جميلة الماجري: يكتبون الخواطر ويسمونها قصيدة نثر

القيروان هي مدينة “الشعر والشعراء” كما تحبّ مديرة بيت الشعر بالقيروان جميلة الماجري أن تقول. وكانت بالفعل كذلك في العصور القديمة، منذ العهد الأغلبي إلى اليوم.
وعلى مدى الأشهر الماضية، شهد بيت الشعر بالقيروان، نشاطات ثقافية، وشعرية كثيرة، مستقبلا شعراء ونقادا وباحثين ومترجمين، كما أنه يتهيأ للاحتفال بمرور عام على تأسيسه برعاية من الإمارات العربية المتحدة حيث تأسّس في إطار مبادرة سلطان بن محمّد القاسمي حاكم الشارقة المتمثّلة في قراره بعث بيوت للشعر في البلدان العربيّة. وقد تمّ إلى حدّ الآن فتح خمسة بيوت في بحر سنة وهي حسب الترتيب: مدينة المفرق بالأردن..ونواق الشطّ موريتانيا، والأقصر مصر والقيروان، وتطوان بالمغرب الأقصى. وتثمن جميلة الماجري هذه المبادرة لأنها توثّق العلاقات الثقافيّة بين مختلف البلدان العربية، وتوفر لأحباء الشعر فضاءات يتمكنون فيها من الاستماع إلى أصوات شعريّة من مختلف التيارات. كما أنها تعتبرها تكريما للشعر العربي في فترة بات يعاني فيها من الإهمال، والتهميش، وسلبيات أخرى.
بيت الشعر
تلفت مديرة بيت الشعر القيرواني إلى أنهم قدموا نشاطا مكثّفا، حيث في أقلّ من سنة على تأسيسه، قدموا أكثر من عشرين أمسية شعريّة، حضر فيها أكثر من أربعين شاعرا تونسيا، ومن الشعراء العرب 19 شاعرا من مصر وفلسطين والجزائر والمغرب. وكانت مواكبة العديد من وسائل الإعلام الورقية والمسموعة والتلفزيونية طيّبة، كما تقول.
وتؤكد الماجري أن بيت الشعر حقق إشعاعا جعله مقصد العديد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والثقافية من تونس وخارجها، مثل وزيرة الثقافة التونسية السابقة، سنية مبارك، وأحد مستشاري سفارة الإمارات بتونس، وأخيرا سفيرة كندا بتونس. كما نظّم البيت ندوتين نقديّتين حول مداخل قراءة الشعر وحول الشعر وإشكاليات الترجمة، هذا إلى جانب ما حقّقه البيت من اكتساب جمهور كبير من الأوفياء الذين يواظبون على حضور أنشطته. فبيت الشعر، الواقع في قلب مدينة القيروان العتيقة بات مقصد أحباء الشعر، وهذا أمر إيجابي للغاية في فترة يحاول المتطرفون، وأعداء الشعر والشعراء، جعل هذه المدينة فضاء لثقافة الموت التي يعملون على نشرها وترويجها، كما تقول ضيفتنا.
بيت الشعر مفتوح لجميع الشعراء من مختلف التيارات فلا تمييز بينهم ولا إقصاء، ولا تهميش، ولا مفاضلة
وتشير جميلة الماجري إلى أنه ليس هناك أيّ تدخّل من جانب الشارقة في ما يبرمجونه ويقدّمونه من أنشطة في بيت الشعر على عكس ما يعتقده البعض، إذ ترى أن هدف حاكم الشارقة، وهو شاعر محبّ للشعر، وهدف دائرة الثقافة بالشارقة، من خلال تأسيس هذا البيت، هو الارتقاء بالشعر العربي وتطويره والحفاظ عليه كثروة ثقافيّة برمزيته وتاريخه، وتمكين الشعراء من فضاءات تجمعهم وتمكنهم من التلاقي، والاطلاع على تجارب بعضهم البعض، واعتبار الحفاظ على الشعر العربيّ حفاظا على اللغة العربية والهويّة. وهي بذلك تحرص على أن تعمل على تجسيم الأهداف السامية لهذه المبادرة الثقافية الرائعة وفاء منها للشعر التونسي، والعربي، والعالمي أيضا.
وتقول الماجري “تونس بلد متوسطي، له صلات حضارية وثيقة مع بلدان متوسطية أخرى مثل إيطاليا، وفرنسا، وأسبانيا، وتركيا، ومالطا… وسيسعى بيت الشعر بالقيروان لاستضافة شعراء من هذه البلدان، والتعريف بتجاربهم إن توفرت الإمكانيات لذلك. أفليس الشعر من أفضل الوسائل لتعميق الحوار بين الشعوب، والثقافات في هذا الزمن الموسوم بالعنف والتوترات والنزاعات الخطيرة؟”.
وفي القيروان، يقيم شعراء مهمون من أمثال المنصف الوهايبي ومحمد الغزي وبشير القهواجي وحسن القهواجي، وعن كيفية تعامل بيت الشعر معهم، تجيب الماجري أن بيت الشعر قد سعى إلى أن يكون بيتا لكلّ الشعراء، وأن يعطي فرصا لشعراء المدينة، ولكلّ شعراء تونس، للمشاركة وأن ينفتح على كلّ التّيارات. وبالنسبة إلى شعراء القيروان الذين لهم شهرة عربية مثل الشاعرين منصف الوهايبي ومحمّد الغزّي، فقد كانت لكلّ منهما أمسية فرديّة مرفوقة بتقديم دراسة حول تجربة كلّ منهما، كذلك الشأن بالنسبة إلى بقيّة شعراء تونس أصحاب التجارب الجادّة والمتميّزة. وعلى العموم، يمكنني أن أقول إن بيت الشعر مفتوح لجميع الشعراء من مختلف التيارات. فلا تمييز بينهم، ولا إقصاء، ولا تهميش، ولا مفاضلة”.
تردي ما بعد الثورة
وحول نظرتها إلى المشهد الثقافي والشعري التونسي راهنا، ترى جميلة الماجري أن المشهد الثقافي عموما والشعري تحديدا منذ خمس سنوات يتسم بالركود والكثير من الضعف في ما ينشر، وانحدار في التردّي مقارنة بما كان عليه من حركية وتجارب جادّة كانت سائرة في حركية تطوّر متصاعدة. وترى أن المشهد عانى من توقّف ملتقيات ومهرجانات عديدة، كما أهمل مشروع مدينة الثقافة الذي كان بالإمكان أن يخدم الثقافة التونسية بمختلف تعبيراتها. أمّا ما نراه من إنتاجات شعريّة فلا تتردّد الماجري في القول إنّه ضعيف مقابل ما يدّعيه أصحابه من ثوريّة وما تحتوي عليه الكلمة من معان مفجّرة للإبداع، لكنّنا لا نظفر بنصّ شعريّ واحد يخرج عن المألوف وينتشر وتتغنّى به الجماهير كما هو الشأن في ما عرفناه عبر تاريخ الأداب من أشعار كانت وليدة للثورات مثلما هو الحال لدى شعراء تونس في ثورتهم على المستعمر أو أشعار المقاومة الفلسطينيّة، أو غيرها من الثورات.
بيت الشعر القيرواني قدم أكثر من عشرين أمسية شعرية، حضرها عدد من الشعراء من تونس وخارجها
على عكس ما كان منتظرا، شهدت الثقافة التونسية في الفترة التي تلت انهيار نظام بن علي، انتكاسات على مستويات متعددة، وبدورها تلفت مديرة بيت الشعر بالقيروان إلى أنه من المفروض أنّ الثورات لا بدّ أن يصحبها مشروع ثقافي يدعمها ويروّج لها، لكن ما حدث كان عكس ذلك كما تقول. وتشير إلى أنه تمّ تراجع في ميزانية وزارة الثقافة، كما حدث تراجع كبير في شراءات الكتب ودعم النشر، وتوقفت عديد التظاهرات وحذفت اللجان الثقافية في الجهات ممّا عطّل النشاط الثقافي، وقلّص منه. وكل ما نأمله، هو أن تهتم وزارة الثقافة بإعادة الاعتبار للثقافة التي من دونها لا يمكن بناء وتأسيس مجتمع جديد، تحترم فيه حرية الإنسان وكرامته.
لا تزال جميلة الماجري محافظة على كتابة القصيدة التقليدية الموزونة، لكنها ترى أن تمسّك الشاعر اليوم بالوزن الخليليّ لا يعني أنّه تقليدي بما تنطوي عليه الكلمة من معان سلبيّة تظلم نصوصا حديثة بمختلف تجلّيات الحداثة. وأما عن رأيها في قصيدة النثر، فتقول عنها إنها منتشرة لكنّها ليست مهيمنة إذ أن هناك عودة قويّة للوزن والقصائد المنبريّة وذلك بسبب كثرة المتطفّلين ومدّعي الشعر والشباب الذين يأتون من العدم، من دون أن يتشبّعوا بقراءة الشعر والاطّلاع على مختلف التجارب عبر تاريخ الشعر، بل هم يأتون من الجهل التّام بالكتابة، وينطلقون في كتابة خواطر مراهقة مدّعين أنّها شعر باسم قصيدة النثر.
وتصرح الماجري أنه في برمجة بيت الشعر المستقبليّة، هناك طموحات كبيرة بتشجيع ودفع من حاكم الشارقة صاحب المبادرة الذي دعاها في مقابلتها معه بمناسبة ملتقى الشعر العربي بالشارقة، إلى العمل على انفتاح البيت على الفنون الأخرى إلى جانب الشعر مثل الفنون التشكيلية والمسرح والموسيقى وقد بدأوا في تنفيذ هذا البرنامج. كما تثمّن الماجري دعم دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة لنشاطها، حيث انطلقت في إحداث حركة ترجمة، وشرعت في عمل تدريب اليافعين من تلاميذ الابتدائيّ والإعداديّ والثانوي على حفظ نصوص من عيون الشعر العربيّ وإلقائها، لتمتين العلاقة بين الجيل الصاعد وتراثه الشعريّ.