جدل إلكتروني لا ينتهي بعد استقبال عميد مسجد باريس لمدونة فرنسية أساءت للإسلام

استقبال عميد مسجد باريس للمدونة ميلا يثير جدلا واسعا على مواقع التواصل حيث اعتبر البعض أن عميد المسجد "فعل حسنا" فيما انتقده آخرون وطالبوا بطرده وتأديبه.
الاثنين 2021/07/12
ميلا "تعتذر قليلا"

تحول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي من انتقاد تصريحات الشابة الفرنسية ميلا تجاه الإسلام إلى انتقاد عميد مسجد باريس الذي استقبلها في المسجد بل وقدم لها نسخة زهرية من القرآن مترجمة إلى الفرنسية.

باريس- أثار استقبال عميد مسجد باريس الكبير شمس الدين حفيظ الجمعة للمدونة الفرنسية ميلا (18 عاما)، التي أحدثت قضيتها جدلا كبيرا خلال الأشهر الماضية بعدما انتقدت الإسلام والقرآن ردود فعل حادة على منصات التواصل الاجتماعي، وتلقت رسائل تهديد من بعض رواد هذه المواقع.

وخلال الزيارة التي وصفتها ميلا بأنها فرصة “لتهدئة الأمور للجميع” أهداها عميد المسجد نسخة وردية من القرآن مترجمة إلى اللغة الفرنسية، وصفتها ميلا باعتبارها “رمزا للسلام بالنسبة إليّ”.

وخلال الزيارة، قاد عميد المسجد ميلا في جولة داخل مبنى المسجد المزخرف وقاعة الصلاة والمنارة، فيما اطلعت كذلك على مكتبة المسجد والمنبر والمئذنة وتلقت شروحات عن المسجد ودوره ومكانته لدى المسلمين، بحسب ما قالت شبكة “يورونيوز” الأوروبية. وفي ختام الجولة التي دامت ساعتين وتحت حراسة مشددة، قال حفيظ لميلا إن مسجد باريس “مفتوح لها في أي وقت”، مؤكدا أن أبوابه مفتوحة للجميع من أجل إظهار الصورة الحقيقية للإسلام.

وأشار إلى أنه يعتقد أن “كلمات ميلا الحادة” جاءت في “سياق خاص” واستُغلت للتنمّر عليها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وأثار استقبال عميد المسجد لميلا جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي تردد صداه عربيا. وفيما قال مغردون إن عميد المسجد “فعل حسنا” بدعوته ميلا لتبيان سماحة الإسلام وتسامحه، كال له كثيرون الشتائم والاتهامات، ووصل الأمر حدّ المطالبة بطرده وتأديبه:

7zNqXP0yrODdRjK@

عميد مسجد باريس لا بد أن يتم طرده وتأديبه تأديبا لا ينساه بالتزامن مع الفرنسية ميلا.

قال مغرد آخر:

وقال إعلامي فرنسي:

mompontet@

من بين الأشخاص الذين أثاروا إعجابي بشجاعتهم وإنسانيتهم مؤخرا هذا الرجل: شمس الدين حفيظ، رئيس جامع باريس الكبير.

وتأتي هذه الزيارة بعد يوم واحد من إدانة محكمة فرنسية لـ11 شخصا من بين 13 وجهت إليهم تهم التهديد والتحرش بميلا بعد نشرها مقطع فيديو مثيرا للجدل اعتبر معاديا للإسلام، ما أجبرها على تغيير مدرستها واحتياجها لحماية الشرطة بشكل دائم.

وتراوحت الأحكام الصادرة بحق المدانين الـ11 ما بين أربعة إلى ستة أشهر إضافة إلى غرامة مالية قيمتها 1770 يورو لكل واحد منهم.

وبحسب وكالة أسوشييتد برس فإن المتهمين الـ13 ذوو خلفيات وبيئات وأديان مختلفة في فرنسا، لكنهم كانوا هم الوحيدون الذين تمكنت أجهزة الدولة من تعقبهم، علما بأن كثيرين كتبوا تعليقات أو وجهوا رسائل لميلا.

ويقول محاميها إنها تلقت منذ ذلك الوقت 100 ألف رسالة كراهية، وتعيش تحت حماية الشرطة على مدار 24 ساعة. وقال القاضي إن التغريدات كانت ضمن حملة “تحرش لها تأثير نفسي وجسدي” على ميلا. وأضاف “في الشارع ممنوع على المرء إهانة أو تهديد شخص لا نحب مواقفه وكلماته”. وقال “الشيء نفسه ينطبق على وسائل التواصل الاجتماعي”.

عميد مسجد باريس أهدى للمدونة ميلان نسخة وردية من القرآن مترجمة إلى اللغة الفرنسية

يذكر أن الحكم الصادر في فرنسا يُعدّ الأول من نوعه، حيث أنشئت محكمة باريسية متخصصة بالجرائم التي تحدث في المجال الافتراضي، ومن ضمنها جرائم التحرش والتنمُّر والتمييز. وكانت المراهقة ميلا، التي أسست قضيتها لأول محاكمة متعلقة بالتنمر عبر الإنترنت، قالت في شهادة سابقة أدلت بها الشهر الماضي إنها تشعر “كأن حكما بالقتل صدر عليها”.

وبعد صدور الحكم، قالت ميلا إن جميع الضحايا يجب أن ينضموا إلى الكفاح ضدّ الانتهاكات في العالم الافتراضي، وإنه يجب منع المتحرشين من الدخول إلى شبكات التواصل الاجتماعي، لكنها أضافت أنها كانت تتوقع حكما أخفَّ من ذلك.

وتعود الحادثة إلى 18 يناير 2019 حينما تحدثت ميلا خلال بث مباشر على حسابها على إنستغرام عن حياتها الجنسية، وهو ما دفع أحد المتابعين المسلمين إلى وصفها بـ”المِثلية القذرة”.

وهنا قالت ميلا “أكره الدين الإسلامي. القرآن دين الكراهية”. وتابعت “لستُ عنصرية. لا يمكن للشخص أن يكون عنصريا تجاه دين. قلتُ ما أفكر فيه. ولا يمكنك أن تشعرني بالندم على هذا”.

عقب هذه الكلمات، تعرّضت ميلا للتهديد بالقتل والاغتصاب وأوقفت حسابها على إنستغرام. وقالت إن حياتها “توقّفت” إذ امتنعت عن الذهاب إلى مدرستها خوفا على حياتها. وتتكفل الشرطة الفرنسية بحمايتها وحماية أسرتها.

وكانت الشرطة الفرنسية قد فتحت تحقيقين: الأول موضوعه هل ميلا مذنبة بنشرها “خطاب كراهية”. والثاني يتصل بملاحقة مهاجميها على الإنترنت. ولكنّ الشرطة أسقطت القضية الأولى المتعلقة بخطاب الكراهية لأن “ميلا كانت تُعبّر عن رأي شخصي في الدين ولم تستهدف أفرادا”.

أثارت هذه الحادثة نقاشا واسعا بشأن حرية التعبير في فرنسا التي لا يُعتبر التجديف فيها فعلا يُعاقب عليه القانون إذ يحكمها دستور علماني صارم.

وفي ظهورها العلني الأول عقب إغلاق حسابها، على قناة فرنسية، قالت ميلا إنها ليست نادمة على إساءتها إلى الإسلام. ولكنها “تعتذر قليلا” لمن يُمارس طقوسه الإسلامية بـ”سلام”. ولفتت إلى أنها ليست راضية تماما عن استخدامها كلمات “شعبية” وانتشار ما قالته على نطاق واسع في فضاء الإنترنت.

وفي هذا السياق، اعتبر رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موسوي، أنه لا يوجد ما يبرر التهديدات بقتل أي إنسان مهما كان رأيه.

وقال وزير التربية الفرنسي جان-ميشال بلانكر إن السلطات الفرنسية تُحاول إعادة ميلا إلى المدرسة مجددا بـ”سلام”، لتُكمل حياتها بشكل طبيعي.

عميد مسجد باريس يعتقد أن "كلمات ميلا الحادة" جاءت في "سياق خاص" واستُغلت للتنمر عليها

وانقسم مستخدمو تويتر، كعادتهم، إلى قسمين. وفيما أطلق متعاطفون مع ميلا هاشتاغ #JeSuisMila (أنا ميلا) تضامنا مع “حرية نقد الديانات”، استخدم رافضون هاشتاغ #JeNeSuisPasMila (لست ميلا)، معتبرين أن “الإساءة إلى أي دين غير الإسلام لا تندرج تحت حرية التعبير، ولكن الإساءة إلى الإسلام تندرج تحت حرية التعبير”.

وتضمنت الكثير من التغريدات المؤيدة والمعارضة الكثير من العنصرية. وتصدّر هاشتاغ (أنا ميلا) الترند في فرنسا بعد صدور الحكم. وشارك فيه شخصيات عامة. وتحدث الرئيس إيمانويل ماكرون عن دعمه للمراهقة، قائلا إنه في فرنسا “لدينا الحق في التجديف”.

وكان معلم مدرسة، هو صمويل باتي، قد قتل في شهر أكتوبر الماضي قرب مدرسته في باريس، بعد أيام من عرضه صورا كاريكاتيرية للنبي محمد أثناء حصة حول حرية التعبير.

19