث أدى إلى تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، والتأسيس لآلية لتوحيد مؤسسات الدولة، والدعوة إلى إجراء انتخابات عامة وتحقيق مصالحة وطنية.

ولفت الوزير المغربي إلى أن “هذا الاجتماع التشاوري بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا يُعقد في سياق معقد على مستوى العالم العربي، الذي يمر بتحولات كبيرة تسممها تدخلات غير عربية في الملفات العربية،” مشددا على أن “هذه التحولات تطرح تساؤلات علينا جميعا، وتطرح على الليبيين بالدرجة الأولى كيفية الحفاظ على سيادة بلادهم ووحدة أراضيها.”

ولاحظ بوريطة “أن 80 في المئة من القضايا المتعلقة بالدول العربية موجودة ضمن أجندة مجلس الأمن الدولي، وهو ما يفسر حجم التدخلات الخارجية في شؤون العرب،” مشيرا إلى أن “هذا الاجتماع التشاوري يأتي في سياق الرغبة الأممية في تحريك الملف الليبي على مستوى البعثة الأممية أو على مستوى بعض الأطراف التي طرحت أفكارا تسائل بدورها المؤسسات الليبية حول كيفية التعامل معها ومناقشتها.” وشدد على أن “الليبيين بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية للتجاوب مع تطلعاتهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتحضير لانتخابات ذات مصداقية. كما أن المجتمع الدولي هو الآخر بحاجة إلى هذه الحكومة لمواكبة الإرادة الليبية على المستويين الداخلي والخارجي.”

المملكة المغربية كانت أكثر الدول احتضانا لاجتماعات الفرقاء الليبيين الحاسمة حيث وفرت لهم كل ظروف الراحة

ويرى المراقبون أن المملكة المغربية كانت أكثر الدول احتضانا لاجتماعات الفرقاء الليبيين الحاسمة حيث وفرت لهم كل ظروف الراحة ولم تتعمد التدخل في ملفاتهم المطروحة للنقاش.

وبعد سلسلة من الاجتماعات الماراثونية شهدت مدينة بوزنيقة في يناير 2021 توقيع الاتفاق بين وفدي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على توزيع المناصب السيادية بين الأقاليم الثلاثة.

وفي 23 مايو 2023 احتضنت المدينة اجتماع اللجنة المشتركة، المؤلفة من ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا (6+6)، حيث كانت المهمة الموكلة إليها إعداد القوانين الانتخابية. وانتهت هذه اللقاءات في السابع من يونيو 2023، وتم الإعلان خلالها عن تحقيق “توافق” حول القوانين التنظيمية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

وينتظر أن يتم على هامش اجتماعات بوزنيقة عقد لقاء بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في ظل استمرار الجدل حول الوضع السياسي العام في البلاد.

وجاء بدء اجتماعات بوزنيقة بعد مرور يومين على إعلان رئيسة بعثة الأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني خوري الاثنين عن إطلاق عملية سياسية جديدة في البلاد لكسر حالة الجمود السياسي الراهن، وتشمل تشكيل لجنة فنية من خبراء ليبيين لوضع خيارات تفضي إلى معالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، وخيارات لكيفية الوصول إلى الانتخابات في أقصر وقت ممكن، بما في ذلك ما يجرى اقتراحه من ضمانات وتطمينات وإطار زمني.

وقالت خوري إنها تعتزم إنشاء لجنة استشارية محددة زمنيا ومكلفة بمراجعة القضايا العالقة، وتقديم مقترحات قابلة للتطبيق لخارطة طريق شاملة لإجراء الانتخابات. وأشارت إلى أن اللجنة ستتألف من خبراء وشخصيات محترمة، “تعكس طيف القوى السياسية الليبية، والمكونات الاجتماعية والثقافية والجغرافية.”

وأضافت أن “اللجنة الاستشارية ليست مجموعة حوار لاتخاذ القرارات، بل هي لتوليد خيارات لاستخدامها في مرحلة المتابعة من قبل صناع القرار الليبيين،” مؤكدة أنها “تعتزم أيضا عقد حوار منظم لتعزيز الإجماع حول رؤية وطنية موحدة لمستقبل البلاد، وأن محركات الصراع طويلة الأمد لم تعالج، ومنعت ليبيا من التحرك نحو نظام دائم للحكم يركز على رؤية جماعية مشتركة بشأن القضايا الأساسية والعلاقات بين الأفراد والدولة.”

 واعتبرت خوري أن “ضمان المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة لجميع شرائح المجتمع -وخاصة النساء والشباب- يظل أولوية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لتعزيز الشمولية وبناء الوحدة الوطنية وتعزيز شرعية العملية السياسية.”

4