جرس إنذار في ليبيا بعد تأميم بوركينا فاسو المصرف المشترك

اتسعت دائرة المنادين بدق جرس الإنذار في ليبيا بعد أن قررت بوركينا فاسو تأميم أحد أهم المشاريع المشتركة في سياق تنفيذ خطة إصلاح مالي واقتصادي، في ظل النظام العسكري القائم بزعامة الرئيس إبراهيم تراوري، ما يكبد البلد النفطي المزيد من الخسائر.
تونس - أثارت خطوة تأميم بوركينا فاسو مشروعا مشتركا مع ليبيا جدلا داخل الأوساط الليبية، بالنظر إلى تداعيات الخطوة، التي قد تؤثر على استثمارات أخرى للبلد النفطي في العديد من البلدان الأفريقية.
وبموجب اتفاقية موقعة في فبراير 1984، أنشأ البلدان المصرف العربي الليبي للتجارة والتنمية (باليب)، والذي تحول فيما بعد إلى البنك التجاري لبوركينا فاسو (بي.سي.بي)، مع توزيع رأس المال بشكل منفصل بالتساوي بين الطرفين.
ووفق بيان صادر عن مجلس وزراء بوركينا فاسو الأسبوع الماضي، فإنه “بعد 36 عاما من العمل، لايزال البنك يواجه صعوبات كبيرة لا تسمح له بتحقيق أهدافه بشكل مناسب، حيث لوحظ عدم كفاية الدعم، الذي يقدمه الجانب الليبي”.
ومع رضاها عن توفير حصتها من رأس المال الاجتماعي، غاب الليبيون عن تمويل البنك. وكثيرا ما تحول ذلك إلى عائق، وحتى إلى صراع بين المساهمين حول مسائل مختلفة مثل اختيار المدير العام والإصلاحات الهيكلية.
ورفضت ليبيا مرارا جميع المبادرات، التي اتخذها الجانب البوركينابي من زيادة رأس المال، ودعم تعبئة الموارد، وفتح رأس المال، وتوفير الموارد في شكل حسابات جارية للمساهمين، رغم أنها ضرورية.
المساهمون في البنك الذي تأسس في 1988
- 50 في المئة حصة مملوكة للبنك الليبي الخارجي
- 30.8 في المئة حصة تستحوذ عليها الدولة البوركينابية
- 17.79 في المئة حصة صندوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بوركينا فاسو
- 1.41 في المئة حصة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في بوركينا فاسو
وأمام تلك العراقيل، قررت بوركينا فاسو في ديسمبر الماضي، مراجعة اتفاقية إنشاء المصرف، وهي ترى أن جميع الأحكام الواردة في الاتفاقية قديمة.
وحمّل وزير الاقتصاد البوركينابي أبوبكر نكانابو، الشريك الليبي مسؤولية صعوبة عمل البنك، قائلا: “لم يقدم الدعم المنتظر لسلاسة تشغيل المصرف”، مضيفا إنه “بعد مناقشات غير ناجحة، قررت بوركينا فاسو تأميمه”.
ولكنه استدرك “نريد أن نطمئن جميع العاملين في البنك بأن حقيقة ترك الشريك الليبي لن تؤثر على الطريقة التي تتم بها إدارة الموارد داخل البنك”.
وتابع “يمكننا أيضا طمأنة الزبائن بأن الجهود التي نبذلها يجب أن يتم القيام بها وسيكون من الممكن تعزيز البنك بشكل أكبر والتأكد من أنه قادر على لعب دوره بشكل كامل في اقتصادنا”.
وطالبت واغادوغو بمراجعة النظام الأساسي للبنك، بما يساعد على توفير شروط الامتثال لمتطلبات اللوائح المصرفية بمنطقة الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا (دبليو.أي.أم.يو).
ويأتي التأميم بهدف ضمان حوكمة أفضل، وهو ما يرى فيه مراقبون ضربة للجانب الليبي المتهم بالإهمال وعدم الجدية في التعامل مع عدد من الملفات الموروثة عن النظام السابق، حيث عادة ما يبحث عن الفوائد دون اهتمام بالواجبات أو الإصلاحات.
وكان قد تم إنشاء المصرف في عام 1988 كجزء من التعاون بين البلدين، وتم افتتاحه رسميا في 2003 بحضور الزعيم الراحل معمر القذافي.
ويستحوذ البنك الليبي الخارجي، على نصف أسهم بي.سي.بي، أما الحصة المتبقية فتتوزع بين الدولة البوركينابية بنحو 30.8 في المئة و صندوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بواقع 17.79 في المئة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنحو 1.41 في المئة.
القرار الأحادي المفاجئ قد يدفع ليبيا إلى اتخاذ مواقف سياسية أو قانونية أو اللجوء إلى القضاء المتخصص لاستصدار الحكم المناسب
وفي فبراير الماضي، زار وفد ليبي برئاسة الوزير المكلف بالشباب فتح الله الزني إلى واغادوغو في إطار انعقاد الدورة الخامسة للجنة المشتركة الكبرى للتعاون المشترك، لمناقشة إيجاد حل بديل يرضي الطرفين.
وأعربت الوزيرة المنتدبة المكلفة بالتعاون الإقليمي ستيلا كابري خلال اجتماع مع الزني عن أسفها قائلة “لم تنجح التعديلات التي تم إجراؤها ولا المحاولات المتعددة للإصلاحات في إعادة البنك إلى المسار الصحيح”.
وبعد أن واجه المصرف منذ سنوات صعوبات تشغيلية كبيرة، لم يعد ممكنا أن يحقق أهدافه بشكل مناسب والامتثال لمتطلبات اللوائح المصرفية المعمول بها في بوكينافاسو وفي المناطق التي ينشط فيها.
واعتبرت عضو ملتقى الحوار السياسي آمال بوقعيقيص ما وصفته بـ”الاستيلاء” على حصة ليبيا في المصرف بمثابة “جرس إنذار”. وقالت “ينبغي عدم السكوت ويجب حشد الاتحاد الأفريقي لحفظ حقوقنا واستخدام مصطلح التأميم خاطئ تماما علينا ألا نقع في الفخ”.
وأشارت إلى أن “ليبيا لم تكن مستعمرا ولكنها دخلت مستثمرا ويجب في حال المماطلة اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي وهذا جرس إنذار يقرع على كافة الاستثمارات الليبية في الخارج، للأسف سياسات اقتصادية غاشمة ولإهدار الثروة الليبية وجوه عدة”.
وينتظر المراقبون ما قد يصدر عن ليبيا من مواقف سياسية أو قانونية إزاء القرار المفاجئ، أم إنها ستتجه إلى القضاء المتخصص لاستصدار الحكم المناسب.
ويؤكد وزير الخارجية الليبي الأسبق محمد الطاهر سيالة، أن بلاده بدأت النشاط في أفريقيا مع بداية السبعينات، إذ كانت في مقدمة المستثمرين في القارة.
وأوضح أن شركة الاستثمارات الأفريقية والشركات الاستثمارية الأخرى ساهمت في تمويل قطاعات مختلفة في العديد من دول القارة، منها تأسيس مصارف تجارية وإنمائية من خلال المصرف الليبي الخارجي.

وأشار إلى المساهمة الليبية الكبيرة في مصرف الساحل والصحراء، وأيضا شركات الاتصالات وتوزيع المحروقات في القارة التي توزعت في 25 بلدا في وسط وغرب وجنوب وشرق أفريقيا ووفرت أكثر من 30 ألف فرصة عمل.
وتطرق أيضا إلى استثمارات جمعية الدعوة الإسلامية في أفريقيا الموجهة للعمل الخيري، ولا تهدف إلى تحقيق الربح، بل تهدف إلى توفير فرص عمل لشباب القارة، وإنفاق عوائد هذه الاستثمارات على المرافق لاستمرار نشاطها.
كما ضخ صندوق ليبيا للمساعدات والتنمية تمويلات ونفذ مشاريع في البنية التحتية وللبرنامج الزراعي الأخضر، حيث كان يقوم بالحراثة للمزارعين الأفراد مجانا.
وعلاوة على ذلك، تم إطلاق برنامج “الجنوب جنوب” للرعاية الطبية في أفريقيا بالمشاركة مع نيجيريا، ونشاطه الأساسي في تخفيف وطأة الكوارث الطبيعية في دول القارة.
وانتقد سيالة قيام بعض الحكومات الأفريقية بتصفية هذه المشاريع من جانب واحد بحجج واهية، بل قامت بتأميمها وتسليمها لمستثمرين آخرين.
وفوق كل ذلك، توقفت حركة النقل الجوي المباشر إلى أفريقيا نتيجة للظروف، التي تمر بها شركات الطيران الليبية فاستغلت شركات طيران أخرى هذا الوضع بتسيير خطوط بديلة.
وأوضح المحلل الاقتصادي والسياسي حافظ الغويل أن عددا من دول العالم أمّمت هذه الاستثمارات في أفريقيا والدول الأخرى ونقلتها إلى حكوماتها، وهوما جعل ليبيا تتعرض لخسارة فادحة.
وقال هناك “من قاموا بالاستيلاء على هذه الاستثمارات بطرق غير قانونية، وبسبب الانقسامات لازالت ليبيا لا تستطيع أن تقاضيهم وتأخذ هذه الأموال”.
وأكد أن ليبيا تكبدت جراء الخسائر الكبيرة للاستثمارات في الشركات والعقارات، التي تعرضت للإهمال مع نهاية سنة 2010، وفقدت أموالا كثيرة بعد أن تراجعت قيمة الاستثمارات بشكل كبير.
ولا تستبعد أوساط ليبية أن تكون أطراف محلية متورطة في التلاعب بالاستثمارات المنتشرة في أغلب الدول الأفريقية التي كانت تمثل رافدا مهما للاقتصادي الليبي قبل العام 2011.
وتسود قناعة بأن تلك الاستثمارات تحولت إلى هدف لشبكات الفساد ولصراع الزعامات والمصالح بين الفرقاء الليبيين ممن اتجهوا لنهبها بعقلية تقاسم الغنيمة الذي راج خلال السنوات الماضية.