جورج بيريز رسام وكاتب آمن بالقدرات الخارقة لشخصياته

هل ستتغير أشكال أبطالنا الخارقين بجيل جديد من الرسامين؟
الخميس 2022/05/19
أحد أعظم الرسامين الذين صنعوا ملامح الأبطال الخارقين

على الرغم من أنه كان قد اعتزل الرسم قبل ثلاثة أعوام، إلا أن رحيل جورج بيريز لن يعني اليوم مجرد غياب لأحد أعظم الرسامين الذين صنعوا لنا ملامح أبطالنا الخارقين في العقود الماضية، إنما سيفتح الباب أمام جيل جديد من الرسامين الذين لا بد وأنهم سيقدمون إضافاتهم ولمساتهم على وجوه فرسان وسيدات الأحلام في القصص المصورة والأفلام.

غادرنا بيريز عن 67 عاما بعد أن هزمه السرطان، لتبقى ابتسامته محاطا بأبطاله تسخر من المرض والموت. لم يكن رساما وحسب، كان كاتبا وصاحب خيال مدهش أغنى بتجربته داري ”مارفل“ و“دي سي“ كي تتحول خطوطه وألوانه إلى شخصيات حية باتت جزءا أساسيا من حياة الأجيال كلها.

وحين انتشرت أعمال بيريز في السبعينات كان هناك من سبقه إلى هذا المجال، وعلى رأسهم ستان لي الذي بدأ كاتبا في مجلة “تايملي كوميكس” قبل أن يتحول إلى الرسم ويترك لنا بانضمامه إلى ”مارفل“ سبايدرمان ”الرجل العنكبوت“ وشخصيات “أفنجرز” و”فانتاستيك فور“، ويعيد إطلاق “ووندر وومان“ مجددا.

بطل الابتكار

بوكس

دار ”دي سي“ نعت بيريز على تويتر واعتبرت أن مساهماته كانت أساسية في تعزيز وتطوير تاريخها الطويل. بينما علّقت ”مارفل“ بحرقة وقالت إن “عائلتنا حزينة على خسارته“.

كان من الصعب تحدي الإرث الكبير الذي وجده بيريز ماثلا أمام عينيه حين التحق برسامي الكوميكس، فقد كان كل شيء قد تأسس، والناس عشقوا وجوه أبطالهم وانتهى الأمر ولن يتقبلوا تغييرات كبيرة في لون العينين والشعر وأبعاد الأجساد وحتى الأزياء.

هكذا لم يكن أمام بيريز سوى أن يبتكر الجديد، فصنع ”سيبورغ“ و”رافين“ و”ستارفاير“. وبتقنياته المميزة والمختلفة والتي توصف بالديناميكية والنظيفة، قدم فلسفة جديدة في الكوميكس تعكس الفكرة الأساسية منه، فالخيال حوّله بيريز إلى واقعية.

كانت رسومه الرشيقة والمنفذة بمهارة عالية أكثر إقناعا من القصص نفسها، حتى أن القراء الشغوفين بالخوارق التي يقوم بها الأبطال كانوا ينسون أنهم أمام قصص خيالية.

بصمات بيريز تظهر بوضوح في دمجه بين سرد القصص الأساسية والأحداث التاريخية التي يعرفها الجميع في العالم.

التغيير الكبير

بوكس

هاجرت عائلته من بورتوريكو إلى نيويورك، وكان والده خورخي جوزمان بيريز عاملا بسيطا في مصنع لحوم معلّبة، وفي برونكس رأى بيريز النور لأول مرة، ورأى معه عالما يستحق أن يعاد رسمه من جديد معزّزا بالأبطال الذين يحاربون دون ملل من أجل العدالة وإنقاذ البشرية.

في سن مبكرة عمل مساعدا للرسام الكاريكاتوري ريتش باكلر، الأمر الذي منحه الفرصة ليقدّم نفسه كمحترف حين صنع قصة ساخرة من صفحتين فقط قبلتها ”مارفل“. وكانت تلك بوابته إلى عالم الخيال الساحر والمفتوح بلا حدود.

ليس عشاق الكوميكس وحدهم من يشعرون أن بيريز صنع فارقا غير مسبوق في هذا المجال، بل حتى كبار نقاد ومتابعي هذه الصناعة مثل نيكولاس يانس يقولون إن بيريز غيّر فن رسم القصص المصورة إلى الأبد.

لم تعد قصص الخارقين حكايات تخصهم وحدهم، بعد أن أدخل إليها بيريز الروح الهزلية، مركّزا أكثر على المرأة وتنغيمات جسدها التي جعلتها متعددة ولافتة للأنظار.

ورغم أن مدراءه كانوا ينتقدون أسلوبه في المنظور والتشريح، لم تكد تنتصف سبعينات القرن الماضي، إلا وكان بيريز قد توصل إلى شخصية ستعيش طويلا بعد تلك اللحظة، بالتعاون مع الكاتب بيل مانتلو قدم شخصية ”النمر الأبيض“ أول بطل خارق من أصل بورتوريكي ضمن سلسلة ”أبناء النمر“. نجاحه هذا ساعده في التحول إلى عضو أصيل في عائلة ”مارفل“.

واصل إحداث التغيير عبر رسمه الجزء الأول من كتاب ”ساغا“، مع جين شوتر. وفيه أظهر بيريز غالبية شخصيات المنتقمين. ثم قدّم شخصية هنري بيتر جيريش، مسؤول اتصال المنتقمين مع مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة في الفصل الثاني من نفس القصة. وكانت القصة تنمو مع بيريز وتتزايد شخصياتها كل مرة وتتحول إلى واقع أكثر وأكثر.

مع مطلع الثمانينات فكّر بيريز بالتحرّر من ”مارفل“ بعض الشيء والتعاون مع ”دي سي“ فولدت ”تين تيتانز“ الجديدة، وكان هدفه تقديم السلسلة التي اشتهرت برابطة العدالة الأميركية من جديد بعد رحيل رسامها ديك ديلين. استطاعت ”دي سي“ الانتقام من منافستها ”مارفل“ التي قدمت ”مارفل إكس من“.

أهم ما في تلك المنافسة في ذلك الوقت والتي كان بيريز أحد أبرز أبطالها، أن سوقها كان وسط المراهقين. ولهذا الجيل تحديدا قدّم بيريز معالجة تنويرية حول ظاهرة تفشي المخدرات بين المراهقين وشن حملة متسقة مع حملة البيت الأبيض التي ركّزت على هذا الملف آنذاك، فحقق انتشارا واسعا على المستوى الشعبي، تجسدت في كتاب خصصه لهذا الشأن ورسمه على مدى أربع سنوات، ووصل إلى ذروة من الإتقان الأسلوبي في التخطيطات وتفاصيل الوجوه خلال الأعوام التي استغرقها تنفيذ الكتاب. وحينها أصبح بيريز واحدا من أكثر فناني الكوميكس شهرة على مستوى العالم، وتم تكريمه بالعديد من الجوائز لدوره الإيجابي في الفن والمجتمع معا.

ماذا حدث لرجل الغد؟

◙ قصص الخارقين لم تعد كما كانت بعد أن أدخل إليها بيريز روح المرأة
قصص الخارقين لم تعد كما كانت بعد أن أدخل إليها بيريز روح المرأة

أراد بيريز أن يعيد تكوين تصوراتنا عن الأبطال الخارقين كلهم، فتعاون مع الكاتب البريطاني آلان مور لتقديم كتاب ”ماذا حدث لرجل الغد؟“. هذه القصة التي ظهرت في العام 1986 عبر ”دي سي“ أعادت سوبرمان بصيغة جديدة بقلم مور بالتعاون مع المحرر المخضرم لشخصية سوبرمان يوليوس شوارتز، ونرى فيها رواية مغايرة لقصة حياة سوبرمان التي بات الجميع يعرفها كمراسل لـ”ديلي بلانيت“، فالرجل الفولاذي يتعرض للعديد من الهجمات العنيفة على أيدي أعدائه ويفتضح أمره ويتم الكشف عن هويته السرية تحت اسم ”كلارك كينت“ ويلقى العديد من أحبائه مصرعهم. وما يزال النقاد يعتبرون تلك القصة واحدة من أعظم القصص عن سوبرمان عبر تاريخه.

ارتبط هذا التغيير في تناول شخصية سوبرمان ببيريز، وبات يطلب منه فعل الأمر ذاته مع بقية الأبطال الخارقين، وهو النهج الذي سار عليه مع الرجل العنكبوت و“ووندر وومان“ مع الكاتب جريج بوتر.

ومن الممتع مراقبة كيف تأثر بيريز وكتاب تلك الفترة بأعمال جون بيرن وفرانك ميلر بهدف إعادة صياغة سوبرمان وباتمان، حتى وصل تألق الحكايات إلى ربط الشخصيات بالآلهة اليونانية.

حرب الآلهة

◙ بيريز يقدم نموذجا أعلى من مجرد رسام قصص مصورة، فقد كان هو أحد أبرز أبطال حكاياته
بيريز يقدم نموذجا أعلى من مجرد رسام قصص مصورة، فقد كان هو أحد أبرز أبطال حكاياته

لم يكن بيريز راضيا عن استخفاف شركة ”دي سي“ بالذكرى الخمسين لولادة شخصية ”ووندر وومان“. لكن حربا أخرى كانت تدور، لا بين الآلهة والجبابرة وحدهم، بل بين بيريز و“دي سي“ أيضا، وكان سببها عدم التفاهم مع المحررين حول مشروع ”حرب الآلهة“.

قامت الشركة بإعداد برنامج توزيع محدود للقصة، الأمر الذي أشعل غضب بيريز فاستقال من العمل لدى ”دي سي“ وابتعد عن العمل الفني لفترة. وحين نتحدث عن مشاكل في التحرير، يكون معنى ذلك أن بيريز كان متعلقا بشخصياته ومصائرها إلى درجة أنه لم يكن قادرا على تصور وجودها في مواقف معينة يقررها الكتاب أو الشركة المنتجة مسبقا. لقد كانت تلك الشخصيات حية حقا في عقله، لا مجرد رسوم وتخطيطات.

ابتعاده عن الشركات الكبرى في مجال الكوميكس لم يؤثر كثيرا على حضور بيريز، فقد كان قد أصبح أيقونة في هذا العالم الخيالي والكل يريد التعامل معه. وفي أعوام التسعينات الأولى كان يتعامل بين الوقت والآخر مع شركات مثل ”ماليبو“ وغيرها، إلا أن رسام الخارقين كان فقد حسّه الخارق ودوافعه إلى الابتكار إلى الأبد.

بوكس

لم تنته قصة بيريز، وتمكنت أشباح أبطاله الخارقين من استعادته من عزلته، ومن اهتماماته الجديدة مثل رسم كتاب ”جوراسيك بارك“، فعاد مجددا إلى ”دي سي“ ولأبطاله الجبابرة لكن ذلك لم يدم طويلا.

في عام 1997 بدأ بيريز بكتابة قصة خيال علمي تدور حول كائن فضائي بدم شديد السمية، وحاول نشر مجلة كوميكس خاصة به. لكن الديون لاحقته فأوقف مشاريعه. ولجأ إلى العمل مع ”كروس غين“ على مشروع ”سولوز“ الذي لم ير النور.

عشر سنين مرت قبل أن يرجع بيريز عن قراره ويعيد الجسور مع ”دي سي“ التي أطلقت سلسلة سوبرمان جديدة كتبها بيريز بنفسه هذه المرة وأدخل عليها التعديلات التي أرادها، لكنه ما لبث أن أعلن في صيف العام 2012 رحيله عن سوبرمان كمحرّر بسبب القيود المفروضة عليه في القصة.

نتيجة إرهاقه لجسده في العمل، أصيبت عينه اليسرى بالعمى، فخضع لجراحات عديدة واستعان أطباؤه بالليزر لمعالجة توقف قدرته على الإبصار، وفي الأعوام التي تلت تفرغه لرسم مسلسل خيال علمي قصير مخصص لمجموعة من النساء الخارقات اللواتي يحاربن الشر عبر الزمان والمكان، ثم ما لبث أن أعلن اعتزاله لأسباب صحية.

بيريز لم ينجب أطفالا، كان أطفال العالم كله اعتبروه أبا روحيا لهم وكانوا ينتظرون أعماله بشوق. حتى من اختلف معهم كرموه في سنواته الأخيرة، فاتفقت ”مارفل“ و“دي سي“ على إعادة إصدار أعماله بشكل مشترك كي تبقى خالدة ومتاحة لمن عشقوا خطوطه وأفكاره غير التقليدية.

وبعد بيريز سنبقى ننتظر النسخ الجديدة من أبطالنا مع رساميهم الجدد في عالم الكوميكس اللانهائي.

 

12