جرح حقوق الإنسان يزعج البرلمان المصري من نظرائه في أوروبا

القاهرة- شنّ مجلس البرلمان المصري هجوما حادا على نظيره الأوروبي بعد قرار الأخير حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ورفض ما وصفه بـ”الاستعلائية” التي يتعامل بها البرلمان الأوروبي مع القاهرة، ملمّحا إلى أن تعامله مع الملف الحقوقي ينطوي على معان سياسية ويعتمد على تقارير مغلوطة من منظمات مشبوهة.
وأصدر البرلمان الأوروبي تقريرا الخميس تضمن دعوة لإجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر في ضوء التقدم المحدود في سجلها الحقوقي، جراء ما وصفه بـ”حملات الاعتقال المتكررة وتطبيق قانون الطوارئ وإعدام الأطفال واستهداف النشطاء السياسيين والتضييق على الحريات”.
وأعرب البرلمان المصري الجمعة عن خيبة أمله لاستمرار البرلمان الأوروبي في ما أسماه بـ”الخطاب الاستعلائي والوصائي تجاه مصر وتنصيب نفسه، استنادا إلى وقائع كاذبة، حكما على تطورات الأحداث في الدولة، ما يعد تدخلا صارخا في الشؤون الداخلية بالمخالفة لمواثيق الأمم المتحدة، وهو مرفوض جملة وتفصيلا”.
◘ البرلمان الأوروبي أصدر الخميس تقريرا تضمن دعوة لإجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر
وتصاعد الرد المصري ضد البرلمان الأوروبي من نواب وأحزاب قريبة من الدولة وشخصيات بعضها معروف عنه معارضته وتنامي الشعور بأن هناك استهدافا سياسيا للقاهرة أكبر من كونه توصية أو موقفا يتعلق بتحسين الملف الحقوقي.
وأكدت دوائر سياسية في القاهرة لـ”العرب” أن الرد الحاد تقف خلفه قناعات بأن البرلمان الأوروبي يعتمد على تقارير ومعلومات مغلوطة في توصيف الحالة الحقوقية بمصر، لأن تقريره الأخير انتقد تطبيق حالة الطوارئ الموقوفة أصلا منذ عام.
وتضمن تقرير البرلمان الأوروبي انتقادات حادة لمصر تتعلق باستمرار تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الأطفال، وهو ما ردت عليه القاهرة بأنه “أمر يجافي الواقع ولا يمكن تصديقه لأن التشريع المصري بموجب قانون الطفل يحظر حظرا مطلقا توقيع عقوبات الإعدام والسجن المؤبد، والسجن المشدد على الأطفال”.
ولأول مرة تقريبا يقوم البرلمان المصري بتصويب سهام النقد المعلن لحالة حقوق الإنسان في الغرب، داعيا لمراجعتها في ظل التحديات التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي للارتقاء بهذا الملف، لأنها تشهد انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، مثل طريقة التعامل مع المهاجرين واللاجئين والعنصرية الممنهجة والعنف ضد المرأة.
وأكد إكرام بدرالدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب” أن التذمر المصري من تطرق جهات غربية لملف حقوق الإنسان مرتبط بأن خطابها يميل كثيرا إلى المزايدات السياسية، وهكذا الحال مع البرلمان الأوروبي، فبعض نوابه يميلون إلى الصخب والشعبوية.
وأضاف أن هناك أعضاء في البرلمان الأوروبي لا تعنيهم استجابة الحكومات الغربية لهم، ومصر تدرك ذلك ولا تمانع أن تكون لها شراكات مع مثل هذه المؤسسات لكن بعيدا عن الاستفزاز السياسي الذي لم يعد يجدي في تغيير مواقف الحكومات.
ويرى مراقبون أن اللهجة الحادة التي خرجت من القاهرة موجّهة إلى دول الاتحاد الأوروبي كافة، وتحمل رسالة بأن القاهرة وصلت إلى درجة عالية من درجات الغضب من تكرار الضغط عليها عبر الملف الحقوقي، ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام إظهارها كأنها دولة تحتاج من يفرض عليها الوصاية.
ويبدو أن ثمة إصرارا مصريا على عدم الرضوخ لأيّ ضغوط مرتبطة بحقوق الإنسان، أو الإفراج عن محبوسين بعينهم، بدليل أن الناشط المصري – البريطاني علاء عبدالفتاح الذي تحول إلى محور اهتمام الكثير من الحكومات الأوروبية والمنظمات الدولية الحقوقية في مؤتمر المناخ أخيرا بشرم الشيخ لم يفرج عنه حتى الآن.
وتقتنع القاهرة أن قرار البرلمان الأوروبي بدعوة دول الاتحاد لمراجعة شاملة للعلاقات مع مصر غير مجد، فهذه ليست المرة الأولى التي تتكرر فيها هذه المطالبة، فقد كان هناك قرار مماثل منذ عامين ولم يفض إلى نتيجة محددة.
واستطاعت مصر التعامل مع بعض التهديدات الأوروبية أكثر من مرة بفرض عقوبات عليها ونجحت في تفويت الفرصة من خلال شراكتها مع قوى غربية تربطها مصالح حيوية مع القاهرة، ولذلك لا تهتم بالتلويح من جانب البرلمان بتكرار التهديد.
وظهر التناغم عاليا بين الحكومة والبرلمان في مصر، ما دفع الأخير للتعامل مع قرار البرلمان الأوروبي على أنه مجرد “خطاب شعبوي”، أو سقطة سياسية، ويدرك جيدا أن حل إشكالية الملف الحقوقي في يد الحكومات الغربية التي لا يميل أغلبها للاستجابة لتوصيات صادرة عن برلمانيين قد لا يراعون المصالح السياسية لبلادهم.
كما أن البرلمان الأوروبي منح نظيره المصري فرصة لتصعيد اللهجة والرد بشكل حاد لما تضمنه التقرير الحقوقي من مغالطات لا علاقة لها بالواضع في مصر، ولم يتطرق بصورة إيجابية لقرارات الإفراج عن سجناء رأي ومحبوسين على ذمة قضايا ونشطاء سياسيين، ما جعل البرلمان المصري في موضع قوة.
◘ تقرير البرلمان الأوروبي تضمن انتقادات حادة لمصر تتعلق باستمرار تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الأطفال، وهو ما ردت عليه القاهرة بأنه "أمر يجافي الواقع"
وشهد الملف الحقوقي في مصر مؤخرا تحركات نالت استحسان قوى معارضة من خلال توسيع دائرة الإفراج عن المحبوسين وتثبيت الحوار الوطني دون إقصاء، وتفعيل قانون الجمعيات الأهلية والمضي في تعديل تشريعات خاصة بقوانين الحبس الاحتياطي، لكن تظل المعضلة في استمرار الهواجس الأمنية تجاه فتح المناخ العام.
ويرى متابعون أن الحكومة المصرية تتحمل قدرا من مسؤولية استمرار الهواجس الغربية من الملف الحقوقي، لأنها تتحرك ببطء جعلها محل انتقادات من حكومات ومؤسسات ومنظمات أجنبية، وما لم تكن هناك قرارات حاسمة وإرادة سياسية سيظل الملف الحقوقي مثيرا للمنغصات وتصبح القاهرة طوال الوقت تدافع عن نفسها.
وأوضح الحقوقي نجاد البرعي أن الحكومة المصرية تسير في طرق مختلفة لتحسين سجلها الحقوقي لكنها بحاجة إلى المزيد من الإجراءات لتحقق أصداء إيجابية على المستويين الداخلي والخارجي، وثمة إرادة سياسية تجاه سد الثغرات الحقوقية، لافتا إلى أن أوضاع حقوق الإنسان في حاجة لتشريعات تدعم التوجهات السياسية.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن التركيز الدولي على حالة حقوق الإنسان في مصر يحتاج إلى رؤى رسمية لهذا الملف أكثر وضوحا للتأكيد على أن الدولة بالفعل ماضية بتحركات كثيرة لمراجعة مواقف سابقة وفقا للمستجدات، مؤكدا أن هناك الكثير من الشواهد التي تعكس وجود رغبة رسمية لتحسين الملف الحقوقي.