جهل ثقافي يقود إلى بيع تراث المشاهير على الأرصفة في مصر

ثلاثون عاما ومازالت وزارة الثقافة عاجزة عن تأسيس متحف الفن المصري.
الثلاثاء 2022/09/13
إرث مهمل وذاكرة لا يقدر قيمتها الأبناء

من حين إلى آخر يثير الجدل ورثة الأدباء والفنانين بتفريطهم في المقتنيات التي ورثوها عنهم، بما فيها مكتبات وأرشيفات وأعمال فنية وغيرها مما يمثل ذاكرة فنية وثقافية حية. وأخيرا تسبب عرض مقتنيات للفنان نور الشريف للبيع، ومن قبله مقتنيات لفنانين وكتاب ومبدعين كثيرين جدلا واسعا حول ضرورة تدخل الدولة العاجل لحماية هذا الإرث الثقافي.

القاهرة – طرحت صور جرى تداولها تخص مقتنيات الفنان المصري الراحل نور الشريف على أرصفة سوق بيع “الانتيكات” أو التحف مجموعة من التساؤلات حول الجهات المسؤولة عن الحفاظ على تراث الفنانين والمشاهير الذين شكلوا قوة ناعمة مدت الحياة الفنية والثقافية بأنواع مختلفة من الثراء، ما يهدد بفقدان الكثير من الأعمال التاريخية التي شكلت وجدان أجيال مصرية وعربية عديدة.

إرث فني مهمل

تبرأت الجهات ذات الصلة بالحفاظ على مقتنيات الفنان نور الشريف من تهمة الإهمال، ونفت أسرته قيامها ببيع مقتنيات تخصه باستثناء ملابسه التي تبرعت بها.

أخلت مكتبة الإسكندرية التي حصلت على مكتبة الفنان الراحل للاحتفاظ بها صلتها بصور متداولة تتعلق ببعض مقتنياته، وأصدرت بيانا حوى رصدا لما تسلمته من أسرته وما هو موجود بين جدرانها من كتب ووثائق.

ياسر صادق: أبناء الفنانين يتركون مقتنيات آبائهم لأحفاد يجهلون قيمتها

وذهبت وزارة الثقافة للتأكيد أنه ليست لديها صلة بمقتنيات الفنان الراحل وأنها ستتدخل في الأزمة حال طلب أسرته ذلك، وهو ما لم يحدث، ولا تزال الحقيقة ضائعة بين أكثر من جهة، واجبها أن تحافظ على تراث المشاهير الراحلين دون حاجة لدعوة.

وتداولت صفحات مختصة بعرض الصور والمجلات القديمة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك صورا لمتعلقات شخصية ومقتنيات نادرة من مكتبة الراحل نور الشريف وعرضتها للبيع، وتضمنت 10 بكرات أصلية من فيلم “زمن حاتم زهران” الذي قام ببطولته، وعدة شرائط كان الراحل سجل عليها مواد فيلمية عن غزو الولايات المتحدة لدولة العراق عام 2003، ومقتنيات شخصية لأسطوانات طربية نادرة.

وكشفت قضية مقتنيات الفنان المصري الذي رحل قبل ست سنوات عن أن وزارة الثقافة كجهة حكومية يحق لها الحفاظ على التراث الثقافي ليست لديها خطة واضحة لضمان عدم تكرار الواقعة، وهناك فجوة واضحة بينها وبين ورثة الفنانين، وتترك المهمة لهم لتحديد طريقة التعامل مع مقتنيات ذويهم بالتبرع لجهات حكومية تتولى مهمة الاحتفاظ بالمقتنيات أو بيعها في مزادات تعود بالاستفادة على البعض منهم.

ولم تتحرك وزارة الثقافة للانتهاء من تدشين متحف نجوم الفن المصري الذي جرى تأسيس إدارة خاصة به تتبع المركز القومي للمسرح والموسيقى والغناء والفنون الشعبية التابع لوزارة الثقافة منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وبعد الانتهاء من إنشاء المرحلة الأولى ضم المتحف مقتنيات بسيطة لعدد من الفنانين والمطربين.

ودفعت الواقعة الأخيرة وزارة الثقافة للتحرك مجدداً كي تعلن عن افتتاح المرحلة الثانية خلال الفترة المقبلة دون أن تحدد موعدا نهائيا أو تشير إلى طريقة التجهيز وأسباب التراخي طوال الفترة الماضية.

محمد عبدالباسط: وزارة الثقافة مسؤولة عن حماية تراث النجوم ومقتنياتهم

ويقول رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقي ياسر صادق إن تأسيس إدارة لمتحف الفنانين تتبع المركز لم يكن كافيا لتحويله إلى متحف يضم مقتنياتهم، وإن محاولات التدشين الرسمي استمرت فترة طويلة مع ندرة المقتنيات التي جرى جمعها وفي مجملها مجموعة من الصور ولم تكن كافية لافتتاحه، وأن الوضع استمر على هذا النمط قبل صدور تكليف رسمي من وزيرة الثقافة السابقة إيناس عبدالدايم للتحرك نحو افتتاحه بشكل رسمي.

ويضيف في تصريح لـ”العرب” أن المركز دشن بعض الأجنحة في المسارح القومية لعرض مقتنيات الفنانين والصور التراثية على خشبة المسرح، لا تكفي وحدها، وتتم دراسة ضمها إلى مشروع متحف نجوم الفن المصري مع كثرة المقتنيات وتكديسها وحاجتها لتكون ضمن عرض متحفي بشكل علمي وتقني يحافظ عليها، وبانتظار زيارة وشيكة لوزيرة الثقافة نيفين الكيلاني استعدادا لافتتاح المرحلة الثانية من المتحف.

وأوضح أن إدارة المتحف وقعت على بروتوكول تعاون مع جمعية “أبناء فناني مصر” لمده بالمقتنيات والوثائق لعرضها بالمتحف، لافتا إلى مشكلة يواجهها ترتبط بعدم رغبة بعض أبناء الفنانين تركها، بالتالي فإنها تورث لأحفاد لا يدركون قيمتها على الأغلب ويجري تسريبها إلى بائعي “الروبابيكيا” أو المقتنيات القديمة، وهناك مساع لإقناعهم بأنها تمثل ذاكرة الفن وسيتم وضعها في أول متحف متخصص في ذلك.

وتأسست “جمعية أبناء فنانى مصر” في العام 2017، بهدف حماية حقوق الملكية الفكرية لفناني الأداء، وحماية التراث السينمائي المصري، ويرأسها ماضي توفيق ابن الفنان الراحل توفيق الدقن، وتضم 600 من أبناء الفنانين.

وتحصل وزارة الثقافة على مقتنيات الفنانين دون مقابل مادي، وهو ما يجعل البعض يتجه لبيعها في مزادات تعود عليهم بمنافع مادية، وأن العديد من أبناء الفنانين ممن ليسوا نجوما في الصف الأول أو في حاجة إلى عوائد مالية يلجأون إلى المزادات التي تنتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

مقتنيات الفنانين

يجب إيجاد حلول أفضل لمكتبات الفنانين
يجب إيجاد حلول أفضل لمكتبات الفنانين

يطالب متابعون وزارة الثقافة بتقديم ما يجذب أبناء الفنانين لترك المقتنيات التي قد يجري بيعها بالآلاف من الجنيهات في ظل اتجاه الكثير من رجال الأعمال للاهتمام باقتناء الوثائق الفنية بجانب العروض الخارجية التي تصل لأبناء الفنانين لبيعها.

وفوجئ محبو الفنان الراحل حسن كامي قبل عام تقريبا بعرض بعض مقتنياته الشخصية، بينها فكرة مشروع لتطوير دار الأوبرا المصرية، وخطة لاجتذاب السياح وتقديم عروض أوبرالية عالمية في عدد من الأماكن الأثرية، فضلا عن صور له ولأعماله، معروضة للبيع في مزاد على صفحة بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وعرضت مقتنيات تخص الفنان الراحل أحمد زكي للبيع بعد وفاة ابنه هيثم أحمد زكي، وعدم وجود وريث له، تضمنت مكتبته بكل ما تحتويه من أوراق وصور وأفيشات أفلامه، وهو ما تكرر مع مدير التصوير الراحل رمسيس مرزوق الذي وجدت بعض مقتنياته لدى بائع متجول، كذلك مكتبة الناقد الراحل سمير فريد.

ويؤكد الكاتب والناقد الأدبي محمد عبدالباسط عيد أن وزارة الثقافة مسؤولة عن حماية تراث نجوم الصف الأول من الفنانين، وتعد مقتنياتهم من أشكال الوجود الفني، عبر التوسع في المتاحف الشخصية ووضعها في إطار مشروع قومي أو متحف ضخم يجسد التراث الفني المصري.

ويشدد في تصريح لـ”العرب” على أن الأدوات التي استخدمها فنانون في أعمالهم الإبداعية تشكل جزءا من الوعي وتعبر عن تطور الفن المصري وتسهم في التعرف على كيفية الارتقاء به وضرورة وجود بيت فني لعرض المقتنيات وإتاحتها للجمهور والباحثين.

الأدوات التي استخدمها فنانون في أعمالهم الإبداعية تشكل جزءا من الوعي وتعبر عن تطور الفن المصري وتاريخه

ويعتبر حالة الجدل التي تتم إثارتها مع عرض بعض المقتنيات الخاصة بالفنانين من حين لآخر في غير محلها، يبرهن على أن هناك وعيا ثقافيا بأهميتها، وأن إنشاء المتحف والترويج له يجعل هذا الاهتمام عاما بما يقلل من إمكانية تبديدها.

ويطالب العديد من النقاد وزارة الثقافة بالتواصل بشكل مباشر مع ورثة الفنانين لأن هناك عددا هائلا من المقتنيات التي يحتفظ بها هؤلاء دون الاستفادة منها وبقاءها سنوات طويلة عقب رحيلهم يجعلها حقا معرفيا لأجيال مقبلة بحاجة للمزيد من التوعية برموز الفن وتطوراته التاريخية، ويضرب هؤلاء المثل بمقتنيات الفنانة الراحلة سعاد حسني.

وتتفرق مقتنيات الفنانين المصريين الراحلين بين متاحف أشرف عليها ورثتهم للاحتفاظ بها بالمشاركة مع جهات حكومية، وأخرى ظلت كما هي بانتظار التصرف فيها عقب وفاة الأبناء، وثالثة يجري بيعها في مزادات علنية، ورابعة لا يقدر قيمتها الورثة لتصل إلى بائعين متخصصين في شراء المقتنيات القديمة، ويقدم آخرون على اللجوء لمكتبة الإسكندرية للاحتفاظ بها وعرضها في القسم المعروف بـ”العرض المتحفي”.

ويتكون هذا القسم الذي يقصده الزوار بشكل مكثف من قاعة العرض المتحفي التي تقع في قلب مكتبة الإسكندرية، ويعرض به نفائس المخطوطات والكتب النادرة وغيرها من مقتنيات المكتبة المهمة، ومنها مقتنيات لفنانين وكتاب وأدباء كبار.

وتضم مكتبة الإسكندرية عددا من الإهداءات الخاصة لها من كبار الأدباء والسياسيين والعلماء والفنانين المصريين، أبرزهم الرئيسان جمال عبدالناصر ومحمد أنور السادات، والكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل، والفنان يوسف وهبي، ومقتنيات المخرج شادي عبدالسلام، فضلا عن نور الشريف.

إرث

14