جدل سياسي في مصر بشأن المشروعات القومية

الحكومة المصرية تدفع بالمزيد من إجراءات الحماية الاجتماعية لمنع الحراك الشعبي.
السبت 2022/05/14
متغيرات دولية تعرقل المشاريع القومية

القاهرة - تزايد الحديث بين قوى مصرية بشأن الجدوى من استمرار توجيه الموارد نحو بناء مشروعات قومية في ظل أزمة اقتصادية عالمية لها ارتدادات محلية أدت إلى ارتفاع نسبة التضخم مؤخرا، ما أسهم في طرح أسئلة حول ما إذا كان من الأفضل أن تُلقي الدولة بثقلها لتبني سياسات تخفف الأزمات الواقعة على كاهل المواطنين أم تواصل مشروعات اتخذ منها النظام المصري عنوانا سياسيا له.

وتحول الجدل الذي نشب بين عدد من نواب البرلمان بشأن فتح اعتماد إضافي للموازنة العامة بقيمة 6 مليارات دولار وبين وزراء أخيرا إلى فرصة مناسبة لمناقشة جدوى بعض المشروعات القومية والحاجة إلى فهم وجهة نظر الحكومة ورأيها في إصرارها على الاستمرار فيها.

وطالب النائب مصطفى بكري -وهو أحد المقربين من الحكومة- فجأة بتجميد العمل في بعض المشروعات الكبرى إلى حين تجاوز الأزمة الاقتصادية، دون أن يوضح ماهيتها أو الفترة التي يستغرقها التجميد، وقال “يجب مراعاة الأولويات. هناك حالة احتقان مجتمعي بسبب معاناة المواطنين”.

وفهم كلام بكري على أنه تمهيد لتجميد قد يلحق بعض المشروعات، غير أن رد وزير النقل الفريق كامل الوزير على تلك المطالبات في تصريحات أطلقها الثلاثاء أشار إلى وجود ارتباك بين جدران الحكومة وداعميها.

محسن النعماني: الحكومة لا تستطيع أن تقنع الرأي العام بجدوى سياساتها

ورأى وزير النقل في دعوات وقف المشروعات القومية “كلاما غير مدروس، وأن المشروعات المتنوعة ركيزة لتوفير بنية تحتية تسهم في توفير بيئة جيدة للاستثمار”، مشبّها من يطالبون بوقفها بمن “يدس السم في العسل”.

وتعد هذه المرة الأولى التي تتطرق فيها دوائر برلمانية إلى وقف العمل في المشروعات القائمة قبل الانتهاء منها، بعد أن جرى التوافق ضمنيا على عدم البدء في مشروعات جديدة والانتظار ترقّبا لما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية عقب اندلاع الأزمة الأوكرانية.

ودائما يجري نقاش في أوساط شعبية تعتقد أنها لم تستفد بشكل كاف من المشروعات التنموية المتناثرة في ربوع مصر، وعبّر البعض عن رفضه لما يسميه “استنزاف” للموارد من خلال التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووجدت الحكومة نفسها مرغمة على التوجه نحو المزيد من إجراءات الحماية الاجتماعية كحائط صد لمنع انفجار مجتمعي غير مستبعد بعد ارتفاع نبرة المعارضة، كي تتحاشى اللجوء إلى خيار وقف العمل في بعض المشروعات الكبرى.

وتحمل الحكومة رؤية منطقية تتعلق بضرورة الاستمرار في ما بدأته، حيث وقعت عقودا استثمارية مع جهات عدة لتنفيذ تلك المشروعات ومن الصعب التراجع عنها.

وحصلت على موافقة البرلمان على خطط القروض المرتبطة بغالبية المشروعات، وفي حال توقفها ستكون ملزمة بسدادها وفوائدها دون أن تستفيد منها.

وقال وزير التنمية المحلية الأسبق اللواء محسن النعماني إن تسارع الأحداث العالمية وانعكاساتها السلبية على العديد من الدول -ومن بينها مصر- أوجد مخاوف قد تدفع باتجاه الضغط على الحكومة لوقف بعض المشروعات القومية والتوجه نحو إيجاد سبل مناسبة لمواجهة ارتفاعات الأسعار، لكن الحكومة تنظر بأفق أوسع لأنها مسؤولة عن مواجهة تحديات مختلفة، أبرزها الاستمرار في تطوير البنية التحتية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مصر ستكون معرضة للمزيد من الخسائر في سباق الانفجار السكاني، حال استجابتها لتلك المطالب، وربما تكون أمام مأزق عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين ما يرفع منسوب الغضب ضدها، والأفضل أن تمضي في الطريق استكمال المشروعات الحالية وعدم الشروع في إنجاز أخرى جديدة إلا بعد دراسات مستفيضة تؤكد الحاجة الملحة إليها.

وشدد النعماني على أن مشكلة الحكومة تكمن في كونها لا تستطيع أن تقنع الرأي العام بجدوى سياساتها، بحيث يتشارك الجميع في تحمل تبعات الأزمة، ولذلك عليها مراجعة بعض تصوراتها الاقتصادية كي تتمكن من إقناع المواطنين برؤيتها، ما يجعل هناك قناعة عامة بأهمية الحفاظ على ما حققته من إنجازات على المستوى التنموي.

وفي المقابل هناك قوى معارضة ترى صعوبة إقناع الناس بالانخراط في التقشف دون أن تتبنى الحكومة سياسة تشي بأنها حريصة على توجيه مواردها نحو مواقعها السليمة، وعليها وقف الاقتراض من الخارج الذي يشكل أول عوامل فقدان الثقة ، والتراجع عن إجراءات أثقلت المواطنين بالأعباء.

استكمال المشروعات حاجة ملحة للحكومة المصرية
استكمال المشروعات حاجة ملحة للحكومة المصرية

ويبدو أن بعض الدوائر الحكومية أخذت تقتنع وتمضي في التمهيد للتراجع عن بعض القرارات ذات الارتباط بالأبعاد الاقتصادية التي أثارت جدلاً واسعًا خلال الفترة الماضية.

وظهر ذلك في قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي أخيرا بإعفاء مدخلات الإنتاج والمواد الخام من قواعد البنك المركزي الصادرة في فبراير الماضي، وإلزام المستوردين باستخدام خطابات الاعتمادات المستندية لتغطية الواردات.

وتسبب قرار البنك المركزي في أزمة جديدة بعد أن أدى إلى عرقلة دخول العديد من السلع والمواد الخام ذات الارتباط المباشر بالإنتاج إلى البلاد وأصيبت عمليات استيراد القطاع الخاص بحالة من الشلل، ما قاد إلى ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة، وتصاعدت أصوات رجال الأعمال المطالبة بالتراجع عنه لإحداث قدر من الانضباط في الأسواق.

وأكد الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي أن الأزمة التي تعاني منها الحكومة تتعلق بعدم إتاحة المعلومات الكافية حول خططها ومشروعاتها وجدواها الاقتصادية ، ما يؤدي إلى تشكيل صورة سلبية عن سياساتها المرتبطة بالمشروعات القومية، وقد تكون ثمة حاجة ملحة إلى بعضها أو الجزء الأكبر منها، وتجد نفسها أمام مطالبات بوقف المشروعات دون معرفة تفاصيلها.

وتوقع في تصريح لـ”العرب” حدوث المزيد من التحولات في السياسات الاقتصادية للحكومة لتجاوز عاصفة التأثيرات السلبية للأزمة الأوكرانية، وقبلها انتشار وباء كورونا، مع أهمية أن يكون ذلك مرتبطا بقيمة الضرائب والشرائح التي تقدمها، وسط مخاوف من تحول حالة الغضب الكامن إلى فعل يُجهز على بعض الإنجازات التي حققها النظام المصري منذ رحيل الإخوان.

وقلل سامي من إمكانية أن يُفضي الحوار الوطني المنتظر إلى حلول اقتصادية متفق عليها بين الحكومة والمعارضة بعد أن وسعت الجهات المسؤولة عنه دائرة الأطراف المشاركة فيه، وأتاحت الفرصة أمام تيارات لم تكن محرومة من التعبير عن رؤيتها أو تطبيقها في السنوات الماضية، ما يجعل رؤية المعارضة للمشكلات الاقتصادية محل اعتراض كيانات عديدة محسوبة على الحكومة أو موالية لها.

2