جدال مغربي رسمي حول جدوى حظر تيك توك وتأثيراته

وزارة الاتصال لا تريد الحجر على حرية التعبير والرأي أو المساس بالآراء والحريات.
السبت 2024/10/05
سوق يضم الصالح والطالح

الرباط - بحث وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد، مع مدير السياسات العامة بمكتب تيك توك لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط وائل عزت، وضع حد لـ”المحتوى المسيء لقيم المغاربة”، إثر تزايد الدعوات لتشديد الرقابة على تطبيق تيك توك أو حظره أو تقنينه. ويسعى المغرب إلى ضمان محتوى جدي وهادف على مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاربة الظواهر السلبية كالتضليل والأخبار الزائفة والتشهير بالحياة الخاصة للمواطنين.

وأكد بنسعيد خلال اللقاء الذي عقد الأسبوع الماضي، أنه لا يريد الحجر على حرية التعبير والرأي وعدم المساس بالآراء والحريات للمواطنين، مؤكدا أن هذه الخطوة مرتبطة باحترام حرية التعبير والرأي المكفولة بمقتضى الدستور والمواثيق الدولية، حيث جرى الاتفاق مع ممثل شركة تيك توك على مواصلة التنسيق والتعاون للوصول إلى الأهداف المسطرة.

وأكد حسن خرجوج خبير في التطوير الرقمي، أن اللقاء يدخل ضمن تبادل الخبرات بشأن المحتوى الذي يروّج عبر منصة تيك توك بالمغرب، وأن مدير المنطقة ليس له دخل كبير في صنع القرار على المستوى المركزي لكن يمكنه أن يقدم توصياته في هذا الشأن، ومادامت المنصة تخدم مصالح الشركة الأم فإنه من المستبعد أن يتم حذف تيك توك في المغرب.

ولفت خرجوج في تصريح لـ”العرب” إلى أن المحتوى الهادف أو التافه مرتبط بصانع المحتوى وشروط المنصة وأن لا يكون سيئا إلى حدود ما، خصوصا مع المنافسة الشديدة بين منصات التواصل الاجتماعي ومن الصعب مراقبة المحتوى، واعتبر أن المحتوى الذي يروج عبر المنصات الرقمية مرآة المجتمع وعلى وزارة الشباب والثقافة والتواصل أن تفكر في برامج تكوين لصناع المحتوى وتهيئة من أجل ضبط نسبي للمحتوى.

ويتجه عدد من النواب البرلمانيين أعضاء داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب إلى إعادة طرح مقترح قانون يهدف إلى حظر تطبيق تيك توك، وذلك خلال الدورة التشريعية المقبلة، في ظل تزايد المخاوف بشأن تأثير محتوياته السلبية، رغم تباين وجهات النظر في هذا الموضوع بين من يرى في هذه المنصة تهديدًا للقيم المجتمعية، ومن يعتبرها مجرد أداة ترفيهية يمكن التحكم في محتواها عبر آليات رقابية مناسبة وبين من يعتبرها تدر أموالا طائلة على حساب قيم المجتمع.

ومواكبة للجدل الدائر حول محتوى تيك توك بشكل خاص، يرى عدد من النواب البرلمانيين ضرورة فتح الموضوع لما لهذا التطبيق من تأثير مباشر على المراهقين والشباب المغاربة، واستعدادهم، أغلبية ومعارضة، للتفاعل الإيجابي مع أي مقترح يهم تخليق الحياة المجتمعية والمشاكل المرتبطة بهذه التطبيقات الرقمية وما صار يبثّ فيها من فضائح، وهو ما سيتطلب مساهمة الأحزاب السياسية والفرق البرلمانية والمؤسسة التشريعية برمّتها في هذا النقاش دون الدخول مباشرة والحديث عن الحظر باعتباره سابقا لأوانه.

حسن خرجوج: التطبيق بمثابة سوق يضم الصالح والطالح من المحتويات
حسن خرجوج: التطبيق بمثابة سوق يضم الصالح والطالح من المحتويات

ودعا كل من المستشار البرلماني عن الاتحاد الوطني للشغل خالد السطي، والنائب البرلماني مولاي المهدي الفاطمي عن الاتحاد الاشتراكي الحكومة إلى حماية الشباب من التداعيات السلبية لتطبيق تيك توك، بتشديد الرقابة عليه أو حظره أو تقنينه. وفي سؤال كتابي لوزير الشباب والثقافة والتواصل، نبه السطي إلى مجموعة من الدراسات التي حذرت من التداعيات السلبية لبعض التطبيقات الإلكترونية على الصحة النفسية والعقلية لمستعمليها، مطالبا الوزير باتخاذ إجراءات لحماية الشباب من تداعيات تيك توك، “بسبب المحتوى الذي يتم بثه والذي لا يخضع لأيّ مراقبة أو ضوابط”، مشيرا إلى سعي بعض الدول إلى حظره بصفة نهائية.

وأعلن إدريس السنتيسي، رئيس فريق حزب الحركة الشعبية بمجلس النواب، أنه مع مبادرة حظر تيك توك من جديد، لكونه أحدث ضررا كبيرا بالقيم المجتمعية وبالحقيقة، مسجلاً أن “هناك محتويات خطيرة يتمّ ترويجها من قبيل التشهير والتسول الإلكتروني والتضليل وغير ذلك، وهذه لها تأثيرات غير سويّة على بعض الفئات العمرية الحساسة، لاسيما الشباب والمراهقين، كما أن المضامين المنتشرة فيها صارت تسيء إلى صورة المغرب، وهذا ما يستدعي أن تفتح المؤسسة التشريعية نقاشا جديا بهذا الخصوص”.

ومع عزم برلمانيين التقدم بمقترح القانون، أشار وزير العدل عبداللطيف وهبي إلى صعوبة منع أو غلق تيك توك وفيسبوك كون المنصتين تابعتان لشركات عالمية ضخمة تقع خارج حدود السلطة المغربية. وأكد حسن خرجوج، خبير في التطوير الرقمي، أن مقترح قانون لحظر تيك توك تحت مبرر انتشار المحتويات السلبية والتافهة على التطبيق صعب جدا، ويجب استحضار مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية إذ أن حظر هذا التطبيق يمكن أن يخلق احتكاكا مع الجانب الصيني، وعلى المستوى الاقتصادي فتطبيق تيك توك، الذي يضم 22 مليون مستخدم مغربي، يربح مئات الملايين من الدولارات سنويا كعوائد إعلانات للشركات المغاربة.

واعتبر خرجوج في تصريحه لـ”العرب” أن عمل لوغاريتمات تيك توك يعتبر أن مشاهدة المستخدم لمقطع فيديو أو ريلز ما هو دليل على اهتمامه بمحتواه، وبالتالي تقترح عليه فيديوهات شبيهة، وأن التطبيق بمثابة سوق يضم الصالح والطالح من المحتويات ويمكن للمستخدم أن ينتقي منها ما يريد، وبناء على هذا الانتقاء يقدم له تيك توك.

وبرزت منصة تيك توك ضمن منصات التواصل الاجتماعي الأخرى التي تم استغلالها لتهييج الشباب والمراهقين على الهجرة غير المشروعة بشكل جماعي، ومحاولة اقتحام السياج الحدودي لمدينة سبتة يوم 15 سبتمبر 2024، حيث أكدت مصالح الأمن أن العمليات الأمنية التي باشرتها مصالح الشرطة بكل من مدينتي طنجة وتطوان لمكافحة المحتويات الرقمية التي تحرض على تنظيم الهجرة غير المشروعة، خلال الفترة الممتدة ما بين 9 و11 سبتمبر 2024، أسفرت عن توقيف 60 شخصا، من بينهم قاصرون، وذلك للاشتباه في تورطهم في فبركة ونشر أخبار زائفة على شبكات التواصل الاجتماعي تحرض على تنظيم عمليات جماعية للهجرة غير المشروعة.

وترى منظمة حريات الإعلام والتعبير “حاتم” أن الحديث عن حظر تيك توك لوحده ينطوي على ممارسة نوع من الانتقائية، وأن الحظر ليس خيارا ناجعا؛ لأنه ينافي من جهة حرية الرأي والتعبير، ومن جهة ثانية فإن مجابهة المحتويات غير الأخلاقية التي تروّج داخله أو في غيره من الوسائط الرقمية لا يمكن أن تنجح في ظل عدم وجود تربية على وسائل الإعلام الجديد ودون حد أدنى من بناء مجتمع المعرفة مما يعني تضافر جهود عدة قطاعات ومؤسسات.

5