جهود ليبية لمحاسبة قتلة الصحافيين بعد سنوات من التجاهل والتهميش

طرابلس - تشهد ليبيا حراكا حقوقيا للضغط من أجل ملاحقة المتورطين في قتل الصحافيين منذ تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد إثر انتفاضة فبراير 2011 وللحؤول دون تمتيع القتلة بإمكانية الإفلات الدائم من العقاب.
وذكّرت الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي أنها وقعت مع عدد من المنظمات الدولية والإقليمية في 3 نوفمبر 2022 بتونس على خارطة طريق لسلامة الصحافيين في المنطقة العربية بإشراف منظمة اليونسكو، وهي بذلك تعد أول مؤسسة حكومية ليبية توقع على خارطة طريق تدعو إلى مكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين من أجل حمايتهم في ليبيا.
وبعد أن أكدت على التزامها القوي بالتصدي للإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين في ليبيا وفي العالم أجمع، وذلك من خلال إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في جميع التهديدات والاعتداءات وجرائم القتل التي تستهدفهم في ليبيا وفي العالم.
كما عملت على إعداد وتنفيذ برامج بناء القدرات المستهدفة حول السلامة الجسدية والنفسية، إلى السلامة الرقمية، والحماية القانونية للصحافيين وتعزيز حملات التوعية بشأن سلامتهم، بالإضافة إلى إصدار قانون شامل ينظم الإعلام في ليبيا بما يتوافق مع الإعلان الدستوري المؤقت، والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها ليبيا، وتعزيز التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام من خلال التوقيع على مدونة السلوك المهني الإعلامي والالتزام بها وصولا إلى تنفيذ ما جاء بالمنشور رقم 8 لسنة 2021 الصادر عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، والمتعلق بحرية الصحافة ومنع استهداف واعتقال الصحافيين، وضمان حمايتهم من المخاطر أثناء أداء عملهم.
ورغم تراجع منسوب جرائم القتل ضد الصحافيين، إلا أن اضطهادهم ماديا ومعنويا لا يزال قائما وبشدة سواء من قبل سلطات طرابلس أو بنغازي، حيث تمر البلاد بأوضاع أقرب ما تكون إلى الممارسات الدكتاتورية. ووفق تقرير عام 2022 لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، تراجعت ليبيا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة من المرتبة 164 في عام 2021 إلى المرتبة 167 في عام 2022، حيث حصلت على مؤشر حرية الصحافة لعام 2022 بنسبة 65 من 100 وهذا يدل على وضع يقع بين “منتصف ضعيف” و”سيء”.
وفي محاولة لتفسير الحالة والبحث عن حلول للأزمة، عقدت الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي بالتعاون مع الهيئة العامة للصحافة مؤتمرا حول مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، حيث ناقش المشاركون في مداخلاتهم دور هيئة الرصد والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام في مكافحة الإفلات من العقاب، وقدموا توصيات طالبوا فيها الجهات الحكومية والسلطات التشريعية بضرورة تفعيل القوانين التي تمنح الحصانة للصحافيين، وإصدار قرارات تضمن سهولة النفاذ إلى المعلومة، وعدم التضييق على الصحافيين أثناء ممارسة أعمالهم وتغطيتهم الميدانية للأحداث.
ووفق تقرير وثائقي بعنوان “جرائم حبر” أنتجته الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي، فإن أكثر من 30 صحافيا في ليبيا تعرضوا للقتل أو الاغتيال منذ العام 2011 وحتى العام 2023، وبالرغم من مرور 12 عاما على أحداث السابع عشر من فبراير 2011 فإنه لم تتم محاسبة المسؤولين في كل الحالات، أو حتى التحقيق في الجرائم أو إدانتها.
عادة ما توثق الجرائم ضد ميليشيات مجهولة وحتى إن عُرفت لا تستطيع السلطات الوقوف أمام سطوة الجماعات المسلحة ذات التوجهات الأيديولوجية الراديكالية أو القبلية
ويشير مراقبون إلى أن أجهزة البحث الجنائي التابعة لمكتب النائب العام نجحت خلال الفترة الماضية في القبض على العشرات من الجناة المتورطين في جرائم قتل طالت مواطنين عاديين في فترة الانفلات التي سادت بعد أحداث 2011، لكن لم يتم إلى حد الآن الحديث عن التوصل إلى قتلة الصحافيين سواء في طرابلس أو بنغازي أو سبها.
وكان المركز الليبي لحريـة الصـحافة قد اعتبر أن الجرائم المرتكبة بحق الصحافيين والمدونين لا تزال في تصاعد مستمر وسط حالة الإفلات من العقاب نتيجة انهيار الأجهزة الأمنية والقضائية التي عجزت عن ملاحقة الجناة، وعادة ما توثق الجرائم ضدّ ميليشيات مجهولة الهوية وحتى إن عرفت لا تسطيع الأجهزة الوقوف أمام سطوة وهمجية الجماعات المسلحة ذات التوجهات الأيديولوجية الراديكالية أو القبلية أو الجماعات الانتهازية المسيسة.
وجدد عدد من منظمات المجتمع المدني الدعوة إلى إنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين في ليبيا والتي مرت دون محاسبة مرتكبيها، مؤكدة على التزامها القوي بالتصدي للإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين في ليبيا.
ودعت المنظمات في بيان لها بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين الذي يوافق الثاني من نوفمبر من كل عام جميع الجهات المعنية، بما في ذلك الحكومة والسلطات الأمنية والقضائية، إلى اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لضمان حماية حقوق الصحافيين وتحقيق العدالة.
رغم تراجع منسوب جرائم القتل ضد الصحافيين، إلا أن اضطهادهم ماديا ومعنويا لا يزال قائما وبشدة سواء من قبل سلطات طرابلس أو بنغازي
وشددت المنظمات على ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في جميع التهديدات والاعتداءات وجرائم القتل التي تستهدف الصحافيين في ليبيا، وإصدار قانون جديد ينظم قطاع الإعلام في ليبيا يكفل حق الوصول إلى المعلومة وإلغاء القوانين والممارسات التي تعوق حرية الصحافة.
ودعت إلى اتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة ثقافة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين في ليبيا، وعلى تنفيذ المنشور رقم (8) لسنة 2021 الصادر عن حكومة الوحدة الوطنية والمتعلق بحرية الصحافة، ومنع استهداف واعتقال الصحافيين وضمان حمايتهم من المخاطر أثناء أداء عملهم وحقهم في حماية مصادر المعلومات.
وأشارت إلى ضرورة تفعيل نيابة الصحافة للقيام بدورها في ملاحقة مرتكبي جرائم خطاب الكراهية والتحريض والتي تعد من أهم أسباب جرائم قتل واستهداف الصحافيين في ليبيا.
من جانبها، دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا السلطات إلى التحقيق الكامل في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين والإعلاميين ومقاضاة مرتكبيها، مشددة على ضرورة حمايتهم بوصفهم حماة أساسيين لحرية التعبير عن الرأي.
واستذكرت الصحافيين الشجعان في ليبيا الذين كانوا ضحية خطاب الكراهية أو الضرب أو الاعتقال أو الاختطاف أو الاختفاء أو القتل بسبب عملهم، مؤكدة حق الناس في الوصول إلى المعلومات، مردفة أنه في عامي 2021 و2022 تم اختطاف واختفاء ثلاثة صحافيين على الأقل في ليبيا بين 36 يوما و10 أشهر، حيث تعرض ثلاثة آخرون بينهم امرأة، للاعتداء على أيدي مسلحين أثناء إجراء مقابلات علنية ولم يتم تقديم أي من الجناة إلى العدالة.
ويشير متابعون للوضع العام في ليبيا إلى أن الصحافي الليبي لا يزال يواجه تهديدات جدية لسلامته الشخصية والاجتماعية ولمورد رزقه من قبل من يسعون لممارسة كل أشكال الضغط المادي والمعنوي عليه، ليكون بين مطرقة التهميش وسندان التدجين، وهو في كل الحالات ممنوع من التعبير عن موقفه السياسي بحرية. لكن يمكنه بالمقابل أن ينتقد سلطات الجنرال خليفة حفتر إذا كان في مناطق نفوذ حكومة الدبيبة، ويمكنه أن ينتقد سلطات الأخير إن كان في مناطق نفوذ الجنرال حفتر.