جهود حكومية لإنجاح الانتخابات العراقية واستعدادات حزبية مبكرة لجني ثمارها

تحصين الانتخابات من الفشل إجرائيا دون ضمان تحقيق التغيير من خلالها.
الجمعة 2020/12/04
الانتخابات العراقية تجديد دوري للخيبات

جهود رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تتسارع لتحصين الانتخابات النيابية المبكّرة من إمكانية الإلغاء أو التأجيل، ولتوفير مستلزمات نجاحها إجرائيا، لكن ما لا يستطيع الكاظمي ضمانه هو نجاح تلك الانتخابات في تحقيق هدفها الذي أقرّت من أجله والمتمثّل في إحداث التغيير المطلوب جماهيريا وفتح عهد جديد من الإصلاح وإخراج العراق من أوضاعه السيئة. ذلك أنّ الظروف التي أوصلت الطبقة السياسية الفاسدة إلى سدّة الحكم، رغم الرفض الشعبي لها، ما تزال قائمة ومهيأة لإعادتها إليها من خلال انتخابات يونيو المقبل.

بغداد - كشفت مصادر سياسية في العاصمة العراقية بغداد عن توصل القوى الشيعية والكردية والسنيّة الرئيسية إلى اتفاق غير معلن ينص على التزام جميع الأطراف بإجراء الانتخابات المبكرة العام القادم، مع إمكانية إرجائها بضعة أشهر عن الموعد المقرّر.

وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أعلن في يوليو الماضي أن الانتخابات المبكرة التي طالب بها المحتجون طيلة شهور ستجرى في السادس من يونيو 2021.

لكن موعد الانتخابات الذي حدده الكاظمي بقي محاطا بحالة من عدم اليقين بسبب ضبابية الوضع السياسي وعدم قدرة الأحزاب على بناء تصورات واضحة عن مستقبلها في حال أجري الاقتراع في الموعد الذي حدده رئيس الحكومة.

وشهدت الأسابيع القليلة الماضية العديد من التطورات التي ساعدت الأحزاب السياسية على حسم أمرها، وفي مقدمتها تفكيك مخيم اعتصام المحتجين في وسط بغداد، والاشتباك العلني بين أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر والمتظاهرين في مدينة الناصرية جنوبي العراق.

وبلغت هذه التطورات ذروتها عندما تخلّى الصدر عن دعواته السابقة إلى تجاوز الطائفية وإرساء منظومة سياسية عابرة للطوائف، حيث دعا الأحزاب الشيعية حصرا إلى تنسيق مواقفها على المستوى المذهبي قبيل الانتخابات.

وتظهر العديد من المؤشرات أن الأحزاب الشيعية على الأقل أيقنت أن الانتخابات ستجرى العام القادم، ولكن ليس في الموعد الذي يريده الكاظمي على وجه الخصوص.

وكثّف رئيس الوزراء خلال الأيام الماضية من حراكه المتعلق بالانتخابات، محفزا المؤشرات السياسية بشأن ثبوت إجرائها في غضون أشهر، حيث زار الاثنين مقر المفوضية العليا المستقلة للانتخابات واطّلع على “مجريات الاستعدادات التي اتخذتها لتأمين إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر في السادس من يونيو القادم”.

كما تابع “مجريات جهود المفوضية في السعي لتذليل كل المعوقات التي قد تواجه العملية الانتخابية، ووجه الأجهزة الحكومية المعنية بتذليل هذه العقبات قدر تعلّق الأمر بها”، مشددا على “أهمية إقرار مجلس النواب قانون تمويل الانتخابات لأجل إتاحة الوقت الكافي أمام المفوضية لإتمام الجوانب الفنية والتنفيذية وإنجاحها”.

حاجة الأحزاب الشيعية للمزيد من الوقت لتنظيم صفوفها بعد ما تعرضت له من ضغوط شعبية خلال الانتفاضة الأخيرة

وأكد الكاظمي “أهمية أن توافق الإجراءات المرافقة للعملية الانتخابية القانون لتأمين نجاحها وللحفاظ على نزاهتها ولأجل أن تكون العملية الانتخابية القادمة معبّرا حقيقيا عن إرادة الشعب العراقي واختياراته”.

وخلال اجتماع مجلس الوزراء الثلاثاء أكد الكاظمي “إصرار الحكومة وحرصها على المضي قدما لإقامة الانتخابات في موعدها وضمان نجاحها”، موجّها “الوزارات كافة بتذليل كل العقبات أمام احتياجات مفوضية الانتخابات وتجنيبها البيروقراطية والروتين ودعم جهدها لإنجاح عملها”.

وتقول مصادر سياسية رفيعة لـ“العرب” إن “الموعد الذي حدده الكاظمي، وهو السادس من يونيو 2021 ليس واقعيا، لأن العراقيين لن يخرجوا إلى الانتخابات في درجات حرارة تقارب الـ50 مئوية”.

وتضيف المصادر أن الأيام الماضية شهدت العديد من اللقاءات بين ممثلي الأحزاب الشيعية البارزة لحسم الجدل بشأن موعد الانتخابات، موضحة أن العديد من الأحزاب ترى أن شهر أكتوبر من العام القادم هو موعد مثالي لإجراء الاقتراع العام.

وتشعر العديد من الأحزاب الشيعية أنها بحاجة إلى المزيد من الوقت لتنظيم صفوفها بعدما أجبرتها الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي اندلعت في أكتوبر 2019 على تجميد الكثير من أنشطتها السياسية والانسحاب من الشارع. لكن الفرصة تبدو مؤاتية الآن لتجديد العهود بالرغم من الشكوك الكبيرة التي تحيط بمستقبل جميع الأحزاب الشيعية التقليدية لجهة عدم رغبة الجمهور في التصويت لها مجددا.

ويقول مراقبون إن الأحزاب التقليدية ستبدأ في غضون أسابيع قليلة عملية جس نبض للشارع، استعدادا لتجهيز خطاب يتماشى ورغباته على المستوى الشكلي ومن أجل أهداف انتخابية صرفة.

وسبق زعيم التيار الصدري جميع خصومه ومنافسيه السياسيين إلى ذلك مطلقا ما يشبه الحملة الانتخابية السابقة لأوانها، عبر فتحه مجال الجدل والضجيج الاعلامي بإعلانه التراجع عن قراره السابق بعدم إشراك تياره في الانتخابات، مؤكّدا نيته المشاركة، ومُعليا سقف هدفه من ذلك إلى الحصول على الأغلبية في البرلمان المقبل حتى يتمكّن التيار من تشكيل الحكومة وإنجاز “الإصلاحات” التي يريدها الصدر.

ولم يكتف بذلك بل بادر إلى إخراج أنصاره في مظاهرات حاشدة ببغداد وعدد من مدن جنوب البلاد في عملية استعراض للقوة الجماهيرية، لكن العملية انتهت إلى مجزرة راح ضحيتها سبعة أشخاص وجرح فيها العشرات، وذلك عندما اصطدم أنصار الزعيم الشيعي بشبان معتصمين في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار ينتمون إلى الحراك الاحتجاجي الذي أصبح معروفا بانتفاضة أكتوبر في إشارة إلى حركة الاحتجاج غير المسبوقة التي انطلقت في الشهر نفسه من سنة 2019 وكانت سببا في سقوط حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي وإقرار إجراء انتخابات مبكّرة لإعادة تشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية المتهمتين من قبل الشارع بالفساد والفشل في إدارة شؤون الدولة وبالمسؤولية عما آلت إليه أوضاع البلاد من سوء بالغ على مختلف الصعد.

وجاءت أحداث الناصرية كأوّل مؤشّر على شراسة المعركة التي ستخاض على السلطة عبر الانتخابات المبكّرة من قبل أحزاب وتيارات سياسية لا توفّر أي وسيلة لنيل حصّتها من السلطة ومغانمها، وأيضا للحفاظ على مكاسب سابقة خصوصا بالنسبة للقوى الرئيسية التي قادت البلاد منذ أكثر من سبعة عشر عاما.

ويُروَّج للانتخابات القادمة في العراق باعتبارها مناسبة للتغيير ووسيلة لإيجاد سلطة جديدة مستجيبة لرغبات الشارع في الإصلاح، لكنّ الكثير من العراقيين ينظرون إليها بعدم اكتراث معتبرين أنّ الأحزاب ستعيد تدوير نفسها من خلال صناديق الاقتراع وإنْ عن طريق وجوه جديدة، وأنّ تلك القوى لن تتنازل عن السلطة مهما كلّفها الأمر.

3