جدل ليبي حول الهدف من وراء العملية العسكرية في الزاوية والساحل الغربي

أطلقت قيادة أركان حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عملية عسكرية في مدينة الزاوية ومنطقة الساحل الغربي، وأكدت أنها تستهدف الأوكار المشبوهة لفرض الأمن في المنطقة، في المقابل اعتبرت حكومة الشرق التي تتخذ من بنغازي مقرا لها، أنها تستهدف القوات الموالية لسلطاتها.
أثار إعلان قيادة أركان حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عن إطلاق حملة عسكرية في مدينة الزاوية ومنطقة الساحل الغربي، جدلا واسعا في أوساط الليبيين، لاسيما في ظل الظروف والمعطيات الميدانية التي بدأت فيها العملية، والأهداف المعلنة من قبل الجهات الرسمية. وأطلقت قيادة الأركان التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا حملة عسكرية واسعة، قالت إنها تهدف من ورائها لفرض الأمن وبسط الاستقرار واستهداف الأوكار المشبوهة في مدينة الزاوية ومناطق الساحل الغربي.
ودعت المنطقة العسكرية بالساحل الغربي الليبي السكان المحليين في الزاوية إلى الابتعاد عن الأماكن والأوكار المشبوهة، كونها أهدافا لعملياتها التي دشنتها السبت. وشددت المنطقة العسكرية الساحل الغربي على ضرورة التزام السكان بالتنبيهات الصادرة حفاظا على سلامتهم، داعية السكان المحليين إلى التعاون معها والإبلاغ عن أي أنشطة أو أوكار مشبوهة، وفق قولها، مشيرة إلى أن قواتها تمتلك جميع الإمكانيات والوسائل اللازمة ولن تتوقف حتى تجتث منابع الفوضى والجريمة المنظمة.
وتبين خلال الساعات الماضية، أن اتفاق حصل بين الحكومة ووجهاء الزاوية لتجنيب المدينة ويلات الحرب واستبعاد خطة استعمال الطيران المسير في ضرب الأهداف داخل المناطق المدنية. وبصفته وزيرا للدفاع، حذر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة وحداته العسكرية من التعامل مع أي تشكيلات مسلحة تابعة للجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وتنشط بمدينة الزاوية التي تقع إلى الغرب من طرابلس بمسافة 45 كلم، مؤكدا على ضرورة عدم السماح لها بالتنقل بين المدن والمناطق، خارج نطاق مدينة الزاوية. وأوضح الدبيبة أنه سيتم إصدار الأوامر للوحدات المكلفة بمهام الحماية والتأمين، للتعامل مع أي تحرك لتلك التشكيلات المسلحة خارج الزاوية.
ومن جانبه، وجه وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، عماد الطرابلسي، تعليمات إلى الأجهزة والقوى التابعة للوزارة، يدعوها من خلالها، إلى عدم خروج أي آليات مسجلة من ثكناتها أو القيام بأي أعمال تقف أمام تنفيذ العملية العسكرية إلا بعد التنسيق المباشر مع آمر المنطقة شخصيا.
وأصدر آمر المنطقة العسكرية بالساحل الغربي صلاح النمروش، أوامر لمنتسبي المنطقة ببدء العمليات العسكرية في منطقة الساحل، بهدف القضاء على أوكار الإجرام، مبرزا أن المرحلة الأولى من العملية ستنطلق من مدينة الزاوية، وأضاف أن مدن الساحل الغربي شهدت تجاوزات وانتشارا لتجار المخدرات وقطاع الطرق الذين تعدوا على الحرمات، وأن هذه العمليات تأتي تلبية لنداء الأهالي في الزاوية.
◙ مدينة الزاوية الليبية لا تزال خاضعة لسيطرة الميليشيات المسلحة المتحكّمة في الوضع المالي والاقتصادي
وأكد النمروش أن العملية العسكرية لا تستهدف المجرمين فقط، بل تهدف أيضا للحفاظ على الأمن والنظام في المنطقة، فيما ستشمل أيضا بقية مدن الساحل الغربي وبخاصة صرمان وصبراتة وزلطن. وأوضحت مصادر محلية في مدينة الزاوية أن الميليشيات المتورطة في أحداث الفوضى الأمنية، وفي عمليات تهريب النفط والسلع التموينية والمخدرات والاتجار بالبشر، التحقت بقوات الحكومة وأصبحت جزءا من العملية التي يقودها النمروش، وهو ما أثار الكثير من الانتقادات من قبل الناشطين المحليين.
وأضافت المصادر أن الإعلان المسبق عن العملية دفع بالمتورطين في الاتجار بالمخدرات إلى جمع بضاعتهم وإخلاء محلاتهم وتأمين أنفسهم في مناطق مجاورة وخاصة ورشفانة، بينما شوهدت آليات عسكرية تقوم بهدم بعض المحلات خاصة في ما تسمى بأسواق الخرطوم.
ولا تزال مدينة الزاوية، ثالث أكبر مدن غرب ليبيا، ورابع مدن البلاد، خاضعة لسيطرة الميليشيات المسلحة التي تتحكم في الوضع المالي والاقتصادي، وتبسط نفوذها على المؤسسات الحكومية، وعلى مسالك تهريب النفط والاتجار بالبشر. ولا يكاد يمر أسبوع دون الإعلان عن سقوط قتلى وجرحى بسبب الصراعات الدموية بين الميلشيات المتطاحنة.
وتشير ذات المصادر إلى أن الميليشيات الموالية لقوات الجنرال حفتر، وخاصة في منطقة أبوصرة، نجحت في تأمين نفسها بعد إدراكها أنها مستهدفة من قبل حكومة الدبيبة، وذلك عبر التحاقها بقوات النمروش والانضمام رسميا إلى الكتيبة 135. وأعلنت المنطقة العسكرية الساحل الغربي انتشار قواتها في عدة تمركزات داخل مدينة الزاوية وذلك ضمن خطتها لتأمين أحيائها ومناطقها.
وقالت في إيجاز صحفي إن قواتها انتشرت في عدة تمركزات، منها: ميدان الشهداء – شارع الخرطوم – منطقة أبوصرة – كوبري بئر الغنم – منطقة الركينة – منطقة الحارة – الشرفاء – مدخل الزاوية الشرقي – ومناطق جنوب الساحلي. وأكدت في بيانها أن قواتها دخلت المدينة في إطار عملية عسكرية وأمنية حيث تمت إزالة عدد من الأوكار، فيما يجري العمل على استهداف أوكار أخرى وملاحقة المطلوبين.
وأشارت المنطقة إلى أن عملياتها العسكرية تدار بشكل شامل، مع تأكيد القوات على عدم التراجع حتى تحقيق الأهداف المرسومة، والمتمثلة في فرض الأمن والقضاء على الجريمة، مشددة على حرص المنطقة العسكرية الساحل الغربي الكامل على سلامة المدنيين وحماية الممتلكات العامة والخاصة.
وتشهد المدينة انفلاتا أمنيا واشتباكات مسلحة بين الفينة والأخرى، آخرها اشتباكات عنيفة أدت لنشوب حرائق في خزانات مصفاة الزاوية منتصف ديسمبر الماضي، وهو ما دفع المؤسسة الوطنية للنفط لإعلان القوة القاهرة، إضافة لتقارير تشير إلى نشاط المنطقة في عمليات تهريب البشر والوقود وتجارة المخدرات.
وتعتقد أوساط مطلعة من داخل الزاوية أن الهدف الحقيقي من العملية هو توجيه رسالة إلى أبرز الزعماء السياسيين المنحدرين من الزاوية وهو خالد المشري الذي لا يزال في نزاع مفتوح على رئاسة مجلس الدولة مع منافسه محمد تكالة الحليف المعلن للدبيبة، لاسيما أن المشري يعمل حاليا مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح على تكريس مبدأ تشكيل حكومة جديدة تبسط نفوذها عل كافة مناطق البلاد.
وتشير الأوساط ذاتها إلى أن العملية لا تعدو أن تكون استعراضا للقوة من قبل قوات الدبيبة، وهي رسالة موجهة للأطراف الموالية لحكومة شرق البلاد والمحسوبة على حفتر والقريبة من المشري، وكذلك لطمأنه الجانب الأوروبي وخاصة الإيطالي بأن سلطات طرابلس قادرة على ضبط الأمن بالساحل الغربي الذي عادة ما يستعملها تجار البشر في تهريب المهاجرين غير الشرعيين نحو الضفة الشمالية للمتوسط.
وفي يوليو الماضي، اعترف وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي بأن مدينة الزاوية خارج سيطرة الدولة، وقال إن وزارته مستعدة لتنفيذ خطة أمنية بالمدينة إذا اتفق المسلحون على وقف الاشتباكات، مؤكدا أن الحكومة لا تملك أية سيطرة على الأوضاع في ثالث مدن غرب البلاد.