جرائم الشرف في مصر موروث تغذيه الاضطرابات النفسية

لا تعد جرائم رد الشرف أو غسل العار، كما يُطلق عليها، مسألة جديدة على المجتمعات العربية، لكن تكمن الخطورة في أنها تتزايد في دولة مثل مصر، كما أن تعاطي الحكومة مع جرائم الشرف لم يكن على المستوى المطلوب، ما يهدد المجتمع، بعد أن غضت الطرف عن التعرف على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انتشارها، ولم تعالج الأسباب الثقافية والاقتصادية التي دفعت إليها، ويتعامل المجتمع معها على أنها أمر عادي يتم تداوله في نشرات الأخبار وصفحات الحوادث.
وجرائم الشرف هي الجرائم التي يرتكبها الرجل بقتل سيدة من أفراد أسرته، بسبب وجود علاقة جنسية ذات طابع محرم وفق القيم السائدة، أو لمجرد الشك فيها، وقد تصل هذه الجرائم أحياناً إلى قتل شريك المرأة في تلك العلاقة.
وفي الشهر الماضي فقط وصلت جرائم الشرف إلى أكثر من 100 حادثة، ويربط أطباء نفسيون بين ارتفاع معدلات الجريمة والقتل الأسري والزيادة المضطربة في المشكلات النفسية التي تدفع الشخص إلى ارتكاب الأفعال العنيفة، بسبب خلل عقلي حينما تزيد شكوكه بشأن سلوك الطرف الآخر، باعتبار أن الأمر مرتبط بصورته العامة.
كشف المجلس القومي للبحوث الاجتماعية في مصر عن ارتفاع كبير في نسب جرائم الشرف بلغ 92 بالمئة من إجمالي الجرائم الأسرية في العام الماضي. وتنذر الإحصاءات الجديدة بخطر جديد بعدما تحول الأمر إلى ظاهرة ملفتة ترتبط بالاضطرابات النفسية لدى الرجال والعنف ضد المرأة
وهو ما لفتت الانتباه إليه وزارة الصحة التي أجرت بحثا ميدانيا شمل 31 ألف أسرة وأظهر أن 25 بالمئة من المصريين لديهم مشاكل وأعراض نفسية، وأن 7 بالمئة يعانون من أمراض نفسية تتطلب العلاج الفوري، أغلبها في شكل اضطرابات المزاج، خاصة اضطراب الاكتئاب الجسيم يليه سوء تعاطي المواد المخدرة ثم القلق والتوتر ثم الفصام.
وقالت مسؤولة طبية بارزة في وزارة الصحة المصرية، إن 2.8 مليون مواطن يعانون من اضطرابات. وأوضحت منى عبدالمقصود، رئيسة مستشفيات الصحة النفسية بالوزارة، أن “3 بالمئة من المصريين مصابون باضطرابات القلق والمزاج”.
ويذهب استشاري الطب النفسي جمال فرويز، للتأكيد على أن هناك ظواهر عامة تؤثر على نفسية الأشخاص المرتكبين لجرائم الشرف، وهي ترتبط بضعف المؤثرات الثقافية ما يؤدي إلى سيطرة الموروثات القبلية على تصرفات الأشخاص، والنزعة الذكورية التي تكون نتائجها تعرّض الطرف الأضعف إلى القهر، إلى جانب صعوبة الأوضاع الاقتصادية الدافعة إلى ارتكاب الجرائم.
وأضاف لـ”العرب” أن هناك أسبابا خاصة بالأسرة التي سيطرت عليها هشاشة العلاقة المجتمعية بين أفرادها في ظل عدم بنائها بصورة سليمة ما يصيبها بخلل نفسي يجعل أفرادها يظهرون بشخصيتين، الأولى واقعية أمام المجتمع المحيط، والأخرى خفية يسيطر عليها الإتيان بسلوكيات غير متوقعة منهم، ويكون ذلك دافعا إلى بداية المشكلات التي تنتهي بجريمة قتل أو اعتداء جسدي.
وتعد الشائعات التي تنتشر في المجتمع المحيط بالجرائم المرتكبة سببا رئيسيا في ارتكابها، وبالتالي فإن زيادة معدلاتها لها علاقة باضطراب العلاقات داخل الحي أو المنطقة الواحدة.
وتشير إحصائيات رسمية صادرة عن المجلس القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية إلى أن 70 بالمئة من جرائم الشرف تمت بناء على وشاية وهمسات الجيران والأصدقاء، وأن 60 بالمئة منها أكدت سوء ظن الجاني بالضحية.
وبحسب الدراسة ذاتها فإن الأزواج يرتكبون نسبة 70 بالمئة من جرائم الشرف ضد زوجاتهم، و20 بالمئة ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم، بينما ارتكب الآباء 7 بالمئة فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم. والنسبة الباقية، وهي 3 بالمئة، ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم.
ورغم أن تلك الإحصائية تشير إلى أن غالبية الجرائم وقعت في مناطق عشوائية أو داخل المجتمعات الريفية ومحافظات الصعيد، إلا أن فاطمة الشناوي، خبيرة العلاقات الزوجية والطب النفسي، أشارت إلى أن الانفتاح التكنولوجي وتعدد مشكلات الخيانة الزوجية جعلا من ارتكاب هذه الجرائم لا يرتبط بمنطقة بعينها.
وأضافت لـ “العرب”، الأمر يبدأ من التنشئة الأسرية الخاطئة التي تساعد على انحراف الشباب أو الفتيات بعد الزواج، وخلق حياة موازية لكل من الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي، وينتهي بانتشار أنواع متعددة من المواد المخدرة أضحى الحصول عليها أمرا سهلا، وبالتالي نكون أمام أسرة مفككة وقابلة لارتكاب الجرائم من قبل أي طرف من أطرافها.
70 بالمئة من جرائم الشرف تمت بناء على وشاية وهمسات الجيران والأصدقاء
وأشارت إلى أن انتشار تلك الجرائم في بقاع مختلفة وبشكل متتال يشكل اختراقا للاستقرار الأسري، وقد يؤدي إلى خلل يصب في صالح عزوف الشباب والفتيات عن الزواج.
والمفهوم الاجتماعي لجرائم الشرف يشير إلى كونها أشبه بقربان لفداء العائلة وتحصينها من غضب المجتمع. فعندما ترتكب المرأة عملاً مرفوضاً، كالزنا أو الزواج بشخص ينتمي إلى دين آخر أو طائفة أخرى، تُنبذ العائلة بأكملها، لذلك يقوم رب العائلة مثلا، تحت ضغط المجتمع، بتقديم المرأة كقربان لغسل العار الذي لحق بالأسرة.
وترى منظمات حقوقية أن العلاقة بين سلطة المجتمع وسلطة الدولة، تأتي بناتج عكسية ضد المرأة، ورغم أن القوانين بالأساس فرضت لحماية الطرف الأضعف، فإن الأمر مختلف مع جرائم الشرف، ويوفر النظام السياسي غطاء قانونيا، بنصوص مكتوبة أو بأعراف قضائية، لظلم الطرف الأضعف.
ونص القانون المصري على التخفيف الوجوبي، إذا فاجأ الزوج زوجته متلبسة بالزنا ولا يستفيد من هذا العذر إلا الزوج وحده دون الأخ أو الأب، أما في حال الزوجة فقد وضع المشرع شرط أن يكون التلبس تم في مسكن الشريكين، واعتبر أن خيانة الزوج للأنثى بعيدًا عن مسكن الشريكين لا تعد زنا، بينما الزوجة يمكن إثبات نية الفعل عليها في أي مكان.
ويؤكد قانونيون أن المادة 17 من قانون العقوبات تمنح القضاة السلطة التقديرية لتخفيف الحكم الأصلي بدرجتين أدنى من العقوبة المنصوص عليها في القانون بدافع الرأفة، وفي العادة تستخدم هذه المادة في جرائم الشرف لتخفيف العقوبة عن قاتل الزوجة أو الأخت أو الابنة.
وهو ما يدفع العديد من المنظمات للنظر إلى جرائم الشرف باعتبارها شكلا من أشكال العنف الموجه ضد أفراد الأسرة، الأمر الذي أكد عليه مركز دراسات المرأة (مساواة)، إذ وصف العنف بأنه عمل أو تصرف عدائي أو مؤذ أو مهين يرتكب بأية وسيلة وبحق أية امرأة لكونها امرأة، يخلق معاناة جسدية وجنسية ونفسية وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة.