جفاف السدود يعمق متاعب المعارضة الموالية لتركيا في شمال غرب سوريا

الإدارة الذاتية الكردية تتهم الفصائل الموالية لتركيا بعرقلة تدفق مياه نهر الفرات إلى سوريا واستخدامها كسلاح حرب.
الجمعة 2021/11/12
صراع من أجل البقاء

دويسات (سوريا) - طال الجفاف سدا رئيسيا في شمال غرب سوريا للمرة الأولى منذ إنشائه قبل نحو ثلاثة عقود، ما يضاعف معاناة المزارعين والمواطنين، في وقت تشير فيه تقارير غربية إلى أن الفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا تستخدم المياه كسلاح حرب ضد الأكراد.

وبينما تزيد عوامل التغير المناخي خطر الجفاف وحرائق الغابات في كل أنحاء العالم، واجهت سوريا تدنيا في مستوى الأمطار خلال العام الحالي، ما انعكس تراجعا في إنتاج محاصيل القمح خصوصا في شمال شرق البلاد التي تشهد تدنيا خطيرا في مستوى مياه سد الفرات.

وفي ريف إدلب الغربي جفّت مياه سدّ الدويسات في منطقة دركوش الخاضعة لسيطرة فصائل مقاتلة. وباتت البحيرة المشيّد عليها، أشبه بمستنقع صغير تحيط به أراض متشققة وأشجار يابسة وبقايا هياكل عظمية لحيوانات.

وأوضح المهندس المسؤول عن السد ماهر الحسين “إنها المرة الأولى التي تجف فيها مياه السدّ منذ بنائه في العام 1994”.

وأضاف الحسين “بسبب الجفاف وقلة الأمطار بات بإمكاننا اليوم أن نمشي سيرا على الأقدام في جسم البحيرة”، مشيرا إلى قارب كان يستخدمه السكان للتنقل بين ضفتي البحيرة، كان قد غرق فيها وعاد للظهور مؤخرا بعد جفاف مياهها.

ويفترض أن تخزن بحيرة سد الدويسات 3.6 مليون متر مكعب من المياه، وفق البنك الدولي، وتستخدم بشكل أساسي لري المنطقة الزراعية المجاورة.

ونظرا لشح الأمطار خلال الشتاء الماضي، امتلأ نصف البحيرة فقط بمياه استخدمت لإمداد شبكة الري للمزارعين، وفق الحسين الذي أفاد كذلك عن اهتراء الأنبوب الرئيسي، ما يؤدي إلى تسرّب المياه ويحول دون وصول الكميات المطلوبة إلى الأراضي الزراعية.

ويفترض أن تروي البحيرة، وفق الحسين، 1500 دونم من الأراضي وأن يستفيد منها ما بين 700 إلى 800 من عائلات المزارعين، على غرار لطفي تامر الذي يشكو تلف محصول الخضار الذي يزرعه في المنطقة.

وقال أبوجمعة أحد رعاة الأغنام الذين يترددون إلى المنطقة “نأتي إلى السد منذ عشر سنوات لتشرب من مياهه الحيوانات والأراضي، لكن اليوم جفّ وبتنا ننقل المياه بالصهاريج لكي نسقي الحيوانات”.

وتابع “إذا لم يرحمنا الله بالأمطار.. فلن تتمكّن الناس من أن تزرع أرضها بالخضار لتعيش”.

ودخلت سوريا في مرحلة حرجة، حيث تعالت الأصوات منذ فترة محذرة من خطر تراجع منسوب المياه في نهر الفرات، مما ينذر بمضاعفة أزمات البلاد التي ترزح تحت الحرب منذ سنوات، وبات عدد كبير من سكانها في حاجة ماسة إلى تأمين مياه الشرب.

Thumbnail

وتتجه أصابع الاتهام نحو تركيا التي تقول الإدارة الذاتية الكردية شمال سوريا إنها تعرقل تدفق نهر الفرات إلى سوريا، وتستخدم المياه كسلاح للضغط عليها.

واتهمت دمشق أيضا تركيا التي تدعم منذ بداية النزاع أطرافا في المعارضة السورية، بحجز مياه نهر الفرات وعدم الالتزام بالاتفاقية الموقعة في 1987 والتي تعهدت بموجبها أنقرة بأن توفر لسوريا معدلا سنويا من 500 متر مكعب في الثانية، لكن هذه الكمية انخفضت إلى أكثر من النصف خلال الأشهر الماضية، ووصلت في فترات معينة إلى 200 متر مكعب في الثانية، وفق تقنيين.

ومنذ أشهر يحذر خبراء وتقنيون ومنظمات إنسانية من كارثة في شمال سوريا وشمال شرقها حيث يمر نهر الفرات، قد تهدد سير العمل في سدوده، إذ من شأن تراجع منسوب المياه فيها منذ يناير أن يؤدي إلى انقطاع المياه والكهرباء عن الملايين من السكان، وبالتالي تفاقم معاناة شعب استنزفه نزاع دام مستمر منذ عقد، وانهيار اقتصادي حاد.

وفي المناطق المهددة بالجفاف والواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، يتهم كثر تركيا بمنع المياه واستخدامها كسلاح ضد المقاتلين الأكراد الذين تعدّهم “إرهابيين”، الأمر الذي تنفيه تركيا وتعيد أسباب الجفاف إلى التغير المناخي الذي حذرت الأمم المتحدة في تقرير حديث من أنه سيؤدي إلى كوارث “غير مسبوقة” في العالم الذي تضربه موجات حرّ وفيضانات متتالية.

وجاء في تقرير لمنظمة “باكس” الهولندية لبناء السلام أن “الجيش الوطني السوري”، الذي تنضوي فيه الفصائل الموالية لأنقرة، استحدث سدودا على نهر الخابور الذي يمر في قرى عدة في شمال شرق سوريا قبل أن يكمل جنوبا ويصب في نهر الفرات في محافظة دير الزور (شرق).

ووجد التقرير، الذي اعتمد على العمل الميداني وصور أقمار اصطناعية، أن وضع تلك الفصائل لسواتر على نهر أساسي في وقت واجهت فيه المنطقة فصل الصيف الأكثر جفافا يُعد “مثالا لا لُبس فيه على استخدام المياه كسلاح حرب”.

وأظهر التقرير أن السدود الثلاثة فاقمت تداعيات الجفاف القاسي الذي تشهده المنطقة. وأضاف أن “تأثير الحرارة الشديدة تضخّم جراء كميات أمطار محدودة، ما يعني أن لدى المجتمعات الزراعية مياها أقل من أي وقت مضى وفي أكثر وقت تحتاج إليها”.

ويورد التقرير أنه “يمكن أن يكون ذلك إجراء مدروسا تستخدمه (فصائل) ‘الجيش الوطني السوري’ بهدف تجويع السكان المدنيين والتسبّب في تهجيرهم قسرا كأسلوب من أساليب الحرب”.

ويؤكد الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش أنه حتى وإن كانت الكارثة التي تهدد شمال سوريا وشمال شرقها ناتجة عن تراجع مستوى الأمطار، فإن تركيا قادرة على الاستفادة من الأمر لمصالحها الجيوسياسية.

ويقول بالانش “خلال فترات الجفاف، تستخدم تركيا ما تحتاج من المياه وتترك الفضلات للأكراد وإن كانت على معرفة كاملة بالتداعيات”، موضّحا أن الهدف هو “خنق شمال شرق سوريا اقتصاديا”.

2