جدل حول مصير حكومة عبدالحميد الدبيبة يسبق تأجيلا محتملا للانتخابات

أثار الإعلان المحتمل عن تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا المقرر تنظيمها في الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري جدلا واسعا بشأن مصير حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، حيث حذرت أوساط سياسية ليبية من حدوث فراغ سياسي في البلاد، خاصة وأن رئيس الحكومة بالوكالة رمضان أبوجناح نفى أن تسلم حكومته السلطة في التاريخ المذكور في حال لم تجر الانتخابات، مؤكدا أنه لن يتم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة.
تونس - تفجر في الساعات الماضية جدل واسع حول مصير الحكومة الليبية المؤقتة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، قبيل الإعلان المحتمل عن تأجيل الانتخابات المقرر تنظيمها في الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري.
وقبل عشرة أيام على موعدها، يبدو أن الانتخابات الرئاسية تتجه إلى التأجيل لأسباب فنية، بعد أن عجزت المفوضية العليا للانتخابات عن نشر القائمة النهائية للمتسابقين، وتأخر بدء الحملة الدعائية، والدخول في مرحلة جديدة من التجاذبات مع مجلس النواب والمجلس الأعلى للقضاء بهدف استبعاد عدد من الشخصيات الجدلية من الاستحقاق، وهو أمر بالغ الخطورة نتيجة التوازنات السياسية والاجتماعية التي قد تؤدي أي محاولة للإخلال بها إلى العودة بالبلاد إلى مربع العنف والفوضى.
وأدى الشعور المتزايد بأن تنظيم الانتخابات في موعدها بات أمرا شبه مستحيل، إلى بروز نذر أزمة حول مصير حكومة الدبيبة التي كانت نالت ثقة مجلس النواب في مارس الماضي، على أساس تحولها إلى حكومة تصريف أعمال في الرابع والعشرين من ديسمبر، وفي الواحد والعشرين من سبتمبر الماضي قرر مجلس النواب حجب الثقة عنها رسميا، واعتبارها حكومة لتصريف الأعمال حتى الثالث والعشرين من ديسمبر، وهو ما يعني ضرورة أن تسلم عهدتها إلى سلطات جديدة في ذلك التاريخ، أو أن تدخل البلاد في حالة من الفراغ الحكومي.
مرشحا للرئاسيات قالوا إن قناعتهم راسخة بأن حكومة الدبيبة تنتهي ولايتها في 24 ديسمبر
ولكن رئيس الحكومة بالوكالة رمضان أبوجناح قال إن حكومة الوحدة المؤقتة هي الحكومة الشرعية وصاحبة السلطة، ولن تسلم مقاليد الحكم إلا لحكومة منتخبة، مضيفا “سنسلم السلطة للحكومة التي تنتخب في الرابع والعشرين من ديسمبر”، مشددا على “ضرورة أن يحافظ الشعب على ما تحقّق من استقرار عبر الانتخابات”.
وقال أبوجناح خلال مؤتمر صحافي عقده مساء الأحد مع عدد من وزراء الحكومة في العاصمة طرابلس، إن “حكومة الوحدة داعمة لقيام الانتخابات في موعدها”، مؤكدا كذلك أن “القضاء قال كلمته بشأن الطعون الانتخابية”.
ويرى مراقبون أن خروج أعضاء الحكومة في مؤتمر صحافي بعد ساعات قليلة على وصول مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة المكلفة بالملف الليبي ستيفاني ويليامز إلى طرابلس، كان رسالة موجهة بالأساس إلى مجلس الأمن وواشنطن، ومن ورائهما المجتمع الدولي، وتتضمن إشارتين مباشرتين من رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة ومراكز النفوذ التي تدعمه، أولاهما تهدف إلى التنصل من أي مسؤولية عن تأخير محتمل للسباق الرئاسي، والثانية تنص على قرار بالبقاء في الحكم، في تجاوز واضح للالتزامات السابقة وتحدّ لقرارات البرلمان، وهو ما قد يهدد بانتكاسة لمبادرة الحل السياسي.
وينتظر أن يمثل بقاء الحكومة على رأس مهامها أزمة سياسية جديدة في البلاد، خاصة مع الانتقادات الواسعة التي يواجهها رئيسها، وقال 18 مرشحا للرئاسيات في بيان مشترك الأحد “قناعتنا الراسخة بأن حكومة الوحدة الوطنية تنتهي ولايتها في الرابع والعشرين من ديسمبر، وفقا لقرار منحها الثقة بمجلس النواب وقرارات مجلس الأمن، وكذلك التعهدات الموقعة من السلطة التنفيذية المكتوبة والواردة في التصريحات الإعلامية الصادرة عنها“.
واتفق المرشحون، ومن بينهم وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، على “رفض تضارب المصالح بين دور الحكومة في تيسير العملية الانتخابية وترشح رئيسها للانتخابات الرئاسية، مما ينتج عنه عدم تكافؤ الفرص واستخدام موارد الدولة في الدعاية الانتخابية“.
وتشير أوساط ليبية مطلعة إلى أن ويليامز ستعود الى آلياتها السابقة، وستدعو إلى اجتماع لملتقى الحوار السياسي للنظر في مجريات الأحداث وما تتطلبه المرحلة القادمة من إجراءات عملية، لمواجهة المأزق الذي دخلته البلاد، لكنها ستدرك مرة أخرى أن حلولها لا تخرج عن دائرة الترقيع غير المجدي، ولاسيما في ظل العجز عن حل أزمة الميليشيات والجماعات المسلحة وإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة، وتوحيد المؤسسة العسكرية، وتحقيق المصالحة، حيث إن تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة وضمان القبول التام بنتائجها، لا يمكن أن يتحققا إلا في ظل استقرار أمني واحتكار من الدولة للسلاح والقوة، وسيطرة لسيادة القانون، واحترام مطلق لإرادة الناخبين، ولقرارات القضاء.
وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إن ويليامز سوف تتولى وبالتنسيق الوثيق مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، قيادة جهود المساعي الحميدة والوساطة والعمل مع الجهات الفاعلة الليبية والإقليمية والدولية على متابعة تنفيذ المسارات الثلاثة للحوار الليبي - الليبي، ودعم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وستعمل مع الأطراف الليبية الفاعلة على مساعدتها في المحافظة على الزخم الذي تحقق حول الانتخابات الوطنية، وتجسد في الإقبال غير المسبوق للناخبين على تسجيل ونجاح توزيع بطاقات الناخبين وتسجيل عدد كبير من المرشحين الرئاسيين والبرلمانيين.
وتواجه ليبيا جدلا واسعا حول ترشح شخصيات جدلية للسباق الرئاسي، أبرزها قائد الجيش المشير خليفة حفتر الذي يلقى ترشحه رفضا من قبل تيار الإسلام السياسي وميليشيات المنطقة الغربية، وسيف الإسلام القذافي الذي يمثل تيار النظام السابق الذي يواجه ترشحه معارضة من القوى التي قادت حرب الإطاحة بنظام والده، والدبيبة الذي يتعرض لانتقادات واسعة بسبب تراجعه عن التزامه أمام ملتقى الحوار السياسي بعدم الترشح للانتخاب في حال اختياره رئيسا للحكومة، وكذلك نتيجة خرقه للمادة الـ12 من قانون انتخاب الرئيس، واستغلاله مقدرات الدولة في الترويج لنفسه كمنافس على منصب رئيس ليبيا القادم.
وينتظر أن يعقد مجلس النواب غدا الأربعاء جلسة في طبرق، شرقي البلاد، للاطلاع على نتائج التحقيق الذي كلفت به لجنة من أربعة أعضاء الأسبوع الماضي. ويتمثل في إجراء اتصالات مع مفوضية الانتخابات والمجلس الأعلى للقضاء لتحديد المعوقات التي تواجه الاستحقاق الرئاسي، وللنظر في الخروقات بخصوص تطبيق قانون انتخاب الرئيس.
والسبت الماضي أعلنت المفوضية تأجيل الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية لأسباب قضائية وقانونية. وقالت إنها ستعمل على اتخاذ كل طرق التقاضي للتأكد من تطابق قراراتها مع الطعون المقدمة والأحكام القضائية الصادرة بالخصوص، مشددة على أن نجاح العملية الانتخابية مسؤولية تضامنية لا تتحملها وحدها.
رمضان أبوجناح رئيس الحكومة بالوكالة قال إن حكومة الوحدة المؤقتة هي الحكومة الشرعية وصاحبة السلطة، ولن تسلم مقاليد الحكم إلا لحكومة منتخبة
وأكدت المفوضية حرصها على ألا يقتصر دورها على تنفيذ القانون فقط، وإنما يمتد إلى تنفيذ صحيح القانون بما ينعكس على مصداقية نتائج الانتخابات، وأضافت المفوضية أنها ستتبنى بعض الإجراءات القضائية والقانونية بالتواصل مع المجلس الأعلى للقضاء واللجنة القانونية المشكلة من مجلس النواب، وذلك قبل إعلان القائمة النهائية للمرشحين.
وفسر مراقبون محليون بيان المفوضية بالاتجاه نحو إقصاء عدد من الشخصيات الجدلية من السباق الرئاسي، وهو ما سيتم بالتنسيق بينها وبين مجلس النواب، بينما كشف المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا عن تعرض بعض القضاة للتهديد والترهيب، كما منعوا من دخول المحاكم، وذلك ضمن معركة الطعون الانتخابية التي عرفتها البلاد مؤخرا، نافيا أن يكون عدد من أعضائه قد حصلوا على رشاوى من قبل مرشحين، مشددا على أن مؤسسة القضاء “وقفت وحدها، ولم يدافع عنها حتى الكثير من المحسوبين عليها، بل وقع قضاتها ضحية التهديد والترهيب، وحيل بينهم وبين دخول المحاكم”، وفق نص بيان صادر عنه.
وبينما بات تأجيل الانتخابات الرئاسية شبه مؤكد، سيكون على البعثة الأممية البحث عن مخرجات عاجلة لضمان الإبقاء على منسوب التفاؤل بمغادرة حلبة الصراع نهائيا، خاصة في ما يتصل بالحكومة الحالية، وما إذا كانت ستواصل مهمتها في تجاهل لقرار حجب الثقة عنها، بما يعني العودة إلى سياقات العمل الحكومي من خارج الشرعية كما كان بالنسبة لحكومة الوفاق، أم سيتم حلها وتعويضها بحكومة كفاءات مؤقتة تقود المرحلة القادمة، التي قد تستمر ما لا يقل عن ستة أشهر لإنجاز الاستحقاقات الرئاسية والتشريعية والتوصل إلى توافقات حقيقية لإرساء سلطة مستقبلية تحظى بقبول من جميع الأطراف.