جذب الأطفال خطة التلفزيون المصري لبدء المصالحة مع الجمهور

التجهيز لإطلاق قناة أطفال محاولة لاستعادة الإعلام لدور التوعية والتثقيف، خاصة بعد أن غابت المحتويات التثقيفية كثيرا السنوات الماضية.
الخميس 2020/08/20
تشكيل وعي الأطفال أحد وظائف الإعلام الرسمي

في محاولة لاستعادة شرائح مختلفة من الجمهور المصري، بدأ القائمون على الإعلام التوجه إلى الأطفال من خلال خطة لإنتاج برامج مخصصة لهم في التلفزيون المصري وإطلاق قناة فضائية تنافس المحطات العربية التي جذبت الأجيال الصاعدة بمحتوى أجنبي.

 القاهرة - تنبه القائمون على الإعلام المصري لغياب المحتوى الموجه للأطفال عبر التلفزيون الرسمي، في ظل انفصام تعاني من تبعاته قنوات محلية مع الأجيال الصاعدة التي ارتبطت مبكرا بوسائل إعلام عربية وأجنبية تقدم وجبات دسمة ومتنوعة، ما دفع الهيئة الوطنية للإعلام لتدشين خطة عمل لزيادة جرعة البرامج والأفلام التي تخاطب الطفل، والتجهيز لإنطلاق قناة خاصة بهم.

وقال حسين زين، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، الجهة المسؤولة عن إدارة الإذاعة والتلفزيون بمصر، إن الهيئة وضعت الفكرة الرئيسية لتدشين قناة للأطفال قريباً، لأن هذا الجزء الهام من المجتمع يعد المستقبل الحقيقي، وهناك خطة لزيادة الجرعة الموجهة للأطفال في القنوات المحلية وإنتاج مسلسلات وبرامج جديدة.

وغابت المحتويات التثقيفية كثيرا السنوات الماضية، بعد أن انخرط التلفزيون في البحث عن عوائد مادية وإعلانية تمكنه من مواجهة الخسائر التي تعرض لها، وابتعدت أسماء لامعة في مجال إعلام الطفل عن شاشاته، وتعثرت برامج مثلت عاملاً مهماً في تشكيل وعي الأجيال المختلفة، وتوقف إنتاج أفلام ومسلسلات الكرتون، واقتصر فقط على ما يقدم سنوياً في شهر رمضان.

وجاء تحرك الهيئة الوطنية للإعلام ليضع هيكلا لأولويات عمل المرحلة المقبلة، وعلى رأسها الاستفادة من الكوادر المهملة، والتي لديها خبرات كبيرة في إنتاج المحتويات البرامجية للأطفال، بجانب استعادة دور التلفزيون الرسمي الذي يقوم على التوعية والتثقيف، مع تقديم محتويات تواكب التطورات المعاصرة.

وأكد عضو الهيئة الوطنية للإعلام، جمال عنايت، أن تشكيل وعي الأطفال إحدى وظائف الإعلام الرسمي، ما يساهم في خلق شباب أصحاء ذهنياً، وأن الخطوات الحالية نحو التوسع في المحتويات لمخاطبة الصغار سوف تكون لها نتائج إيجابية على المدى البعيد، والبدء فيها يعد أمراً ضرورياً في الوقت الحالي.

وأضاف لـ”العرب”، أن التجهيز لقناة الأطفال مسألة تتطلب خطوات مختلفة عما اعتاد عليه التلفزيون في السابق، لأن الطرق القديمة التي نجحت في جذب الأطفال للتلفزيون لن تأتي بنفس النتائج، فإعلام الأطفال لن يكون بحاجة إلى برامج “ماما نجوى” و”حواديت أبله فضيلة” التي كانت تذاع قبل عقود، بقدر حاجته إلى مواكبة المحتويات التي يتعلق بها الصغار على مواقع الويب والفضائيات الأجنبية.

ولدى التلفزيون المصري تجربة سابقة لتقديم محتويات الأطفال، حيث دشن في العام 2016 قناة على منصة “يوتيوب” باسم “ماسبيرو أطفال”، لعرض الأعمال التي قدمها سابقا، كذلك البرامج المملوكة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، غير أنها لم تلق نجاحاً ملحوظاً لأن ما قدمته يتناسب مع الأجيال الماضية وليس الحالية، وهو أمر يثير التخوفات جراء إنشاء قناة جديدة بنفس الأساليب القديمة.

يأخذ الاهتمام الراهن بمحتويات الأطفال أبعاداً سياسية واجتماعية، لأن مطلب إنشاء قناة للأطفال ناقشته لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان المصري ضمن خطوات لتعديل قانون الطفل لمواجهة زيادة معدلات العنف بين الأطفال.

كما أن الخطط الحالية تأتي في وقت حظيت به فضائيات عربية وأجنبية بمتابعة واسعة من الأطفال المصريين، ما شجع على إمكانية تكرار الأمر عبر التلفزيون الحكومي.

ويرى خبراء الإعلام، أن هيمنة رجال الأعمال على الفضائيات طيلة السنوات الماضية أعاق تأسيس قناة خاصة موجهة للأجيال الصاعدة، لأنها بحاجة إلى تمويل ضخم للأفلام الكرتونية المكلفة. وقادت الجوانب الاستثمارية للإعلام ورغبة أصحاب القنوات في تقديم رسالة تخدم مصالحهم إلى إهمال هذا الجانب، ما كان سبباً في توجه غالبية مؤلفي قصص الأطفال والمخرجين والمنتجين نحو السوق العربية.

واقتصرت المحتويات الإعلامية المقدمة للأطفال على برامج للمسابقات والترفيه، ودشنت بعض القنوات، مثل قناة “النهار” و”الحياة” و”أون إي”، برامج أسبوعية تخاطب الأطفال لم ترتق لتقديم قصص وروايات مفيدة تشكل الوعي، وغلبت عليها الأبعاد التجارية بعد رعايتها من شركات متخصصة في ألعاب الأطفال.

وتواجه خطة التلفزيون الطموحة أزمات عدة، في مقدمتها تمويل القناة الجديدة واستعادة الكفاءات التي هجرت اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وعدم القدرة على جذب الجمهور مثلما الحال بالنسبة للمجلات المتخصصة في مجال الطفل، التي فقدت بريقها وتحاول الصمود من أجل استمرار صدورها، ما جعل القائمين على الإعلام الحكومي يجدون صعوبات جمة في إيجاد رعاة للبرامج والأفلام الخاصة بالأطفال.

ويرى رئيس لجنة تطوير المحتوى باتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقاً، حمدي الكنيسي، أن التلفزيون لديه إمكانيات بشرية وفنية ومالية تجعله يستطيع تجاوز الأزمة الحالية والتوجه نحو تدشين القناة التي أُجريت بشأنها دراسات عديدة من قبل، أثبتت قدرتها على توفير عوائد في حال وسعت دائرة الجمهور لتنتقل من المحلية إلى العربية.

وأوضح أن الدراسات التي قامت بها جهات حكومية أكدت أن هناك تشتتا في هوية الأطفال يتطلب تدخلاً عاجلاً بمحتويات إعلامية تركز على الهوية، وأن الإعداد للقناة الجديدة يتم عبر الاستعانة بخبراء السلوكيات وعلم النفس لتقديم رسالة تتصدى لما تروج له الألعاب الإلكترونية الداعية إلى العنف، وتقديم رسالة مقنعة للأجيال الصاعدة تجعلها تنجذب إليها بسهولة.

ويظل التحدي الأكبر أن التلفزيون المصري قد لا يستطيع السيطرة على عقول الأطفال مثلما كان الأمر سهلاً وبسيطاً في الماضي، ومهمته الحالية لا تتخطى تعريف الأجيال الصاعدة بدوره، وأنه مازال في نظر المسؤولين له القدرة على تقديم محتويات جذابة، ما يحقق أهدافا أخرى في المستقبل ترتبط بثقة هؤلاء الأطفال في ما يقدمه الإعلام. وقالت رئيس تحرير مجلة “فارس” (حكومية)، هويدا حافظ، على التلفزيون الاستعانة بالكتاب والمؤلفين المصريين الذين يواكبون التطورات الحالية ويقدمون أعمالا بالشراكة مع شركات إنتاج تقوم ببيع محتوياتهم الإعلامية لفضائيات عربية، وأغلب هؤلاء قدموا في السابق أعمالا ناجحة في التليفزيون الرسمي.

وأشارت إلى أهمية وجود قناة للطفل تجذب الموهوبين والفنانين للمشاركة في الأعمال التي تعبر عن الهوية المصرية، وسيكون نجاحها مرتبطاً بمخاطبة الأطفال من سن (13 وحتى 18 عاماً)، خاصة وأن جميع القنوات لا تهتم بتقديم محتويات للمراهقين فيما يفترض أن يكون هناك تفاعل مباشر بين الأطفال والقناة الجديدة ويشاركون في تقديم المحتوى.

18