جلال برجس: أملي أن تحدث الرواية التغيير

الروائي الأردني جلال برجس يرى أنه من المؤسف أن حرية الكائن الإنساني ليست متوفرة بشكل حقيقي في العالم العربي.
الاثنين 2021/11/08
هل يمكن في المستقبل أن يلعب الصقر مع الحمام

الشارقة - من عالم هندسة الطيران إلى عالم الأدب ومن الشعر إلى الرواية، ومن العالم العربي إلى بقية البلدان الغربية يحلّق الشاعر والروائي الأردني جلال برجس في سماء العالمية بفضل تتويجه بالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر العربية” هذا العام عن روايته “دفاتر الوراق”، هذه الجائزة التي تهدي لصاحبها فرصة ترجمة عمله من العربية إلى الإنجليزية وطباعتها ونشرها لتصل بلغة شكسبير إلى القراء في مختلف بلدان العالم.

عن هذه الرواية وغيرها من المواضيع المتعلقة بالثقافة والمثقفين والأوضاع الراهنة في العالم العربي يتحدث جلال برجس في حوار معه على هامش مشاركته في الدورة الأربعين لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، كاشفا خلاله أنه سيحل ضيفا على تونس الأسبوع المقبل ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب، معبرا عن سعادته بهذه الزيارة التي ستوفر له فرصة اللقاء مع القراء والمبدعين التونسيين. كما يذكر أنه وقع منذ بضعة أيام عقدا سيتم بموجبه تحويل الرواية إلى عمل درامي تشارك فيه نخبة من أهم الممثلين النجوم في العالم العربي.

أي واقع عربي نعيشه اليوم

ويشدّد برجس على أنه في هذه المرحلة من التشتت الذي نعيشه في العالم العربي، نحن في حاجة اليوم إلى أن يكون المثقف الضمير الحقيقي للمجتمع وليس هناك ضمير أكثر صدقا في مقاربة الواقع اليومي والأزمات أكثر من ضمير الكاتب، فكشك الورّاق هو معادل رمزي لحال الثقافة العربية.وفي سؤال عن انطلاق روايته “دفاتر الوراق” من وضعية صاحب الكشك هذا “الورّاق” الذي هدم لتعويضه بمركز تجاري، يتناول وضعية المثقفين اليوم أو الكتاب الورقي عموما ليصل إلى مسألة أشمل تتعلق باستغلال النفوذ من جهة وأوضاع المهمّشين في المجتمع من جهة أخرى، ليقول “فعلا أنا انطلقت من حادثة هدم هذا الكشك في حي وسط عمان وأردتها أن تكون معادلا موضوعيا أو رمزيا لحال الثقافة في العالم العربي، التي أصبحت خارج اهتمام المؤسسات الرسمية ولا ترتقي إلى المستوى الذي يجعل الكاتب يتصدر قائمة العيش الإنساني ويأخذ حقه الطبيعي كضمير للأمة مثلما تقول المقولة التقليدية”.

وحول اختياره مهنة الوراق بالذات، يقول الكاتب “الوراقة مهنة كلاسيكية ونحن نشهد اليوم رقمنة العالم، وأنا لا أنكر ما لهذه الرقمنة من إيجابيات لكنها أيضا تحمل الكثير من السلبيات أهمها تشييء الإنسان وإزالته عن مساره الطبيعي الإنساني الآدمي ومن أخطر الأشياء أن يتحول الإنسان إلى مجرد رقم ضمن قائمة الديجيتال. وبإزالة الكشك فأنا كأني أقرع الجرس وأطلق صرخة لأتساءل ما الذي سيحدث لو أن المبنى الثقافي العربي أزيل برمته، طبعا سنشقى”.

ويضيف “ثم، من الذي أزال الكشك؟ هي الطبقة الفاسدة الموجودة في كل البلدان العربية هذه الطبقة التي ترى في الثقافة تهديدا لمصالحها الاستثمارية المتعلقة بالمال والتي لا علاقة لها بالجانب الإنساني”.

وعن تأثير ما يحصل مؤخرا من تحولات في المجتمعات العربية عليه ككاتب، يقر برجس بذلك. ويقول “كان بإمكاني أن أعود إلى التاريخ وأكتب رواية تاريخية أو أكتب عن أمور مبهجة مثل الحب والعشق وغيرها، لكنني كمراقب عن كثب لحال الشارع العربي ولحياتنا وكقارئ جيد أيضا، وجدت أنه من المناسب الآن أن أتطرق إلى وضع الإنسان العربي في هذه المرحلة التي تشهد تغوّل الفساد. فالعالم العربي يعاني من هذه الطبقة الطفيلية التي تعيش في زاوية مظلمة وتدير العالم وبالتالي نحن نغرق في أزمات كبيرة وهذا موجود في العالم العربي كله. لذلك صرنا نلاحظ للأسف موجة فيها نزوع نحو التخلص من الأوطان والتوجه نحو العيش في أوروبا وأميركا فقد بات الإنسان العربي يحلم بالفردوس ولكنه في الواقع ليس الفردوس. والسؤال لماذا لا يصبح عالمنا العربي هو الفردوس؟”.

الهجرة باتت قضية عربية بامتياز ويرى برجس أنها سوأة الواقع. فالإنسان العربي يريد أن تتوفر له على الأقل الحاجيات الإنسانية الثلاث وهي المأكل والملبس والمسكن، لكنها غير متوفرة بالشكل الكافي. والمؤسف أكثر أن حرية الكائن الإنساني ليست متوفرة بشكل حقيقي في العالم العربي.

الرواية تطرح الأسئلة ولا تقدم إجابات وبالتالي الإجابات مرتبطة بالقارئ والقارئ هو الأهم في هذه المنظومة الإنسانية

نعلم جيدا أن الرواية تطرح أسئلة أكثر من أن تقدم إجابات، وجلال برجس أراد ربما من خلال هذه الرواية أن يرمي حجرا في البرك الآسنة، يعلق الكاتب “بالطبع المتعارف عليه هو أن الرواية تطرح الأسئلة ولا تقدم إجابات وبالتالي الإجابات مرتبطة بالقارئ، والقارئ هو جزء من هذه المنظومة الإنسانية وهو العنصر الأهم فيها. لذلك فالرسالة متوجهة إلى الطرفين: القارئ الإنسان الضحية والمتأذّي من كل ما يحصل فأنا حين أطرح هذه الأسئلة أحفزه ليبحث عن إجابات مع أملي في أن تحدث الرواية التغيير”.

ويضيف “على صعيد السلطة العربية فأنا حين أضيء هذه الزوايا المعتمة فذلك لأنني أؤمن بقدرة الرواية على استشراف المستقبل بناء على العناصر المحيطة بنا، فأنا أقرع الجرس للطرفين إذ علينا أن ننتبه للمخاطر القادمة ونستعد لتجاوزها . هناك الكثير من الأحداث الكارثية التي مرت ولم نكن نتوقعها رغم توفر الكثير من العناصر التي لو تأملناها لكنا قادرين على تفادي القادم. فالعلاقة مبتورة بين الإنسان العربي والسلطة ولا ندري هل يمكن في المستقبل أن يلعب الصقر مع الحمام (مبتسما).. لا أدري، لا أظن”

13