جرائم القتل بين الأزواج انعكاس لخلل أسري أساسه غياب التفاهم

اللجوء إلى القتل يعكس وصول العلاقة بين الطرفين إلى طريق اللاعودة.
الاثنين 2021/07/26
جرائم القتل عادة ما تبدأ من مشكل بسيط

وقائع القتل بين الأزواج في المجتمع المصري لم تعد تقتصر على الفئات المهمشة التي تعاني أوضاعا اجتماعية واقتصادية صعبة، بل وصلت إلى الأسر المتعلمة التي يشغل فيها الزوجان وظائف مرموقة، كما لم تعد حوادث يهتز لها الوجدان، بل أصبحت تمر على الناس كحوادث عادية، ما يمهد لتحوّلها إلى ظاهرة تصعب السيطرة عليها.

القاهرة – صارت وقائع القتل بين الأزواج في بعض المجتمعات العربية عادة شبه يومية، فلم يعد الأمر يقتصر على خلاص الزوج من شريكة حياته بالانتقام منها، بل يحدث العكس أيضا من جانب المرأة التي لم يكن يُعرف عنها ارتكابها وقائع متكررة من العنف بحق الزوج.

وشهد المجتمع المصري ثلاث وقائع قتل بين أزواج خلال الأيام الماضية جميعها نجمت عن خلافات لأسباب واهية، الأولى بسبب الشجار على مصروفات العيد، والثانية بدافع الإهانة اللفظية من جانب الزوج، والثالثة كان فيها الرجل يعاقب زوجته على تركها المنزل وتفكيرها في رفع قضية طلاق، فانتقم منها بتقطيع جسدها بسكين.

ما يلفت الانتباه أن وقائع القتل لم تكن قاصرة على الفئات المهمشة أو غير المتعلمة التي تعيش في مناطق تعاني تدهورا في الأوضاع الاقتصادية، بل وصلت إلى الأسر المتعلمة التي يشغل فيها الزوجان وظائف مرموقة، مثل الطبيب الذي قتل زوجته الطبيبة بعد مشادة كلامية حدثت بينهما حول أمور عادية تخص المنزل.

وكانت جرائم القتل داخل الأسرة الواحدة وقائع يهتز لها الوجدان، لكن المعضلة أنها أصبحت تمر على الناس كحوادث عادية، ما يوحي بأن الناس صارت تتعامل مع قتل أحد شريكي الحياة للآخر بنوع من اللامبالاة وكأنها صارت واقعة عادية مثل أي جريمة تحدث، وهو ما يمهد لتتحول هذه الحوادث إلى ظاهرة تصعب السيطرة عليها.

هالة منصور: أسوأ المراحل عندما يصل الشريكان إلى مرحلة عدم التفاهم
هالة منصور: أسوأ المراحل عندما يصل الشريكان إلى مرحلة عدم التفاهم

ولم تعد أسباب جرائم القتل بين الأزواج محصورة في أمور بعينها تتعلق بالخلافات الكبيرة، لكن أغلبها أصبح يرتبط بأمور عادية داخل الأسرة الواحدة، مثل تربية الأبناء والطهي وإعداد الطعام وغياب التفاهم وعدم توافر المال وكثرة الخروج من المنزل بدون أسباب مقنعة والتفكير في الطلاق، وما زالت الخيانة الزوجية تحتل مرتبة متقدمة لدوافع الانتقام.

ويعتقد متخصصون في شؤون الأسرة أن بلوغ الخلافات الزوجية حد القتل يؤكد وصول العلاقة بين الشريكين إلى مرحلة الصدام الفكري وانعدام لغة الحوار والتفاهم وتمسك كليهما بوجهة نظر لا تتغير ما يجعل الطرف الآخر يفقد الأمل في التلاقي واستمرار الحياة الزوجية، وفي لحظة ما يفكر في إنهاء هذه العلاقة بأبشع طريقة للانتقام من المتسبب في تعاسته.

ويرى هؤلاء أن غياب التفاهم بين الزوجين يصيب كليهما أو أحدهما باكتئاب حاد، ويشعر بأن الطرف الآخر يحمل له الضغائن والكراهية ويتمسك بالحط من مشاعره، فيفكر في الخلاص منه مع أول مشكلة حيث يفقد عقله ويعجز عن السيطرة على نفسه وتصرفاته ويلجأ إلى إنهاء العلاقة بالقتل كنوع من الراحة الأبدية من الأزمات الأسرية.

وأكدت هالة منصور الباحثة في العلاقات الأسرية أن “أسوأ مراحل العلاقة الزوجية عندما يصل الشريكان إلى نقطة انعدام التفاهم بينهما، والأكثر سوءا إذا كان أحدهما فاقدا للسيطرة على نفسه أمام شعوره بتدمير حياته على يد الطرف الآخر بالقول والفعل، وهنا يعتقد أن الانتقام وسيلة لإرضاء الذات مهما كانت العواقب وخيمة”.

وأضافت لـ”العرب” أنه يصعب فصل حوادث العنف داخل الأسرة الواحدة عن الضغوط المجتمعية والنفسية الواقعة على الشريكين جراء شعور كليهما بتوريط نفسه في الزواج من الشخص الخطأ، ويفكر كل منهما في أن الشريك أصبح عبئا عليه وقد يفكر أحدهما في الانتقام كنوع من التحرر من القيود المفروضة عليه، وهنا تأتي أهمية العائلة والأقارب للتقريب بين الزوجين.

وإذا كانت أسباب جرائم القتل بين الأزواج متشعبة، فالتمعن في تفاصيلها يعكس اختلافها بين الرجل والمرأة، فالزوجة داخل المجتمع الشرقي عموما تراودها مشاعر وأفكار القهر والإهانة والذل طوال الوقت، وتفكر في طريقة لرد اعتبارها بالأسلوب الذي يشفي غليلها من كثرة تعرضها للضغوط والكسر والتعامل معها بدونية.

ومع خروج الكثير من النساء إلى العمل والاختلاط بتجارب حياتية مع الصديقات والزميلات وشعورها بالاستقلال المادي، قد تتراجع نظرتها للزوج الدكتاتور إلى الحد الأدنى وتقرر أن تكون علاقتها معه قائمة على الندية بطريقة “الرأس بالرأس”، وهنا قد تصل العلاقة حد الصدام المحتدم وتكون الحياة بينهما أقرب إلى حلبة مصارعة ليفرض كلاهما كلمته وأسلوبه على الآخر.

وأغلب الرجال لا يتقبلون هذه السلوكيات بدافع الحفاظ على الرجولة والكرامة، في حين أن المرأة لا تتراجع عن فكرة الاستقلال والتحرر من السجن الذكوري فتفعل فقط ما يرضيها وتكسر المحرمات المجتمعية ليكون لها رأيها الخاص وقرارها الذاتي، وأمام شعور الرجل بالإهانة والتقليل من رجولته قد يفكر في الانتقام أو تبادر هي بالخلاص من هذا العبء.

Thumbnail

وهناك من يقتل زوجته لأنها امتنعت عن الطهي، أو رفضت تنظيف ملابسه، أو قررت الذهاب إلى أسرتها دون علمه، وهناك زوجة تنتقم من شريكها بقتله إذا أهانها لفظيا أو اعتدى عليها جسديا، أو علمت بالصدفة أنه تزوج عليها دون علمها، وهذه وقائع حية شهدتها قرى ومدن مصرية ودونتها محاضر أقسام الشرطة والنيابات العامة.

ووفق دراسة اجتماعية أعدتها جامعة عين شمس مؤخرا هناك علاقة مباشرة بين البطالة والأمية بالنسبة إلى المرأة التي ترتكب جريمة القتل بحق زوجها، حيث ارتفعت النسبة بين السيدات العاملات أو اللاتي يختلطن بالآخرين، لكن الدراسة نفسها ربطت بين الدراما وحوادث قتل الزوجات لأزواجهن حيث اكتسبت النساء خبرة القتل والانتقام.

وحسب دراسة أخرى للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية توجد علاقة بين الفقر والبطالة والعنف المرتكب داخل الأسرة، حيث تبين أن الأزواج الذين لديهم نزعة العنف ضد زوجاتهم كانوا عاطلين أو عاجزين عن القيام بأدوارهم الأسرية، والزوجات اللاتي يمارسن العنف كن زوجات لرجال فاشلين في حياتهم العملية.

وقال محمد هاني استشاري الطب النفسي بالقاهرة إن استسهال الأعمال الفنية في تناول قضايا القتل والعنف داخل الأسرة جعلها من الأمور العادية بين الأزواج، وصار البعض لا يشعرون بأنهم ارتكبوا جريمة بقدر ما أراحوا أنفسهم من العبء، وهذه ظاهرة تتطلب معالجة جذرية من خلال حملات التوعية الدينية والإعلامية والثقافية والأسرية.

مع أول مشكلة يفقد أحد الطرفين عقله ويلجأ إلى إنهاء العلاقة بالقتل كنوع من الراحة الأبدية من الأزمات الأسرية

وأوضح لـ”العرب” أن حوادث القتل بين الأزواج تعكس تراجع قيمة العائلة عند شريكي الحياة، وتقرير كليهما حل المشكلة بالطريقة التي تريحه وترضيه دون إدخال وسطاء من الأقارب، وهذا توجه خطر، لافتا إلى أن هناك ضرورة حتمية لتعويد الأزواج على معالجة الاكتئاب والصدام بينهم في مهده بدلا من تراكم الضغوط وصولا إلى الاكتئاب وعدم السيطرة على التصرفات.

وتابع “للأسف لم يعد هناك تفاهم بين الكثير من الأزواج، واندثرت جلسات الفضفضة وحل الخلافات بهدوء، وأصبح الإحباط مسيطرا على الكثير منهم، وعندما يصل الشريك إلى الاكتئاب العقلي يشعر بأن الطرف الآخر سبب في كل أزمات حياته، وقسوة الانتقام سوف تريحه وتخرجه من دائرة المشكلات التي يعيشها، فينتهج العنف تجاه أقرب الناس إليه”.

ويمكن البناء على ذلك أنه بإمكان الزوجين احتواء المشاكل الأسرية البسيطة قبل تفاقمها، شريطة أن تكون هناك نية عند الطرفين لفعل ذلك، مع إعادة النظر في تربية الأبناء (الولد والفتاة) على التفاهم واحترام الآخر وامتصاص غضب الشريك ومراعاة قدسية الحياة الزوجية، والكف عن التعامل مع الإهانة باعتبارها الحل الوحيد للحصول على الحق من الشريك.

21