جدل في المغرب حول قيود على الجمعيات في رفع دعاوى الفساد

عبد اللطيف وهبي: الدولة وحدها مسؤولة عن مراقبة إنفاق الأموال العمومية.
الجمعة 2025/03/14
وهبي يشن حملة على الجمعيات

الرباط - أثار مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذي يفرض قيودا على حق الجمعيات في التقاضي في ملفات الفساد والمال العام، جدلًا واسعا في الأوساط السياسية والحقوقية بالمغرب.

ودافع وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي، أمام لجنة العدل بمجلس النواب عن تقييد حق الجمعيات في التقاضي في ملفات الفساد والمال العام، واعتبر أنها تروج لمغالطات، مشترطا حصولها على إذن من السلطة وفق ضوابط يحددها نص تنظيمي، ما أثار انتقادات النواب، حيث اختلفت الآراء بين من يرى فيه حماية للمؤسسات الديمقراطية ومن يعتبره انتكاسة لحرية التقاضي والمساءلة.

وأفاد عبد اللطيف وهبي، أن ملف المال العام يشهد مغالطات كثيرة، وأن الدولة وحدها مسؤولة عن مراقبة إنفاق الأموال العمومية من خلال البرلمان ولجان التفتيش المختصة، وأن الدولة ليست “مالًا سائبًا” حتى يتسنى لأي جهة تنصيب نفسها كمدافع عن الحق العام، مشيرًا إلى أن انحراف بعض الممارسات جعل البعض يستحي من العمل السياسي بسبب ما وصفه بـ”حملات التشهير والاستهداف الممنهج.”

محمد الغلوسي: رفض تعديل الإجراءات يمنع من التبليغ عن الفساد
محمد الغلوسي: رفض تعديل الإجراءات يمنع من التبليغ عن الفساد

وأوضح أن “الأموال العمومية هي اعتمادات مالية من الجباية، والدولة هي المسؤولة عن تدبيرها، وأن جمعيات حماية المستهلك، على سبيل المثال، تحصل على إذن التقاضي فورًا لأنها لم يسبق أن تورطت في تجاوزات، على عكس بعض الجمعيات الأخرى، التي تشتغل وفق توجه يستهدف الديمقراطية والمسؤولين المنتخبين بنوايا سيئة.”

وفي وقت أكد فيه وزير العدل أن الرقابة على المال العام اختصاص برلماني، حيث يملك البرلمان صلاحية استدعاء الحكومة لمساءلتها عن أوجه الإنفاق، إضافة إلى دور القضاء في النظر في القضايا ذات الصلة بالإخلالات الجنائية، يرى البرلمانيون أنه يسعى إلى ضبط الممارسة القانونية وحماية المؤسسات من حملات التشهير والاستهداف غير المشروع، تجد الجمعيات أن فرض إذن مسبق للتقاضي يقوض دور المجتمع المدني أي محاربة الفساد والإخلالات المالية.

وينص المشروع، في مادته السابعة، على حصر الحق في إقامة الدعوى المدنية في الأفراد الذين تعرضوا شخصيًا للضرر، مع استثناء الجمعيات ذات المنفعة العامة الحاصلة على إذن خاص من وزارة العدل.

واعتبر نواب برلمانيون أن هذه المادة امتداد للمادة الثالثة، داعين إلى عدم تقييد الجميعات في الدعوى المدنية وحصرها باعتراض الطرف المشتكي، مع عدم حصر الجميعات في “ذات المنفعة العامة” الذي يقلّص عدد الجمعيات التي يتاح لها هذا الحق.

وأكد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن “رفض وزير العدل أي تعديل على المادة 3 أمام لجنة العدل والتشريع، يحمل في طيّاته تكبيل أيدي المجتمع والجمعيات، ومنعها من التبليغ عن جرائم الفساد، كما يُقيّد النيابة العامة في مواجهة لصوص المال العام، ويدفع باتجاه منح الامتياز القضائي لرؤساء الجماعات الترابية، في محاولة لإعادة ما وصفه بهيبة العمل السياسي، وهو ما يتعارض مع دستور الحقوق والحريات، وإعلاء صوت الديمقراطية المواطنة والتشاركية.”

وأضاف الغلوسي في تصريح لـ”العرب”، أن “أخطر ما تحمله المادة 3 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية ليس هو منع الجمعيات والأفراد من التبليغ عن جرائم المال العام، بل هو منع النيابة العامة من تحريك الأبحاث القضائية في جرائم المال العام بشكل تلقائي، وكأنه دعوة صريحة لتعليق أحكام الدستور والقانون، بل وحتى الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.”

في وقت أكد فيه وزير العدل أن الرقابة على المال العام اختصاص برلماني، يرى البرلمانيون أنه يسعى إلى ضبط الممارسة القانونية وحماية المؤسسات من حملات التشهير والاستهداف غير المشروع

ورفض عدد من النواب إعلان وزير العدل عن عدم تجاوبه مع أي تعديل يطال المادة 3 من المشروع، معتبرين أن ما ذهب إليه الوزير صعب، واعتداء على الدستور الذي يتحدث عن مساهمة الجمعيات في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارا ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذلك في تفعيلها وتقييمها، وفيه تجاوز للمؤسسات، وللبرلمان وأن التشريع من اختصاص البرلمان بناء على الدستور.

وانتقد البرلماني عبدالله بووانو، محاولة حرمان الجمعيات الناشطة في مجال الفساد، من حق تقديم الشكايات المتعلقة بحماية المال العام، ووجود بعض الجمعيات التي يمكن وصفها بغير الشريفة، لا يعني حرمان جميع الجمعيات من حقها في الدفاع عن المال العام.

وأكد بووانو أن هناك العديد من رؤساء الجماعات الكبرى والصغرى يمكن وصفهم بالفاسدين، وخاصة من أحزاب الحكومة، غير أن التركيز على الجمعيات دون باقي المؤسسات فيه تبخيس لهذه الجمعيات وللمنتخبين، داعيا لمحاربة الفساد في الجماعات الترابية (البلديات)، من منبعه ومن الأصل.

ولجأ وهبي إلى القانون المقارن للدفاع عن مقترحه بأن هناك مجموعة من الدول التي تقيد هذا الحق، موردا أن القانون الفرنسي يحصر الإذن في يد وزير العدل وأن تكون الجمعيات عمرها خمس سنوات وما إن كانت تتوفر على الشروط ويمنح لها الإذن لثلاث سنوات، وأنه لا مشكل لديه مع الجمعيات العادية التي تهتم بحقوق النساء أو الأطفال أو غيرها من القضايا، بل مع الجمعيات التي تنصب نفسها مدافعة عن المال العام ومحاربة للفساد، مجددا مهاجمة هذه الجمعيات.

4