جرعة سياسية لـ"التوك شو" في مصر تقود إلى عودة وجوه إعلامية

القاهرة - عادت بعض الوجوه الإعلامية المصرية التي غابت عن الشاشات الفترة الماضية مع بدء العام الجديد، تزامنا مع تغيير قيادات ومسؤولي الإعلام مؤخرا، وفي ظل أحداث آخذة في التصاعد إقليميا، والاستعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية، ما يشير إلى أن برامج الـ”توك شو” التي تراجعت فيها جرعة السياسة قد تستعيدها بريقها، مع وجود وجوه مخضرمة قد تلعب دورا في استعادة الجمهور للإعلام المصري.
وبدأت الإعلامية المصرية لميس الحديدي مطلع هذا الأسبوع أولى حلقات برنامجها “كلمة أخيرة” على فضائية “أون.إي” بعد فترة من التوقف دون إفصاح عن أسباب ذلك، كما عاد برنامج “الحياة اليوم”، الأحد، وتقدمه لبني عسل ومحمد مصطفى شردي على فضائية “الحياة” بعد أشهر من التوقف وتراجع معدلات مشاهدته بصورة كبيرة بعد أن كان البرنامج الأشهر منذ افتتاح القناة قبل نحو عقدين تقريبا.
وأعلنت فضائية “دي.إم.سي” عودة الإعلامي أسامة كمال الذي شغل مؤخرا منصب عضو الهيئة الوطنية للإعلام لتقديم برنامج “مساء دي.إم.سي” بعد أيام، وأعلنت الإعلامية قصواء الخلالي عودة برنامجها “المساء مع قصواء” على فضائية “سي.بي.سي” بعد أن توقف على إثر أزمة انتقاد المؤهل الدراسي لوزير التربية والتعليم الجديد محمد عبداللطيف.
وطرحت عودة هذه الوجوه تساؤلات حول مدى قدرتها على جذب قطاعات كبيرة من الجمهور لجأت إلى مواقع التواصل الاجتماعي وفضائيات خارجية بعضها تابع لجماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر، وتبث من لندن وتركيا.
وتبقى مهمة هؤلاء صعبة للغاية لأنهم تنقلوا بين عدة برامج في أوقات مختلفة من دون تأثير على مستوى زيادة جذب الجمهور، كما أن التواصل والانقطاع المتكرر وتغيير المنابر الإعلامية من الأمور التي تترك أحيانا انطباعا سلبيا لدى الجمهور.
وهناك قناعة بأن الأزمة ليست في الوجوه، بل في مساحة الحرية الممنوحة كي يستطيع هؤلاء مجاراة ما يستقبله المشاهدون عبر منصات التواصل الاجتماعي من محتويات أو ما تطرحه قنوات الإخوان التي تحولت إلى بديل لقطاعات غير مرتبطة بتوجهات الجماعة بقدر قيامها بالتسخين الإعلامي الذي يجذب المتابعين.
ويتفق البعض من الإعلاميين أن عودة الوجوه التي لها خبرات في تقديم برامج “التوك شو” يتماشى مع بدايات الحراك السياسي الداخلي مع إنشاء حزب جديد قريب من السلطة (الجبهة الوطنية) وحاجة السلطة للتعامل مع التطورات الإقليمية بشكل يضمن الاستقرار، والهواجس المصاحبة لبعض الأجندات الخارجية، بما يقوض قدرة الإعلام المحلي على التأثير في المواطنين داخل البلاد.
وقد تكون العودة هذه المرة ليست بغرض الاستمرار على نفس النهج لبرامج عديدة لا تقدم خدمة إعلامية يحتاجها الجمهور بعيدا عن خطابات التعبئة العامة، لكن من أجل التطوير والتغيير بشكل حقيقي، فلم تعد هناك حاجة لتكرار المعزوفة السابقة.
التواصل والانقطاع المتكرر وتغيير المنابر الإعلامية من الأمور التي تترك أحيانا انطباعا سلبيا لدى الجمهور
وقال العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة قناة السويس حسن علي إن برامج “التوك شو” شكل من أحد أشكال البرامج الحوارية المتعارف عليها، والعبرة في قياس نجاح هذه البرامج بقدرة الإعلامي الذي يقود الحوار على جذب الجمهور ويتطلب ذلك أن يملك جماهيرية تساعده على ذلك، ويستمد تأثيره منها، وهو ما كان سببا في نجاحات حققتها بعض البرامج، غير أن انخفاض سقف الحرية قاد إلى وجود وجوه غير قادرة على التأثير في الجمهور وتفتقد الثقة التي كانوا يحوزون عليها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن التغييرات الإعلامية الأخيرة وعودة مذيعين لديهم قدرة على خوض برامج حوارية جادة يدعم حدوث انفراجة سياسية تظهر بوادرها من خلال ترك مساحات لحرية النقاش حول المستقبل، ومحاولة إنعاش التلفزيون الرسمي، وإبعاد قيادات أخفقت في قيادة الإعلام المصري السنوات الماضية، ما يخدم إتاحة مساحات أكبر من الحرية الفترة المقبلة، خاصة أن الحكومة بدأت في استيعاب خطورة تدهور ملف الإعلام باعتباره يهدد الأمن القومي للبلاد.
وشدد على أن قدرة البرامج المصرية على استعادة الجمهور ليست مستحيلة ومن خلال فتح المجال أمام الأفكار المبتكرة وترك مساحات حرية واسعة يمكن أن يتحقق ذلك مع أهمية الابتعاد عن تكرار نفس المحتويات في برامج واحدة لأن ذلك أضر بقدرة الإعلام على التأثير، ومن اتجهوا لقنوات الإخوان يثبت أن الإعلام التقليدي ما زال له جمهور، مع أهمية الاستعانة بفرق موازية من الشباب لقيادة الإعلام الرقمي وتسويق ما يتم تقديمه عبر الإعلام التقليدي بطرق مبتكرة.
ولفت إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن توظيفها في تنبيه الرأي العام وإرسال إشارات قصيرة، من خلال ما يتم عرضه تلفزيونيا شريطة أن تتحقق معايير نجاح البرامج مع أهمية فتح التلفزيون الرسمي المجال لتعيين كوادر شابة قد تلعب هذا الدور والأمر ليس في حاجة إلى إمكانيات مادية هائلة ويكفي ترك مساحة من الحرية كي تتمكن وسائل الإعلام المصرية من تحقيق المرجو منها.
واعترفت الإعلامية لميس الحديدي خلال أولى حلقات برنامجها بعد عودته بأن مصر “أمام اختبار آخر سياسى – مع الانتخابات التشريعية – اختيار يفتح المجال لتعدد الآراء، يقوي أحزاب المعارضة المدنية، فتغلق الأبواب أمام عودة التيارات المتطرفة من نوافذ مجاورة، وهو اختيار يجعل للشباب دورا فاعلا في بناء البلد، شباب يتعلمون العمل السياسي الحقيقي في الأحزاب على الأرض وليس عملا مصطنعا، وتلك خيارات هامة علينا أن نحسم أمرنا حيالها.”
وأشار رئيس قطاع الأخبار الأسبق بالتلفزيون المصري إبراهيم الصياد إلى أن عودة الإعلاميين الذين غابوا عن الشاشات الفترة الماضية أمر مطلوب لأنه يحرك المياه الراكدة ويقوي المنافسة مع البرامج الأخرى، وطالما أن هناك قنوات عديدة تقدم محتويات مختلفة فإن عملية تجديد الدماء تبقى مطلوبة والأهم أن يتم المزج بين وجوه يتم اكتشافها وتقديمها للجمهور بآخرين مخضرمين.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن السياسة والإعلام وجهان لعملة واحدة وبالتالي فإن صانع السياسات الإعلامية لا بد أن يدرس الظروف السياسية التي يعيشها المجتمع ويبدأ في وضع خططه لتقديم مادة إعلامية محترمة، وأن الرهان الفترة القادمة يجب أن يكون أيضا على تلفزيون الدولة الرسمي ويمكن أن يقدم برامج “التوك شو” القادرة على المنافسة من خلال الاستعانة ببعض أبنائه ممن لديهم قدرات جيدة.
وأكد أن برامج “التوك شو” المصرية في حاجة إلى تطوير على مستوى الشكل والمحتوى ومن الملاحظ أنه منذ سنوات طويلة لم يحدث هذا التغيير ووصل الحال إلى أن كثيرا من هذه البرامج تأخذ محتواها من تريندات مواقع التواصل الاجتماعي التي يكون عليها بعض التحفظات المهنية، وأن التعويل يبقى على القيادات الجديدة والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لإحداث تغيير واسع في الشكل والمضمون.